مقالات

نصّار.. ظُلم مرتين! بقلم| عبدالرحمن بجاش

بقلم| عبدالرحمن بجاش

ما أسوأ الجهل، وما أحقره!

يحول المجتمعات إلى مجرد سياف يقطع عنق من يقول شيئًا مخالفًا للسائد.

ذلك الشاب كان في رأسه ألف سؤال، الجواب الوحيد الذي سمعه مرارًا همسًا وجهرًا: هو ملحد. العاجز عن إدراك أيٍّ من أسئلته، جاهر بالقول: اقتلوه. وأولاده كلما مر أحدهم في الشارع، قال أقرب جاهل: أولاد الكفار.

طوال عمره القصير، كان يتمنى أن يسمع أحدهم يقولها: ناقشوه. هذا محرم في المجتمع الجاهل الذي يحصر الحياة بين الحلال والحرام، ويحمل الله ورسوله كل جهله وأوزاره، الله أمر رسوله بأن يقرأ، والقراءة الواعية تؤدي إلى تنافس الأفكار، وتنافسها يؤدي إلى الحوار، لكن رجال الدين السلطانيين دفعوا الملوك إلى جز أعناق كل المختلفين.

شاب يعزف موسيقى، يقرأ بلا حدود، حتى أحس أن رأسه يكاد أن يتفجر، حاول ما استطاع أن يجد متنفسًا في نقاش وحوار، فوجد الصم والبكم والعمي.

ذكرني ذلك الشاب بالسيد نور الدين رحمه الله في قدس، كنا أيام حياته صغار سن، لا ندري شيئًا عن الدنيا سوى ما تقوله جداتنا: السيد سينصف بكم إذا تحدثتم عنه بسوء!

كان الرجل لا يهدأ من التجوال في كل قرى قدس، كأنه كان يبحث عمن يكلمه، فلما لم يجد، تراه يجاور الماء، والدور المهجورة، ويعتكف أيامًا لا يقابل أحدًا، لأكتشف بعد سنين أن الرجل جاء وسط مجتمع جاهل، فعاش لوحده حتى تُوفّي. لنعرف سره الآن، فقد كان فكرًا أكبر من الواقع.

ذلك الشاب نصار رحمه الله كان خلوقًا مؤدّبًا، لا تكاد تسمع صوته إلا همسًا….

سيقول أقرب جاهل مسكين: قد قال بنفسه إنه ملحد! أقول له؛ من نقمته على المجتمع الأصم، من له الحق في أن يقول هذا ملحد وهذا كافر!

ذلك الشاب الجميل العدني، قال أو كتب أنه يرى الله في الزهور، هل هناك أجمل من الزهور خلق الله؟! علق عليه متعصب جاهل: تعال إلى المكان الفلاني، تعال إلى المكان الفلاني لأقتلك، وبقية القصة معروفة، لقد قتلوه كالخروف!

أن تتحول إلى آية الزمان والمكان وتكفر الناس وتطلق أحكامًا بإعدامهم ماديًّا ومعنويًّا، فهي مصيبة المصائب، حيث ستتحول مع هذا الضخ الطائفي والمذهبي إلى كارثة تجر هذا المجتمع إلى القتل والقتل الآخر….

خلاصة الأمر أن نصار تُوفّي ولم تقبل مساجد الحي الذي يسكنه بأن تصلي عليه! ليذهبوا به إلى مسجد في حي آخر.

وفي المقبرة ترددوا في أن ينزلوا ليوسدوه!

وفي القاعة للعزاء لم يتواجد أحد!

اتركوا الخلق للخالق..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى