مقالات

خلافات بين الحليفين الإقليميين و دور مارتن غريفيث

بقلم دكتور / حسن زيد بن عقيل
اليمن ، أفقر البلدان العربية و يشهد حرباً أهلية شاملة مستمرة منذ ما يقرب من  الخمس سنوات و نصف . أحدثت الحرب أسوأ أزمة إنسانية في العالم . بسببها  انتشرت المجاعة  و وباء الكوليرا و جائحة كوفيد – 19 و امراض اخرى لا تحصى ، تفاقمت بسبب سوء التغذية . الجدير بالذكر ان شدة الحصار الاقتصادي و زيادة القيود على الاستيراد مع تدهور العملة الوطنية وتقطع / انقطاع مرتبات موظفي الدولة اليمنية أدى إلى اتساع سوء التغذية و انعدام الأمن الغذائي بين السكان . نعلم ان اليمن يعتمد بدرجة عالية على السلع المستوردة بما في ذلك الغذاء و الوقود . من نتائج هذا الحصار ايضاً ظهور نقص حاد في المستلزمات الضرورية مثل الغذاء و الماء و الدواء و الوسائل الطبية ، فعلى سبيل المثال لا الحصر معظم الأطفال في اليمن مُعرضون لخطر الإصابة بأمراض يُمكن و صفها بالفتاكة نتيجة نقص الماء الصالح للشرب و انتشار الماء الملوث . إذا استمر هذا الوضع سوف يكون الشعب اليمني بالكامل تحت خطر المجاعة .
دور التحالف في استمرار الكارثة الانسانية في اليمن   
يبدو أن اليمن الجنوبي تحول إلى ساحة  معركة بين الحليفين الإقليميين . بعد خروج قوات  انصار الله و حلفائهم  من جنوب اليمن ، وعودة حكومة هادي إلى مدينة عدن . رأى الإماراتيون ان توجهات حكومة هادي و حليفهم الإقليمي المملكة العربية السعودية يتناقض مع توجهاتهم حول مستقبل اليمن ، لذا اتخذا الحليفين الإقليميين مسارين متباينين . بدأت الإمارات بالعمل خارج نطاق المهام المكلفة بها ، وهي قتال الحوثيين و مكافحة الارهاب ، نحو استقطاب عناصر من الحراك الجنوبي الرافضة للوحدة و المختلفة مع الرئيس هادي لهذا السبب أو ذاك . اضف إلى ذلك عملت على تدريب  قوات  محلية  حليفة لها في كل المحافظات  الجنوبية ضمن  إطار ” قوات  الدعم  و الإسناد ” التي تضم  قوات” الحزام الأمني” ، التشكيل الأكبر و الأكثر فاعلية من التشكيلات الأخرى الممولة و المدعومة من الإمارات . درّبت هذه القوة على عقيدة عسكرية على نحو يجعل السعودية عاجزة عن الاستفادة منها بعد الانسحاب . لكن عندما اشتدّت هجمات انصار الله على البنية التحتية الاساسية  للسعودية  ، بما في ذلك خطوط الأنابيب و المطارات ، انسحبت الامارات من اليمن دون ان تعلن ذلك نظراً إلى الحساسيات مع شريكتها في التحالف السعودية . لكن سربت خبر الانسحاب عبر مسؤولين إماراتيين بصورة خاصة و استباقية . باختصار ، انسحبت  الإمارات  من  اليمن  ليس بسبب الإرهاق من الحرب ، على الأرجح هروباً من المأزق الدموي و الأزمة إنسانية الكارثية التي سببتها حرب التحالف  السعودي  الإماراتي و الذي  يرفضه المجتمع الدولي و تنتقده كل المنظمات الاممية . انسحاب القوة الاماراتية من اليمن خلق توترات مع الرياض ، لانه سوف يفرض عليها إعادة النظر في استراتيجيتها المعتمَد في الحرب. بعد انسحاب الامارات من اليمن يبدو ان طهران اوضحت للقيادة في أبو ظبي ان الإمارات ستكون الضحية الاولى في حالة الحرب الشاملة في الخليج الفارسي . لذا ارسلت الامارات وفد من خفر السواحل إلى طهران الذي وقع مذكرة بشأن أمن الحدود مع الإيرانيين . هذا التحول الدراماتيكي في السياسة الخارجية لدولة الإمارات  لن  يرضي الرياض  بسبب تنافس الأخيرة  مع  الإيرانيين . و منذ  ذلك  الحين ، نما  الخلاف بين السعودية و الإمارات و ظهر تجلياته في المدن اليمنية . تنامي هذا التوتر يكشف عن هشاشة التحالف . ويؤكد للسعودية أن الإمارات تفكر بشكل متزايد في مصالحها بدلاً من مصالح التحالف . شعر المختصون العسكريون الأمريكيون بالقلق من استراتيجية الإمارات و من أن يكون المدرّبون العسكريون الاماراتيون قد انشأوا خصيصاً قوة عسكرية موالية لاستقلال الجنوب لا تخضع لسيطرة حكومة هادي . هذا الوضع قد يؤدي إلى نزاع  مستقبلي في الجنوب . لكن هذا الذي حصل فـ ” قوات  الدعم  و الإسناد ” القوة العسكرية  الموالية لاستقلال الجنوب . أضف إلى ذلك  قد هيئة الإمارات مسبقاً البديل لحكومة هادي ، المجلس الإنتقالي الجنوبي ، لا شك أن الحكومة هادي لاحظت ذلك. لكن هل يملك هادي سلطة كافية لطرد الإمارات من التحالف؟ ربما لا. طبعاً هذا التوتر بين الحليفين الإقليميين خلق عند المسؤولين الأميركيين قلق كبير لان الخلاف بين الإمارات و السعودية في اليمن يهدد في ان  يجعل الحرب في اليمن أكثر فوضى . حاول الامريكان التوفيق بين الطرفين والحكومة اليمنية و مساعدتهم في صياغة طريقٍ يتفق عليه الجميع ودرء أي خلافات محتملة على المدى الطويل بين الإماراتيين والسعوديين . لكن الأمور أخذت منحى آخر . المجلس الانتقالي ونظام هادي متورطون الآن في حرب المدن و الشوارع في عدن و أبين و مناطق اخرى و قبل فترة قصيرة اتخذ  المجلس الانتقالي خطوة جريئة ، هي السطو على عائدات الدولة و فرض على البنك المركزي في مدينة عدن بتوجيه جميع الرسوم والضرائب التي يجمعها إلى خزائن المجلس الانتقالي . هذا تطور مهم ينظر إليه المراقبون الإقليميون على أنه المسمار الأخير في نعش اتفاق الرياض بين الحكومة المدعومة من السعودية و المجلس الانتقالي المدعوم اماراتيا .
وقبل فترة ، اتخذت السعودية القرار السريع بسحب قواتها البرية من جزيرة سقطرى اليمنية بعد يومين فقط من سيطرت  المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات. حسب ما يقال إن الانسحاب السعودي كان تكتيكي للسماح لسكان سقطرى بالقتال ضد المجلس الانتقالي الجنوبي . انتقدت الولايات المتحدة هذا الموقف من المجلس الإنتقالي ، و جاء هذا على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو في أواخر أبريل إن واشنطن “قلقة” بشأن إعلان المجلس الانتقالي للحكم الذاتي في الجنوب . محذراً من أن مثل هذه الإجراءات تهدد جهود إحياء المحادثات بين الحكومة اليمنية و انصار الله و قال  بومبيو ” إن مثل هذه الإجراءات الأحادية تؤدي فقط إلى تفاقم الازمة و عدم الاستقرار في اليمن .  إنها غير مفيدة بشكل خاص في الوقت الحاضر في حين ينتشر وباء Covid-19 في اليمن و يهدد أيضًا جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة و إحياء المفاوضات السياسية بين الحكومة و انصار الله .
هنا ملاحظة هامة التي لا يمكن تجاهلها في ختام هذه الفقرة ، وهو بدلا من ان يتوحد الحلفاء الإقليميين في المعركة ضد أنصار الله في الشمال ، هم الآن يقوض بعضهم البعض في الجنوب . الإمارات تدعم بالكامل الانتقالي ، و حولت البنادق ضد الشرعية المدعومة من السعودية و إعلان الحكم الذاتي في المنطقة الجنوبية في أواخر أبريل .
تفكك العلاقة بين الحلفاء الإقليميين ينقل اليمن بسرعة إلى سلسلة من المعارك المروعة . الاشتباكات بينهما في محافظة أبين و سقطرى .. دليل على ذلك . الخبراء ينظرون إلى هذه الجولات الأخيرة  من المعارك بأنها بداية تفكك اليمن و ظهور مناطق حكم ذاتي متنافسة معلن عنها ذاتياً . و في الأخير سوف نرى نشوء دويلات داخل الدولة كأمر واقع ، هذا ما أشرت اليه في مقال سابق .
دور المبعوث الأممي مارتن غريفيث
يعيش اليمن أسوأ الكوارث والأزمات الإنسانية في العالم ، و هي من صنع مجلس الامن التابع للامم المتحدة . التي يمثلها حاليا في اليمن السيد مارتن غريفيث ، و هي ليس من الكوارث الطبيعة ناجمة عن قوى الطبيعة . هي شبيهة بتلك الكوارث و الأزمات إنسانية ، التي صنعتها دول تدعي بالانسانية و التحضر ، بريطانيا العظمى ، و التي ينتمي اليها السيد مارتن غريفيث . كان يرأس حكومتها زعيم عنصري هو  ونستون تشيرتشل ذو الخبرة و الشهرة في صنع أسوأ الأزمات الإنسانية . منها مجاعة  البنغال في 1943 التي مات فيها اكثر من ثلاثة ملايين هندي . بسبب الجوع والملاريا و أمراض أخرى تفاقمت بسبب سوء التغذية ، و الظروف الغير الصحية . بالإضافة إلى الفقر بسبب الأزمة الاقتصادية . من صنع السياسة الاستعمارية البريطانية التي خلقتها ثم فاقمت الأزمة . رغم  الاحاطات التي قدمها ليوبولد ايمري وزير الدولة لشؤون الهند و المارشال ارشيبالد ويفل ، الذي عين فيما بعد مندوبا ساميا في الهند ، لرئيس الحكومة البريطانية ونستون تشيرتشل و الذي بدوره رفض ارسال المساعدات الغذائية إلى الهند . ونستون تشيرتشل ارجع ذلك بسبب قلة عدد السفن المتوفرة لذلك . رغم وفرة السفن الاسترالية التي كانت تمر في المياه الهندية في طريقها إلى اوروبا و هي محملة بالقمح . و قد أدى شح المواد الغذائية في الهند إلى ارتفاع اسعارها بشكل مريع . هنا المبعوث الخاص للامين العام للأمم المتحدة السيد مارتن غريفيث ، يكشف من خلال سلوكه رغبته في اعادة تجربة استاذه ونستون تشيرتشل من خلال اطالة امد الحرب ، لذا يبعث إحاطات إلى مجلس الأمن غير صادقة و مليئة بالمغالطات مثلا : في 14 مايو 2020 كتب في احاطته ”  يسرني أن أبلغكم بأنه تم إحراز  تقدم كبير في تلك المفاوضات ، خاصة فيما يخص وقف اطلاق النار ، و هو العنصر الأكثر أهمية بالطبع في تلك الاتفاقات الثلاث التي وضعناها أمام الأطراف ” . هذا هراء و هلوسة السيد مارتن غريفيث ، ثم يتحدث من عمان في 16 يونيو 2020 عن عقد مشاورات مع مجموعة من النساء اليمنيات و مناقشتهم حول مواضيع ذات صلة بعملية السلام و مسألة تقاسم السلطة و مؤسسات الدولة وصولا إلى الحكم المحلي و الترتيبات الأمنية . شئ جيد الاجتماع بالنساء اليمنيات ، هن عظيمات و لهن اسهامات كبير في الثورة سابقا و الآن . لكن احاطتك هذه في غير موضعها . السلام في اليمن يأتي من مجلس الأمن ، مثلما اصدر قرار الحرب المشئومة 2216 ، عليه اصدار قرار ايقاف هذه الحرب العدوانية و الغاء اسم اليمن من تحت البند السابع . اذا لم تكن على علم السيد مارتن غريفيث كان الرئيس السابق على عبدالله صالح  صادقا في عرضه لعملية السلام و اعلنها من ميدان السبعين ، حين قال يجب على السعودية ان تعرف ان اليمن شعبا و حكومة على استعداد للحوار مع كل الأشقاء في إطار لا ضرر و لا ضِرار . وعلى ان  توضع  كل الملفات على الطاولة . يبحث الطرفان أي مخاطر يشكلها اليمن على أمن السعودية أو أمن دول الجوار بمشاركة لجنة دولية يشكلها مجلس الأمن الدولي . المهم بالنسبة لليمن ان يحصل على ضمانات تحفظ على مصالح اليمن و مصلحة دول الجوار . بشرط دون المساس بالسيادة الوطنية على الاراضي أو  الجزر  اليمنية . دول الجوار التي تشن الآن عدوان على اليمن بدون أي مسوّغ قانوني و بدون أي مبرر ، غير المحاولة الغير الاخلاقية  للسيطرة على ميناء عدن و باب المندب و الجزر اليمنية الاخرى و كذا على ثرواته . اذا كانوا دول الجوار يتحدثون و يرغبون في مد أنابيب النفط و الغاز من أراضيهم عبر اليمن إلى بحر العرب ، هروبا من مضيق هرمز ، منطقيا لا يمكن ان يكون هناك اعتراض طالما الامور سوف تمر بشكل قانوني و تعطي ارباح لليمن .. أمن الجوار و أمن المنطقة و الأمن الدولي موقف مبدئي و ثابت عند كل الحكومات اليمنية السابقة و الحالية ، الاحترام المتبادل و حفظ أمن الجميع الكل ينادي به و يسعى اليه .
نتمنى من السيد مارتن غريفيث ان يكون صادق في احاطته لمجلس الأمن و ان يدرس المشكلة اليمنية من مصادرها و من قياداتها . فإذا كانت بريطانيا سببا في موت ثلاثة ملايين بنغالي ، لا نريدها ان تكون سببا في موت اليمنيين .
كاتب و محلل سياسي يمني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى