مقالات

الإمارات.. انبطاح وعمالة أو رؤى وخيارات جيو-استراتيجية؟ بقلم| سفيان الجنيدي

بقلم| سفيان الجنيدي

قطعاً، ومن دون مبالغة، يكاد كلّ إنسان عربيّ أو مسلم يطرح على نفسه السؤال التالي: لماذا كلّ هذا الانبطاح والتخاذل والعمالة من النظام الإماراتي مع الكيان الصهيوني؟! بدايةً، وللوقوف على المسوّغات الحقيقية التي تجعل النظام الإماراتي يخرج عن المألوف، ويقيم العلاقات الأخوية الودية والمنقطعة النظير، ويقدّم كلّ ما يتمناه الكيان الصهيوني، وفي كثير من الأحيان من دون أن يطلب منه ذلك، يجب أن ننطلق في تحليلاتنا من الأسئلة التالية التي لا مناص من طرحها:

ما الأسس التي نستطيع من خلالها الحكم على أنَّ ما يقوم به النظام الإماراتي مع الكيان الصهيوني يعتبر خيانة وانبطاحاً وعمالة؟! وخيانة من؟! على النقيض من ذلك، ألا يعدو كلّ ما يقوم به النظام الإماراتي كونه رؤى وخيارات استراتيجية؟!

قبل الشّروع في التحليل والإجابة عن هذه التساؤلات، نود التذكير بأنَّه ليس بعد الكفر إثم. ومما لا شكَّ فيه أنَّ خيانة الله ورسوله والأمة أشد أنواع الكفر، ولكن هل ينطبق تعريف الخيانة والعمالة السابق على الحالة الإماراتية؟!

عودٌ على بدء، لا نعتقد أن النظام الإماراتي خان الله والعروبة والأمة، إذ إنَّ التحولات المؤدلجة والمتسارعة التي يقوم بها النظام الإماراتي تثبت، ومما لا شك فيه، أنه وصل إلى المرحلة الأخيرة من السياسات القائمة على قطع جميع الوشائج والعلاقات التي تربطه بمحيطه العربي والإسلامي، والدين الإسلامي الحنيف، وجميع المنظومة الأخلاقية العربية الإسلامية، وكل ما يمت إلى العروبة بصلة، إذ إنه قام، وبامتياز، بتحويل دولة الإمارات العربية إلى دولة علمانية، فقام بتدشين الكنائس والمعابد البوذية والكنيس اليهودي، وسمح بتدشين الملاهي وصالات القمار وبيوت الرايات الحمراء، وسمح بالمثلية الجنسية وشجّعها، وطوّع الدستور حتى يتوافق مع سياساته المتخاذلة مع الكيان الصهيوني، وبدأ منذ ما يزيد على 20 عاماً بتبنّي سياسة إحلال اللغة الإنجليزية محل اللغة العربية، إذ إنَّ جميع المعاملات أصبحت تتم وتُنجز باللغة الإنجليزية.

ولم يكتفِ بهذا القدر، بل قام باستقدام الكفاءات التعليمية لجميع المواد الدراسية من عدة دول ناطقة باللغة الإنجليزية، مثل جنوب أفريقيا وأستراليا، في محاولة منه لدحر اللغة العربية على المنظور البعيد، وغدا تبوؤ المناصب المهمّة في الدولة مقترناً بمدى إتقان اللغة الإنجليزية، وبمدى الإخلاص الأعمى للنظام، ومدى الانعتاق من المنظومة الأخلاقية العربية والإسلامية.

أما بالنسبة إلى سياساته تجاه الدين الإسلامي الحنيف، فقد عمد إلى شن هجمة شعواء ضده، فقام بمحاربة علماء الدين، وزج معظمهم في السجون، وفرض قيوداً على مواعيد فتح المساجد وإغلاقها، وفرض قيوداً على خطب الأئمة، وخفض ميزانية وزارة الأوقاف، حتى يتمّ إهمال المساجد وعدم صيانتها.

لذا، وبناءً على جميع هذه الإجراءات الَّتي قام بها النظام الإماراتي، والتي هدفت إلى قطع صلته بالعروبة والإسلام وكلّ ما يمت إليهما بصلة، يفرض علينا المنطق أن نتوقف عن الحكم على أفعال النظام الإماراتي من منطلق عروبي وإسلامي، كما علينا أن نتوقَّف عن الإصابة بالدهشة والحيرة من أي تصرف يصدر عن النظام الإماراتي، ولو قام بقصف الكعبة المشرفة أو بيعها للكيان الصهيوني.

لم يكتفِ النّظام الإماراتي بإجراءاته الداخلية الرامية إلى الانعتاق من العروبة والإسلام، بل أكَّد ذلك من خلال رؤاه وأهدافه الاقتصادية والجيو-الاستراتيجية. وبذلك، أصبح كلّ شيء مُباحاً في الأعراف السياسية الإماراتية. لذلك، قدّم النظام الإماراتي الغالي والنفيس للكيان الصهيوني، والذي، بحسب وجهة نظره، يعد الطرف الوحيد القادر على تحقيق أهدافه الاستراتيجية وحمايته من المخاطر الوجودية التي تُهدد استمرارية كيانه الوظيفي.

تزامناً مع سياساته الداخلية الرامية إلى الانعتاق من المنظومة الأخلاقية العربية الإسلامية، لا بدَّ من سبر أغوار طموحات النظام الإماراتي واستراتيجياته، والتعرف إلى المخاطر التي تُهدد وجوده، بحسب وجهة نظره، حتى نتمكَّن من معرفة المسوّغات التي جعلت النظام الإماراتي يذوب عشقاً ويرتمي في أحضان الكيان الصهيوني.

في ما يلي نعرض أهمّ المسوّغات:
أولاً: الخطر الوجودي
يشعر النظام الإماراتي بالقلق الدائم على وحدة أراضيه، إذ إنه محاط بعُمان التي تعتبره جزءاً من أراضيها التي تم اقتطاعها في العام 1820م، وكذلك الجار السعودي الذي ما ينفكّ يستولي على أراضي جيرانه كلَّما سنحت له الفرصة، إذ إنه اقتطع حقل الشيبة وخور العيديد من الإمارات، وضمَّ مدن نجران وجازان وعسير من اليمن في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو يخوض حالياً حرباً لا أخلاقيَّة في اليمن بهدف احتلالها، كما أن سياساته وطموحاته التوسعية تجعل الدول المحيطة به تتوجس الريبة منه، وتشعر بخطر وجودي يهدّدها بشكل دائم.

ثانياً: التهديد الجيواستراتيجي
تتّفق وجهتا النّظر الصهيونية والإماراتية على “العدو الإيراني”، إذ تنظر الإمارات و”إسرائيل” إلى إيران باعتبارها خطراً يهدّد المنطقة برمتها، كما تتفق أهدافهما الجيواستراتيجية على الحد من تعاظم قوة تركيا ودورها في المنطقة، والتي تُعتبر أحد ألدّ أعداء الإمارات، إذ إنَّهما ينظران إليها بتوجّس لأسباب عدة، يأتي في مقدّمتها سيطرة حزب “العدالة والتنمية” التركي على مقاليد الحكم، الذي يعتبر أحد فصائل “الإخوان المسلمين”؛ العدو الألد للنظام الإماراتي، ومحاولات “إردوغان” الدؤوبة لإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية.

ثالثاً: أحلام النظام الإماراتي في أن تغدو الإمارات قوة إقليميَّة
لتحقيق هذا الهدف، تعمد فلسفة النظام الإماراتي إلى تحويل دول المنطقة إلى دول فاشلة، حتى يستطيع أن يضع على رأس الحكم أنظمة موالية له، وحتى يحكم سيطرته على المناطق الاستراتيجية فيها، وهو ما يُفسّر محاولاته الدؤوبة لزعزعة أركان الحكم في الدول المحيطة به، وتحويلها إلى دول فاشلة، بدءاً بزرع جواسيسه في عُمان، وتآمره على سوريا وليبيا، وشنه الحرب على اليمن واحتلال موانئها، ومحاصرته قطر، ومحاولاته العبث باستقرار الأردن، ودعمه إثيوبيا لبناء سدّ النهضة، ومخططاته المستقبلية في فتح خط شحن مباشر بين ميناء إيلات وميناء جبل علي، في محاولة منه لتقويض قناة السويس وتحويل مصر إلى دولة فاشلة.

رابعاً: طموحات الإمارات الجيوسياسيّة التوسّعيّة
يفصح النظام الإماراتي بين الحين والآخر عن نيته تنويع روافد الدخل وتقليل اعتماده على الإيرادات النفطية. وقد نجحت مساعيه في هذا الملف، إذ إنَّه أصبح مسؤولاً عن إدارة ما يزيد على 78 ميناء في 40 دولة في القارات الست، إلا أنَّ الأجندات الخفية للإمارات لا تقف عند تنويع مصادر الدخل، وإنما تتعداه إلى السيطرة على الموانئ في المنطقة العربية المطلّة على البحر الأحمر، وكذلك محاولاتها السيطرة على القرن الأفريقي، حتى تستطيع السيطرة على طريق التجارة من آسيا إلى أوروبا والعكس.

كما تهدف استراتيجيّتها إلى السيطرة على الموانئ الاستراتيجية الواقعة على طريق مشروع الصين “مبادرة الحزام والطريق”، والتي ستكون تحت تصرّف الولايات المتحدة الأميركية في حربها الاقتصادية ضد الصين. ومن جهة أخرى، ستعمد إلى مقايضة الكيان الصهيوني، من خلال تقديمها الممرات والموانئ المطلة على البحر الأحمر وباب المندب والقرن الأفريقي، وكذلك مضيق هرمز، للكيان الصهيوني على طبق من ذهب، تحقيقاً لمصالحهما ومآربهما في المنطقة. ولعل ما يؤكد ذلك تصريحات محافظ أرخبيل سقطرى، السيد هاشم سعد السقطري، الذي أفاد بأنَّ الإمارات قامت بإرسال خبراء إسرائيليين إلى جزيرة سقطرى في المحيط الهندي.

في المقابل، سيكون الكيان الصهيوني بوابة الإمارات إلى البحر الأبيض المتوسّط وأوروبا. لذلك، قامت شركة موانئ دبي بتوقيع مذكّرة تعاون للشّحن والنقل البري مع شركة “دوفر تاور” الصهيونية. كما أنَّ الشركتين أفصحتا عن نيتهما الحصول على حقوق إدارة ميناء حيفا المزمع تخصيصه.

خامساً: الأمن السّيبراني الصّهيونيّ
ربما يعدّ تقدّم الكيان الصهيوني في الأمن السيبراني ومجال التكنولوجيا أحد أهم المسوغات التي جعلت النظام الإماراتي يبيع الغالي والنفيس في تطبيعه مع الكيان الصهيوني، إذ إنَّ الإمارات تسعى للاستفادة من التقدم الصهيوني في مجال التكنولوجيا والأمن السيبراني، من أجل تحقيق أهدافها الخبيثة في التجسس على المعارضين الإماراتيين وأعدائها المتمثلين في قطر والسعودية ودول محور المقاومة، إذ إنَّ التقارير تفيد بأنَّ النظام الإماراتي نجح، وباستخدام التكنولوجيا الصهيونية، في اختراق الهواتف الشخصية لشخصيات سياسية مُعتبرة في قطر والسعودية ولبنان، وغيرها من الشخصيات السياسية النافذة في المنطقة. وكما استفاد النظام الإماراتي من التكنولوجيا الصهيونية في ملاحقة معارضيه ومتابعتهم، فكذلك الحال بالنسبة إلى معارضي حكام الإمارات الآخرين، كما هو حال معارضي حاكم إمارة رأس الخيمة.

سادساً: الحاجة إلى ضامن يزكّي الإمارات لدى الإدارات الأميركيَّة
لا شكّ في أنَّ النظام الإماراتي يحاول بكل ما أُوتي من قوة بناء علاقات وثيقة ودائمة مع الولايات المتحدة، بغض النظر عن الحزب الذي يتولّى السلطة، وهو ما يعتبر أحد الأسباب التي تُفسر انبطاحه للكيان الصهيوني، الذي يعتبره البوابة لصانعي القرار الأميركي. من جهة أخرى، يريد الاستفادة من اللوبيات الصّهيونية الضّاغطة في الولايات المتحدة الأميركية، للحصول على الأسلحة الأميركية المتقدّمة، مثل طائرات “أف 35″، التي تعتبر حكراً على الكيان الصهيوني في المنطقة.

وقد قام الموساد الصّهيوني في كانون الأول/ديسمبر 2020 بتكريم 8 مجندات، لدورهنّ في توثيق علاقات الجهاز بدول الخليج. نترك للقارئ الكريم أن يُطلق عنان خياله في ماهية أدوارهن!

خِتاماً: نعتذر إلى كلّ المتربصين والذباب الإلكتروني، لأننا سنفوت عليهم فرصة الاصطياد في المياه العكرة، إذ إننا في هذا المقام نحلّل ولا نبرر للنظام الإماراتي أو أي نظام آخر على وجه البسيطة.

عود على بدء، نجد أنَّ من الخطأ الاستمرار في الحكم على ممارسات النظام الإماراتي من منطلق عروبي وإسلامي، إذ إنَّ جميع تشريعاته وقوانينه الداخلية وسياساته الجيوسياسية تدلّ على أن هذا النظام انعتق تماماً من كلّ ما يمت إلى العروبة والإسلام بصلة. وعليه، علينا أن نحلّل جميع ممارساته وسياساته على هذا الأساس، شأنه شأن الكيان الصهيوني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى