مقالات

يد واحدة لا تصفق ولا تحقق أهدافها بقلم| حاتـم عثمان الشَّعبي

بقلم| حاتـم عثمان الشَّعبي

عند السفر إلى الخارج ومشاهدة البنية التحتية التي تهتم بتشييدها الدول، فإنك تصاب بالذهول، خاصة إذا كررت زيارتك للدولة نفسها سواء بنفس العام أو بالعام الذي يليه بسبب التقدم والتطور الذي حدث في تحسينها ومعالجة كافة المشاكل التي ظهرت أولاً بأول لتوفر أفضل الخدمات لمواطنيها وزوارها وبما أننا نتمتع بكل ما بهذه الدولة من خدمات ووسائل نحتاجها ونستخدمها حيثما نكون وبأي وقت مثل الكهرباء والمياه والغاز والإنترنت والصرف الصحي والطرقات ووسائل المواصلات من ميكروباصات وسيارات أجرة ونقل عام وقطارات والمترو، وهناك دول لا يوجد بها القطارات والمترو أو إحداها لكن أن لا يكون لديها كافة هذه الخدمات والوسائل التي يحتاجها فهنا نضع علامات استفهام وتعجب؟!

وبما أننا عندما نسافر لأي دولة يعجبنا أن نتفاخر بأصلنا وهويتنا وتاريخنا ومنا من يتفاخر بمنصبه أو منصب والده أو عمه ومنهم يتفاخر حتى بمنصب جده، وهذا كله ليس عيب ولا هو نقص ولكن الذي يَحُز بالنفس هو أنه لا يوجد أحد منّا يتفاخر بالخدمات والوسائل الأساسية للعيش ببلدنا، لأنها غير متوفرة وإن توفرت فنسبة عملها وإحساس المواطن بها لا يتجاوز ‎%‎25 رغم الخطط التي ترسم والموازنات التي تُرصد والاجتماعات التي تعقد والميزانيات التي تصرف واللجان التي تشكل وبعد ذلك كله النتيجة لا تَسُر وكلٍ يرمي على الآخر سبب الفشل وعدم النجاح فأين هو الخلل.

نحن من يشهد لهم العالم بالذكاء والحرص على سمعتهم ولهم أخلاق حميدة ولديهم الأمانة والجد بالعمل والإحساس بالمسئولية والمصداقية بالقول، وهذا جزء من عدة صفات يشهد العالم كله بها لأبناء وطني، ولم تأتي هذه الشهادة من فراغ بل أتت من واقع تمت معايشته معهم لسنين طويلة تجاوزت الأربعون عام لكثير من أهلنا وآبائنا وإخواننا بفترة اغترابهم بدول العالم والتي تركز معظمها بدول الخليج العربي ومنهم ببريطانيا وأمريكا وبقية أوروبا.

لقد كانوا بفترة اغترابهم وفي مواقع أعمالهم من وظيفة العامل حتى مدير لشركة كبرى أو لجهة حكومية بحسب أنظمة دول الاغتراب وبين هاتين الوظيفتين تجد عدة وظائف يعملون بها، إضافة لوظيفة العامل والمدير هُم من كان لهم الدور الكبير في تنمية وتشييد وتطوير هذه الدول وهذا بشهادة قيادات الدول وشعوبها لدرجة أن المغترب بطاقاته وقدراته وكما ذكرنا صفاته الحسنة نسى أن له وطن ينتظره، ولابد من يؤسس به ليس مسكن بسيط أو عمارة أو محل صغير بل نسى أن يقيم على تراب وطنه مشاريع كبرى وعملاقة مثل المصانع التي عمل أو لازال يعمل بها وتحتاجها بلده ويستهلكها شعبه سواء المواد الغذائية أو الاستهلاكية أو الكماليات الأدوية والمعدات الطبية وغيرها من الاحتياجات التي لا يستغني عنها الإنسان بأي بلد كان، فما بالك بوطننا الحبيب الذي لا يوجد فيه شيء يذكر لمثل هذه المشاريع الصناعية وكل احتياجاته يتم استيرادها.

هل هي مشكلة دولة أم مشكلة المغترب نفسه حيث وجد نفسه في راحة ونعيم واستقرار ومنهم من تحصل على جنسية الدولة التي يعيش بها ومنهم لم يتحصل على أي جنسية، لأن نظام هذه الدول لا يسمح له بالتجنس لكنه يعيش براحة وأمان ولديه المال من عمله والذي يتوسع به يوماً بعد يوم وكأنه إبن البلد ناسياً ومتناسياً أن الدول لديها أنظمة وقوانين تم وضعها من البشر وهم أبناء البلد الذين يرون مصلحة أبناء بلدهم قبل كل شيء خاصة وأن وضع بلدهم اختلف عما كان عليه قبل أربعون عام عندما كنت تبحث عن مكان يقيك أشعة الشمس، أما اليوم فتبحث عنها لفوائدها الصحية سبحان مغير الأحوال وأساس هذا التغيير هم أبناء وطننا الذين اغتربوا شباباً لم تصل أعمارهم الثامنة عشر عام واليوم تجاوزوا العقد الخامس والعقد السادس ومنهم السابع أيضاً.

لا نرمي اللوم على المواطن البسيط الذي خرج من وطنه يبحث عن لقمة عيش لأسرته بقريتهم التي يسكنون بها وبسبب الصفات التي ذكرناها بالمقدمة استطاع أن يصبح المواطن العاقل والراقي والذي يعرف كيف يحسب الظروف ويبني أفكاره، لأنه اكتسب خبرة سنين الإغتراب وشاهد كيف كانت الدول التي دخلها وهو بريعان شبابه وكيف أصبحت اليوم وهو يداعب أحفاده وله بكل مكان بهذه الدولة حكاية نجاح.

لذا أرى بأن لا نرمي أفكارنا وطموحاتنا وحبنا لوطننا خلف الظروف التي يعيشها وطننا بل وطالما هناك وزارة مغتربين ومجلس أعلى للجاليات اليمنية بالخارج فلماذا لا نضع النبتة الأولى لمشروع يعود بالنفع لكافة أبناء الوطن ويكون، هذا المشروع كبداية وفاتحة خير لتنمية الوطن بأموال ابنائه وأيدي شبابه حيث يتم اختيار شخصين من وزارة المغتربين وخمسة أشخاص من إتحاد الجاليات ليكون الإجمالي سبعة بحيث يكونوا من أكثر المحافظات تعداداً وأكبرها مساحتاً وهؤلاء الأشخاص لا يقل عمر الواحد منهم عن ستون عاماً ولديهم العقلية الاقتصادية البحتة ليخرجوا بدراسة مشروع متكامل في كافة تفاصيله، ليعود على المساهمين بالربح ولكنه يوفر احتياجات المواطن بأقل الأسعار وأفضل جودة ويوفر فرص عمل لأبناء الوطن

لن نرتقي إلا بتكاتفنا ووضع أيدينا بأيدي بعض لنحقق أهدافنا التي تحققت بدول الإغتراب وحرم منها وطننا بسبب أن يد واحدة لا تصفق، ولا تحقق هدفها فنجاح أول مشروع يترتب عليه وجود مشاريع جانبية لخدمته لأن سلسلة النجاح مترابطة ويصعب تجزئتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى