مقالات

المطر في مدينة “بني مطر!” بقلم/ ليسا جاردنر

بقلم/  ليسا جاردنر

بدأ تساقط قطرات المطر بهدوء تدقُّ بلطف على مشارف النوافذ وأسقف المنازل، وكأنها تبشر بقدوم شيء ما أو أمر معيّنٍ!. إن أصغينا إليها مليّا وتناغمنا مع موسيقى هذه القطرات البلّوريّة سنفقه جيدأ لغة المطر وسنفهم معانيها ورموزها وألغازها…

فالمطر شبيه بالإنسان… إنهما سيان في حالات تقلبات الطبع والطباع كلاهما تنتابه حالات تقلّب وهيجان وحالات أخرى من الهدوء والسكينة… وكلاهما معقد في الفعل والسلوك ومندفع في الحركة…لذلك تبدو أحاسيس ومميزات وخصائص البشر النفسيّة وغيرها تنطبق تماما مع حالات المطر وتوترات نزوله من علٍ ليغمر الأرض والبشر ويسقي النبات والشجر بدموع غيومه وسواد سحبه وتأوهات رياحه…!

ولعلّ الإنسان اليمني أكثر تعمقا في فهم لغة المطر وتتبع تحولاته والتمعن في معانيه وإدراك رسائله وقت الخصوبة والجفاف والترحاب بهطوله ومعانقته بمليء أحضانه لأنه يدرك رمزيّته في الخصوبة والحياة والبقاء … ولعلّ هذا ما جعله يسمّي منطقة بكاملها يملأها الجمال من كل جهة في اليمن باسم “بني مطر”.

ومع هذا لم ينجُ جمال مدينة “بني مطر” ولا آثارها الإنسانية الشامخة البديعة والقيمة من ضربات صواريخ وغارات قوى التحالف التي قصفت المنطقة ودكتها دكّا…! مما دفع ب”إيرينا بوكوفا” مديرة اليونسكو إلى إدانة تدمير المسجد الاثري الذي تعود جذوره إلى القرن التاسع عشر في مديرية ” بني مطر” في محافظة صنعاء العريقة العتيّة.

قد لا تعرف صواريخ الأمير محمد بن سلمان معنى التاريخ أو الرموز الحضارية ولا حتى دلالة الإنسان في أبسط حقوقه وأعلاها ولا يفقه معنى الخصائص الجغرافية و الطبيعة لليمن و للشرق الأوسط ككل .

وها نحن نسمع في هذه الأيام العصيبة المطر يُزَمْجر ويصرخ وتُصْدر من أفواه قطراته الثقيلة أنين ارتمائه على جدران وأسقف بيوت اليمن كأنها أم ثكلى أو منحوتة يمنية تلاشت مع نيران الأسلحة القذرة التي أحرقت البشر ودمرت الحجر والشجر…! ولا نجانب الصّواب حين نعلن أنّ تلك الأسلحة كانت ضرباتها ممنهجة لدفن الحضارة اليمنية الإنسانية و العالمية.

لقد تعلّم اليمنيون لغة المطر واستمعوا لموسيقاه وترنموا بنغماته فردّدوا مع تساقط قطراته هذه العبارات الحبلى بماء الخصب والأمل: «يا أبناء أرض سباء، وحمير، ويا “بني مطر” ويا بلاد الجنتين ستنتصرون… فتفاءلوا بنصر مُبين من الله ومن المُلك العظيم”.

وستبقى تلك القطرات الربانية تنهمر بغزارة وبلونها الفضيّ العاكس لأشعة الشمس وستطرق أبواب كلّ القلوب وسنسمعها تُبشّر بقدوم الخير وتُعلن بصوت جهوري موسيقي اقتراب موعد معانقة الحريّة.

وعندها سنرسم لوحة فنية جديدة تصوّر مشهد ولادة يوم جديد مخالف تماما لأيام البؤساء ومقارنة بصورة الثّورة الشعب الفرنسي… إنه يوم شعب اليمن الممزوج بدم و مطر يدفعنا إلى أن نثور على الطلقات الناريّة والقذائف الصاروخيّة… وسنُعطي للعالم درسا في الصمود وفي البسالة والشجاعة والإصرار على الحق في العيش مع الحريّة، عندها لا المجتمع الدولي ولا الأمم المتحدة ولا اليونسكو قادرين على تهذيب جنون “كاليجولا”…!

ولا نجانب الصواب حين نعلن أن في أي نظام حكم وفي أي بلد يجب أن تخضع الدول إلى المعايير والضوابط والموازين الأخلاقية أولا وبالذّات، وأنّه ما من أحد من بني البشر الأسوياء والمعتدلين عقليّا نفسيّا وسلوكا أن يقبل ممارسات العنف ويكون قادرا على الدمار وحرق الإنسان وتدمير الآثار وتشويه الحضارات وإذلالها…!

ونختم بهذه الحكاية عن ” كاليجولا ” الروماني القديم وجدّته “أطونيا” التي أرادت أن تقدّم له بعض النصائح، فقال لها:” تذكري أني قادر على أن أفعل أيَّ شيء بأيِّ إنسان…َ” وقد أكّد بعض ضيوفه هذا الدافع العدواني السقيم والمريض برواية ذكروا فيها أن “كاليجولا” في إحدى ولائمه الفاخرة قال وهو يحتضن عشيقته وكان الضيوف أمامه على طاولات الأكل أنّه قادر في لمحة بصر أن يقطع رؤوسهم جميعا…! وكان يردد ساخرا ومستهزئا: «سأطيح بهذا الرأس الجميل بكلمة تخرج من فمي..!”.

وكذا اعتقد الأمير “كاليجولا السعوديّة” أنه سيحرق اليمن ويدمر العزيمة اليمنية ويعرقل صمودها أمام نيرانه وأسلحته المتطورة العدوانيّة.

لكن هيهات..! لقد تغافل الأمير أنّ شنّ حرب البسوس الجديدة ! ليست إلا بشائر هطول مطر الأمل والتحرّر وهي رسالة صريحة وشجاعة تأمره بأن يخرج من اليمن مذموما ومدحورا معلنة بصوت مرعب “أن اليمن لا ولن تكون ملكك”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى