مقالات

هل تسعي أمريكا إلى منع أعدائها من المرور في اليمن؟ بقلم/ علي أحمد الديلمي

بقلم/ علي أحمد الديلمي

تربعت المنطقة العربية على مركز صدارة الاهتمامات الأمريكية لذلك فقد كان هناك اهتمام كبير لدى الإدارة الأمريكية في دعم مصالحها وإقامة علاقات مع دول المنطقة من ضمنها اليمن.

حيث يعود تاريخ العلاقات اليمنية الأمريكية إلي عهد الإمام يحيى حميد الدين، والتي بدأت باتصالات شخصية لرسميين قبيل اعتراف العثمانيين بالإمام يحيى كقوة محلية عام 1911م وحاول الإمام يحيى انتزاع اعتراف الأمريكيين به في عهد الرئيس ويلسون، وتطورت العلاقة التجارية لتصبح اليمن ثاني أكبر دولة يصدر لها البن اليمني وفي عام 1804 وافق الإمام يحي على إنشاء مركز تجاري أمريكي في المخا، وترددت السفن الامريكية على المخا معظم سنوات العقد الاول من القرن التاسع عشر وفي عام 1946 أقيمت علاقات صداقة بين اليمن وأمريكا.

وفي عام 1948م أرسلت أمريكا برقية عزاء للأمير أحمد في والده، وأرسل الرئيس الأمريكي هاري ترومان أول بعثة دبلوماسية أمريكية إلى اليمن في عام 1946 وكان على رأسها بيل أيدي ولم يتم إنشاء بعثة دائمة بل حل محلها السفير الامريكي في جدة حيث مثل الولايات المتحدة كسفير مقيم في المملكة العربية السعودية وسفير غير مقيم في اليمن وقام الرئيس الامريكي ترومان بتسهيل انضمام اليمن إلي الأمم المتحدة في العام 1947.

واعترفت الولايات المتحدة بقيام الجمهورية العربية اليمنية في ديسمبر 1962 واتسمت العلاقات الأمريكية اليمنية، في هذه الفترة بالتوتر وعدم الاستقرار ويرجع هذا الوضع الى عدد من العوامل الداخلية والخارجية وقد سعت الحكومة اليمنية جاهدة في محاولة لتوطيد وتحسين العلاقات الثنائية بين الطرفين ولكن بالنسبة للولايات المتحدة فاليمن لم تكن تمثل سوى ثغرة امنية ينبغي منع أعداء الولايات المتحدة من المرور خلالها.

وظل الوضع هكذا حتى قيام حرب 1967 حيث اعلنت اليمن قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة نظرا لدعمها إسرائيل وظل الوضع هكذا حتى أعلن عودة العلاقات الدبلوماسية مرة اخرى في عام 1972.

وبعد وصول الرئيس علي عبدالله صالح إلى الحكم في عام ١٩٧٨ تطورت العلاقات اليمنية الأمريكية لعدد من الأسباب أهمها مواجهة المد الشيوعي الذي كان مصدرة اليمن الجنوبي وفي عام ١٩٧٩ وافقت أمريكا على صفقة السلاح لليمن الشمالي بمبلغ ١١ مليون دولار وتم تزويد اليمن بسرب طائرا ت (أف 5) الامريكية لمواجهة هذا التهديد والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

وفي عام ١٩٩٠ قام الرئيس علي عبد الله صالح بأول زيارة للولايات المتحدة حيث سعى جاهدا للحصول على الموافقة الامريكية بضرورة توحيد اليمنين وذلك لان لهذه الوحدة اهميتها الاستراتيجية في المنطقة وفي تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة، وبالفعل وافقت الادارة الأمريكية على هذا المقترح حيث رأوا فيه فرصة مناسبة للقضاء على التوسع الشيوعي الوحيد في العالم العربي وبالفعل بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي وبتدخل من الولايات المتحدة تمكنت اليمن من تحقيق وحدتها.

وبعد ان استعادت اليمن وحدتها ازدادت اهميتها الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة حيث شواطئ اليمن المطلة على المحيط الهندي، ومن ثم كونها منفذا لتصدير البترول بعيدا عن مضيق هرمز.

وتأثرت العلاقات بين اليمن والولايات المتحدة بعد الغزو العراقي لدولة الكويت بسبب تصويت اليمن في مجلس الأمن، بعد ذلك سعت السياسة الخارجية اليمنية الى تعزيز العلاقات اليمنية الأمريكية بعد أحداث الانفصال عام 1994 وتوطدت العلاقات ، ولكن في اطار مصالح كلاً منهما المختلفة عن الأخرى، فالأجندة اليمنية في هذا الشأن تتضمن بناء علاقات سياسية واقتصادية وتجارية وثيقة، بينما الأجندة الأمريكية تستهدف المسائل الأمنية فحسب، وكان من مظاهر تلك العلاقة الأمنية بين البلدين أن زار وفد أمنى أمريكي اليمن في 1997 وطلب من المسؤولين اليمنين استحداث دوائر خاصة بمكافحة الإرهاب واعادة صياغة المناهج التي تقدم في الكليات والمعاهد العسكرية بما يعطى موضوع الإرهاب مساحة واسعة.

تعرضت العلاقات للتوتر بعد الهجوم الذي تعرضت له المدمرة الامريكية (يو اس كول)، في اكتوبر2000 حيث اتهمت وزارة الخارجية الأمريكية السلطات اليمنية بعجزها عن ممارسة سلطاتها الأمر الذى جعلها ملاذاً للجماعات الإرهابية، وبعد أقل من عام توترت العلاقات اليمنية الأمريكية بعد احداث 11 سبتمبر 2001 وعلى إثر ذلك واجهت اليمن ضغوطات أمريكية لإرغامها على الالتحاق بحملة للحرب على الإرهاب، وبالفعل تم الاتفاق على الخطوط العريضة للتعاون الأمني وأصبحت اليمني شريك أساسي في الحملة الأمريكية لمكافحة الإرهاب.

وفي أعقاب أحداث الربيع العربي في اليمن أتسم الموقف الأمريكي بعدم الوضوح، وعبرت الولايات المتحدة عن قلقها من أن هذه الأحداث تهدد الاستقرار والأمن في المنطقة وأن تدهور الحكم في اليمن يمثل تحديات خطيرة للمصالح الامريكية والاقليمية بما يجعل تنظيم القاعدة في وضع افضل يسمح له بتدبير وتنفيذ اعتداءات جديدة، ودعا السفير الأمريكي بصنعاء جميع الاطراف السياسية في اليمن الى الحوار والتفاوض وذلك لأن الحوار هو الالية المثالية  لحل هذه الازمة، بعد ذلك أظهرت تصريحات المسئولين الامريكيين حجم الانحياز الاميركى نحو الاستقرار لكن ذلك لم يستمر طويلا حيث حدث تغير في الموقف الامريكي عقب تصريحات الرئيس علي عبدالله صالح حينما اعلن ان الاحتجاجات اليمنية ما هي الا اجندات وضعتها الولايات المتحدة وتديرها من غرفة بتل ابيب وبدأت الولايات المتحدة تغير موقفها المساند لصالح وترى ان عليه ان يغادر منصبه وفي نوفمبر 2011 بعد توقيع الرئيس علي عبدالله صالح على المبادرة الخليجية رحبت بها الادارة الامريكية..

وتعتبر فترة رئاسة الرئيس هادي واليمن تعيش ظروف صعبة من أهم الأسباب التي ساعدت الرئيس هادي في طلب الدعم الكامل من الولايات المتحدة الأمريكية لدعم مؤتمر الحوار من أجل صياغة عقد اجتماعي جديد في اليمن يتبني رؤية شاملة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأسرية والحقوقية وغيرها من المجالات، ولذا فإن رعاية الرئيس هادي وتنفيذ مخرجات الحوار كان أولوية في الأجندة السياسية الأمريكية وساهم في تعزيز مكانة هادي لدى الإدارة الأمريكية ومنحة مزيدا من التأييد والدعم خاصة أثناء الفترة الانتقالية وقد ظهرت بوادر التأييد الأمريكي لهادي في مجالات عديدة ومنها الضغط على القوى السياسية لتمديد الفترة الرئاسية لهادي والتي كان من المقرر لها ان تنتهي في 21 فبراير أي بعد سنتين من بقاءه في المنصب لكن وفي ظل الاضطراب الأمني والغموض والتعقيد في المشهد السياسي اليمني فإن الوضع الهش في أطار الدولة اليمنية سمح للولايات المتحدة بالقيام بدور أكبر في اليمن وتنفيذ سياستها التي تتوافق مع مصالحها الإستراتيجية والأمنية في محاربة الإرهاب خاصة بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم ( 2140) والذي ينص على إدراج اليمن تحت البند السابع.

وحتي اليوم تتعرض حكومة هادي للمزيد من الضغوط بشأن بناء حلول وسط مع الحوثيين وتعرض شرعيتها لتآكل مع فرض أمر واقع يعتمد على تراتبية القوة على الأرض.

يذهب الأمر بعداً أخر فالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قامت بإدارة قنوات تفاوض خلفية بين السعوديين والحوثيين في قناتين على الأقل الأولى في “مسقط” والثانية في “عمّان” بعيداً عن الحكومة المعترف بها دولياً، وهذا يؤكد أن السلام ووقف الحرب أصبح إرادة أمريكية في مقابل أطراف من الشرعية تعتبر أن وقف الحرب هو إنتهاء للشرعية.

وتأتي دعوة الرئيس الامريكي جو بايدن لوقف الحرب في اليمن وقرار ادارته وقف كل اشكال علاقتها بهذه الحرب بما فيها تعليق بيع الاسلحة ذات العلاقة بها تأكيدا على إستراتيجية أمريكا تجاه اليمن من خلال غلق باب الحرب المفتوحة والذي تستغله أطراف محلية واقليمية ودولية.

وقد لا تكون دعوة الرئيس بايدن مفاجئة لأنها تعتبر ترجمة لتوجه لدى الادارة الجديدة برزت مؤشراته خلال الحملة الانتخابية، إلا أن اللافت في هذه الخطوة او الدعوة انها شكلت اول قرار لهذه الادارة على مستوى السياسات الخارجية والسرعة التي تمت فيها في وقت مازال الجدل مرتفعا حول الخطوات التي كان من المتوقع ان يلجأ اليها بايدن في ما يتعلق بالملف الاكثر سخونة والحاحا في الشرق الاوسط خاصة ازمة الملف النووي الايراني وما يتفرع عنه من ازمات في الملف الصاروخي والنفوذ الاقليمي.

إن القرار الأمريكي الواضح وعبر دعوة الرئيس بايدن يؤكد الاهتمام الامريكي بحماية مصالحها ومكافحة الإرهاب ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

ومواجهة الأخطار المحتملة من القوي الجديدة التي تبحث عن موطئ قدم في اليمن بشكل خاص وفي كل المنطقة بشكل عام من خلال أسلوب جديد ومباشر في هذه المرحلة.

لقد دعمت الولايات المتحدة الحرب السعودية في اليمن منذ بدايتها ببيع وبتسليم أسلحة وتقديم دعم دبلوماسي كبير، ولكن مضى وقت طويل ولم يحدث أي تغيير جذري في مسار الحرب في اليمن بل على العكس من ذلك أصبحت هذه الحرب السبب الرئيسي في أكبر كارثة إنسانية على مستوي العالم ولم تحقق أي من الأهداف التي قامت من أجلها.

واذا ما كانت الخطوة الامريكية قد عززها ترحيب واسع من كل الاطراف لكن الخوف أن تظل السعودية غارقه في اليمن دون أن تعمل على جعل مبادرة الرئيس الامريكي قابلة للتنفيذ وفرصة للخروج من حرب اليمن وإجراء تسويه مع أنصار الله في الشمال جنبا الي جنب مع التسويات التي تمت بين السعودية والمجلس الانتقالي وغيرها من أطراف الصراع في اليمن وبما يتوافق مع أهدافها الإستراتيجية في الحفاظ علي أمنها وحدودها، فالسعوديين اليوم بحاجه إلي أدوات سياسية جديدة للتعامل مع اليمن من أجل تحقيق سلام شامل وخروجها من حرب اليمن بما يضمن لها علاقاتها المستقبلية مع اليمن وحلفائها الاستراتيجيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية.

يبدو أن هناك رغبة واضحة لدى الإدارة الامريكية الجديدة في مساعدة السعوديين بهدوء على الخروج من الصراع العسكري في اليمن ومحاولة خلق توازن قوى في الصراع بين السعودية من جهة وبعض القوي الاقليمية في المنطقة من جهة أخرى.

ما هو واضح من الماضي هو أن الدبلوماسية الأمريكية مع الرياض والخطاب حول الحلول التفاوضية ودعم الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لم تفعل شيئا يذكر لليمنيين لقد فشلت السياسة الأمريكية السابقة، لذلك فإن إدارة بايدن الآن لديها قيادة ذكية وصارمة ولديها خبره دبلوماسية كبيرة في شؤون المنطقة وتعمل لإبقاء الشركاء الإقليميين مواكبين لتحركها لتحقيق أهداف الولايات المتحدة في اليمن والمنطقة ومن أجل إعادة بناء القيادة الأخلاقية لأمريكا التي يحمل شعارها بایدن وطرحت الإدارة الأمريكية الجديدة العديد من الالتزامات تجاه اليمن.

أولها الالتزام بإنهاء الحرب في اليمن التي اندلعت على مدى السنوات الست الماضية وهذا الالتزام من شأنه أن يحقق هدفين معلنين لإدارة جو بایدن القادمة مرتبطتين بمصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة الامريكية وهما استعادة الدور القيادي للولايات المتحدة في الشؤون الدولية تخفيف التوترات في الخليج وحماية أمن السعودية ودول الخليج من أي تهديدات جديدة تمثلها بعض القوي الاقليمية في المنطقة.

وفي الأخير لا يمكن إغفال عدم رغبة الولايات المتحدة في استمرار اشتعال الحرب في اليمن مما يؤدي الي تدخلات إقليمية جديدة في هذه الحرب لا تتمكن فيها الولايات المتحدة من أرسال قوات مباشرة على الأرض لمساعدة الحلفاء الخليجيين، والبعض يتحدث اليوم عن الاهتمام الامريكي بوقف الحرب في اليمن أنه يأتي في سياق الدور الامريكي الجديد تجاه الملف النووي الايراني.

نستطيع القول إن مسار الأحداث والحروب في اليمن عبر التاريخ لها أسباب مختلفة لكن ظلت اليمن تدفع ثمن موقعها الاستراتيجي وموقع اليمن الجغرافي المهم والاستراتيجي يجعل منه اليوم ساحة صراع محلي ودولي ويجعل من الجهة المسيطرة لاعباً أساسياً في المنطقة ويعطيه القدرة على التحكم بمدخل أحد أهم المعابر المائية في العالم.

فهل يدرك أبناء اليمن، اليوم، أهمية التعامل مع هذه المتغيرات من أجل المصلحة الوطنية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى