مقالات

شكرًا …كم أنت قوية أيتها الريح؟

 

 

بقلم / عفراء حريري

 

 

هبت الريح عاتية قوية وكشفت عورات هبات و عطايا التحالف العربي التي يعايرنا بها في كلُّ المحافل على المستوى الدولي، أسقطت الريح قناع فساد برنامج الإعمار والتنمية، فلم نعد نحتاج النظر والتدقيق في التقارير الدولية عن اليمن

 

لأن الأدلة على تراكم الفساد واضحة في شوارع عدن أو بين المحافظات المحررة

 

وهو نفسه هذا التحالف من فتح أبواب الفساد على مصراعيها وساعد على توسع رقعته، ويختار بعناية فذه شخوصه و أفراده

 

فكلُّ شيء أضحى في العاصمة عدن فاسد، إبتدأ من الطرقات التي تخرب بعد سير عدد من القاطرات عليه أو بعد مرور سيول يسبقها المطر ، ولايقتصر الأمر على الطرقات، بل على الحواجز والنقاط الأمنية غير المنظمة، التي تمارس فساد الجبايات على الرغم من الحديث المتكرر عنها وعن ملايين الريالات التي تجنيها، وإذا تجولنا بين مديريات عدن و محافظات أخرى سنجد مباني شاهقة وفلل ويافطات وأحجار أساس ….وغيرها جميعها تحمل عناوين مشاريع استثمارية، وعندما يفكر المرء ويجري البحث و التدقيق في الجهات المالكة لها ستجدها تابعة لمافيات قريبة مِن قوى السلطة المسيطرة على الأرض أو التي تسمى الشرعية أو لِشخصيات يمكن وصفها بالمافيات الصاعدة، أو لطبقات رجال الأعمال الطفيلية التي صعدت إلى مصاف رجال الأعمال بسبب علاقتها المشبوهة بقوى النفوذ السياسي، وهذا الأمر لايقتصر على المحافظات المحررة، وإنما يمتد إلى المحافظات الأخرى غير المحررة، فهو لايقتصر على الجنوب فقط، بل نجده في مناطق الشمال أيضًأ

 

فهذا النزاع المفتعل والمتعمد بين جميع الأطراف والذي يبدو من الوهلة الأولى كحرب العصابات هو أساسًا مستمر ولايريدونه أن يتوقف لأنه يغطي سرقات المال العام بإيراداته المتنوعة على سائر المناطق اليمنية

 

وهذا الفساد هو الذي يرعاه التحالف العربي إذ يمنحه حقوق في السيطرة على القرار الرئاسي والحكومي والمحلي وحق إجتثات وقطع وقص السيادة على الأراضي و الجزر والبحار والجبال بمنحه وإذن و رخصة من عصابة السلطة الرئاسية والحكومية والمحلية والقضائية التي لاتجيد سوى ممارسة دور الضحية في تمثيلية تطبيق العدالة الغائبة حيال كلُّ قضايا الفساد

 

أصبح الفساد مثل الشبكة العنكبوتية فهو لم يقتصر على أصحاب السلطة و المناصب العليا فيها إنه يمتد ليشمل مافيات العسكرة و الأمن وطبقات إجتماعية ذات علاقة شخصية وطيدة مع شخصيات حكومية و شخصيات مقربة من ذوي النفوذ والقوة والسلطة والمليشيات المسلحة؛ وبذلك أكتسب الفساد حماية و توفرت الحصانة لكلُّ من يمارسه ويقوم به، إذ أنه لايحمل قناع لوجه واحد وإنما لعدة وجوه فلدينا فساد الصفقات غير المعلنة وفساد التعيينات في المناصب السياسية والإدارية والمالية والامنية …وغيرها من مؤسسات الدولة الهشة بدون كفاءة وخبرة ومؤهل يكفي القرابة والوساطة و المحسوبية والمنطقة و مؤخرًا يكفي كم منشور للمدح و الشكر والعبادة

 

والوجه الآخر للفساد يتمثل في كمية الوعود في خطابات رئيس المجلس الرئاسي و نوابه عن مكافحة الفساد و محاربته، بل في تورطهم بأنهم:” سيحاسبوا الفاسدين أي من كانوا “(وحتى اللحظة لم يفوا بوعودهم)، وكما في هيئة مكافحة الفساد و جهاز الرقابة والمحاسبة ونيابة الأموال العامة …وغيرها من المؤسسات التي أضحت قوانينها مجرد شعارات للقضاء على الفساد، ليخرجوا إلينا بالقول:” أنه لا أدلة على الفساد لنحاسبها ونساءلها”

 

وهاهي الريح وهاهو المطر أوجدا الأدلة التي كشفت بأن جميع هؤلاء متورط في الفساد وكلًا بحسب مايلوكه ويستهلكه من خُطب وإدعاءات ….لمحاربته. وهذا الذي أتاح للتحالف العربي بأن يستثمر كما يشأ وكيفما يشأ في أرض وجدها خصبة ومهيأة وحاضنة للفساد في كلُّ ماكان يتوقعه و مالم يكن يتوقعه. فالأغلب والأعم من الفساد يتم إضفاء الشرعية القانونية عليه وخير مثال على ذلك مزاد العملة الذي يتم وفق إطار مؤسساتي تتم إدارته من قبل البنك المركزي( ولن أخوض في الآليات و التعاملات المصرفية التي يتم بها مزاد العملة وغياب رقابة السلطة التشريعية…وغيره) فهذا مثال، ومقاولة مطار عدن الذي بلغت تكلفة تأهيله (المرحلة الثانية) 14مليون و500 الف دولار والضرائب والواجبات وتهريب الاموال …. والقائمة طويلة من الأمثلة

 

و كشفت الريح بأن الفساد هو الرئة التي تتنفس منها السلطات الحاكمة سالفة الذكر، فهو بمثابة أنبوبة الأوكسجين التي تبقي هذه السلطات الفاشلة على قيد الحياة؛ وبلا شك أنه مِن دون الاتفاق على تقاسم موارد الدولة الهشة لا يوجد ما يمكن أن يتفق عليه الأخوة الفرقاء في أعلى هرم السلطة

 

كما أصبح الفساد هو الوجه الآخر لجماعة الدولة الموازية جنوبًا وشمالًا التي تفرض نفسها بقوة السلاح، والنفوذ السياسي، والفساد المالي، والإداري وب(دعم من دول الإقليم )

 

والمؤلم حقًا بأن خطورة الفساد لم تعد تقتصر على مظاهر الفساد السياسي والمالي والإداري، وإنّما هناك تقبّل اجتماعي وثقافي للفساد و لِلفاسدين تقبلهم باعتبارهم شخصيات عامة، مقدسة، مناضلة، بطلة ولذا الفساد يتمدد ويأكل أخلاقنا وماتبقى من أحلامنا وأمالنا…شكرًا أيتها الريح

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى