الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

الأغاني الثورية.. الألحان التي عبّرت عن إرادة الأحرار في اليمن

عدن – أسامة فرحان

لا يمكنك أن تمحو ذكرى ثورة عظيمة صاحبتها أغنية ثورية تغلغلت في الوجدان الشعبي، فتخلّقت من خلالها أجيال تؤمن بأهداف الثورة، وتتغنى بأهدافها، وتجعل منها وقودًا ثوريًّا متتابعًا في كل ذكرى تطوي عامًا جديدًا على مرورها، وتبدأ عاماً آخر.

ليس ثمة من ملاحم فنية خالدة كتلك الألحان التي عبرت من إرادة الأحرار، ومرّت من فواهات البنادق لصناعة واقع جديد بالكلية على سابقهِ من عهودِ الظلام والقهر والعبودية.
وللأغاني الثورية دور كبير وفعّال في صنع مسار الثورات، وتعد عاملًا مهمًا في إنجاحها من خلال ما تقدمه من كلمات ثائرة ومعبرة تعمل على استنهاض الهمم ورد اعتبارها من الوهن الذي حل بها.

يقول سام البحيري، مدير مؤسسة ميون الفنية،إن الأغانية الثورية أسهمت في ترسيخ ذكرى عيد الجلاء من خلال الاحتفال بها كطقس من الطقوس الثورية التي تمنح كل من يسمعها العزة والكبرياء، خصوصًا أن هذه الأغاني تذكّر المجتمع الحاضر والأجيال بالماضي القاسي وجبروته.
ويضيف البحيري أن الأغنية الثورية أسهمت أيضًا في ترسيخ ذكرى الجلاء في الوعي الجمعي للأجيال من عدة محاور، إذ إنها أصبحت هوية تتناقلها الشعوب، أو بالأحرى كرمزية تاريخية تتعزز في ذاكرة الأجيال بتلك الحقبة التاريخية التي كان يعانيها المجتمع اليمني من قوى الاستعمار.
وأسهمت الأغنية الثورية في ترسيخ ذكرى الأعياد الوطنية بشكل عام، ومنها عيد الجلاء، فأحيانًا ننسى الخطابات والمقولات والقصائد، لكن الأغاني عادة ما تظل في الذاكرة، فمازلنا منذ الطفولة نردد “برع يا استعمار”، حد قول أبو بكر نجيب، فنان، ومدير مؤسسة فن للإنتاج الفني، لـ”المشاهد”.

الفن في خدمة الثورة

جرت العادة منذ قديم الزمان أن يكون للرموز الفنية والأعمال الموسيقية انتماء وارتباط وثيق بالهوية وبالوطن، بحسب البحيري، مشيرًا إلى أن الأغاني الثورية بقيمتها ودلالتها الفنية تعزز عند المجتمع القيمة المثلى للهوية والانتماء. فالأغاني الثورية تعد حافزًا وشحنة إيجابية في جسد كل يمني ينتمي إلى هذه الأرض.
ويقول نجيب إن للفن دورًا كبيرًا في خدمة الثورة أو الحراك الشعبي، وما يحصل اليوم هو أكبر دليل، فنجد أن هناك توجيهًا معنويًا يساند المقاومة الشعبية بتحفيزهم عبر الفن والأغاني، وفي الجانب الآخر هناك أيضًا من يستغل هذا الفن لإيصال رسائل مضادة.
ويضيف أن الجميع يوظف الفن كلًا في تحقيق أهدافه وتوصيل قضيته، سواء كانت وطنية أو غير وطنية، لمعرفتهم أن الناس يتأثرون بالاغاني بدرجة كبيرة، كونها تترسخ في أذهانهم، وتصل لأكبر عدد منهم.
ومن خلال هذا الدور المهم للأغاني، يتضح مدى أهمية توجيهها لدعم قضية الوطن، وهي القضية الأسمى، من خلال حفلات وطنية تقام سنويًا، والعمل على العديد من الأعمال الفنية التي تدعم هذا العيد وغيره من المناسبات الوطنية المختلفة، كما يقول نجيب.

لفن الثوري في محاكاة الأحداث

مع سطوع شمس الثورة السبتمبرية، ومنذ لحظتها الأولى، توالت عطاءات الفنانين الغنائية، واتخذت أشكالًا جميلة، وتطورت مضامينها بحسب تطورات عمليات النضال المنتصر للثورة والجمهورية، وبحسب المنعطفات التي مرت بها البلاد، والوقائع التي شهدتها الساحة الوطنية، ومنها عيد الجلاء في الـ30 من نوفمبر.
وكان الفنان البارز محمد عطروش في طليعة فناني اليمن الذين دفعهم عيد الجلاء في الـ30 من نوفمبر، إلى استشراف مستقبل أكثر إشراقًا تتحقق من خلاله تطلعات الشعبين إلى ربط المصير وتوحد البلاد، ومن أشهر أغانيه الثورية أغنية “برع يا استعمار”.
وترنم أيوب طارش بأغانيه الوطنية والمحبة للوحدة:
“يا ليتنا طير ما يعرف مرور
شانزل عدن فجر
وشامسي في حجور
ما حد يقول لي علومك والطيور
ولا يسائل إلين من تزور“
ولم تكن هذه أغنية أيوب الوطنية الوحيدة، وإنما جاءت بعد سلسلة من الأعمال الغنائية الوطنية المتميزة، ومن ثم جاءت بعدها أعمال لأيوب أكثر تميزًا، خصوصًا في الفترة ما بين الأعوام 1974 و1977، حين كانت صنعاء وعدن أكثر قربًا إلى بعضهما.
ومن المؤكد أن اليمنيين سيغنون للوحدة وسيتغنون بها، وسيكونون أكثر حماسًا واندفاعًا للذود عنها جيلًا بعد جيل.

إحياء الروح الوطنية

على أن الجيل الحاضر يعيش من الحروب والأزمات ما يغنيه عن التغني بغيرها، إلا أنه يرى الأغنية ممتدة بامتداد المعارك والثورات، وثيقة الصلة بمعركة اليمنيين مع الإمامة من جهة، ومع قوى الاستعمار بأساليبها الجديدة من جهة أخرى، الأمر الذي يدفع فناني الجيل لإنتاج أعمال وطنية تعزز حضور سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر، في الضمير الشعبي، وتؤكد استمرارية التمسك بأهداف كل منها كاستحقاق ضحى من أجله الآباء.
ويقول الفنان محمد الذيفاني: كانت أغنية عيد الجلاء واحدة من إسهاماتي الوطنية التي مازلت أرى أنها متواضعة، ولكن أهميتها تكمن في أن إنتاجها جاء في ذكرى عيد الاستقلال قبل عامين، بالتزامن مع خلو الساحة حينها من أية أغنية في هذ الصدد.
ويضيف الذيفاني الحائز على جائزة رئيس الجمهورية للفن 2013: “تأتي أغنيتي في سياق إحياء الروح الوطنية الرافضة لمشاريع القهر والاستعمار، ولايزال في جعبتي بعض الأعمال الوطنية التي أتوقع أن تنال حظها من التداول، ويكون لها وقع خالد في الذاكرة الفنية لليمنيين، أو هكذا أتمنى، وأنتظر الفرصة السانحة لإنتاجها من حيث توافر إمكانات العمل على إنتاجها بصورة تليق بالوطن وتضحيات أبنائه” بحسب المشاهد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى