الأخبارعربي ودولي

السودان.. كيف تحولت مظاهرات الأحد إلى حشد مضاد لاتفاق البرهان وحمدوك؟

مزدلفة عثمان _ الخرطوم

على وقع هتافات المحتجين وقنابل الغاز المسيل للدموع وموجة رفض شعبي واسع، جرت في القصر الرئاسي بالخرطوم اليوم الأحد مراسم التوقيع على اتفاق سياسي بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء المعاد إلى منصبه عبد الله حمدوك، في مسعى لنزع فتيل أزمة سياسية خانقة كادت أن تعصف بالبلاد منذ بروزها في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

مئات المتظاهرين الذين تنادوا للمرة الأولى للتوجه إلى القصر الرئاسي -ضمن جدول راتب للتظاهر ضد إجراءات المكون العسكري- لم يحفلوا بما كان يدور داخل إحدى قاعاته من تفاهمات اكتملت بين البرهان وحمدوك وحميدتي، بل تحولت الهتافات إلى أصوات غاضبة ورافضة للاتفاق الجديد باعتباره يمنح شرعية للإجراءات الموصوفة بأنها “انقلابية نفذها البرهان ضد الشركاء المدنيين”.

وطالب المتظاهرون الذين جرى تفريقهم بقنابل الغاز من محيط القصر الرئاسي بفض الشراكة مع المكون العسكري، وإحالة قادته على التحقيق بسبب مقتل نحو 40 شخصا منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على يد قوات أمنية يقول المحتجون إنها استهدفت المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي.

ومع شيوع أنباء عن توقيع اتفاق البرهان وحمدوك تحولت شعارات الاحتجاجات التي انتظمت في أغلب مدن العاصمة الثلاث إلى مطالبات بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية كاملة، وعودة العسكر إلى الثكنات رغم أن أحد بنود الاتفاق تضمن نصا بتسليم السلطة للمدنيين في الموعد المقرر بحلول يونيو/حزيران 2022.

سخط شعبي

وأبقى الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك على “الشراكة الانتقالية بين المدنيين والعسكريين باعتبارها الضامن والسبيل لأمن السودان واستقراره”، وهو ما يثير حنق معظم الشارع الذي رفع شعار “لا تفاوض، لا شرعية، لا شراكة” مع العسكر بالنظر إلى مسؤوليتهم الكاملة عن مقتل عشرات من الشباب السلميين منذ فض اعتصام القيادة العامة في يونيو/حزيران 2019، مرورا بمن سقطوا بعد إجراءات البرهان التي عصفت بالشراكة مع قوى الحرية والتغيير الشريك الأصيل في الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية.

وبدا أن يقين الأطراف بحساسية أحداث العنف التي صاحبت الاحتجاجات السلمية وأسقطت قتلى وجرحى دفعهم إلى إجراء تعديلات على نص الاتفاق السياسي الوليد، بعد أن خلت مسودته الأولى من الحديث عن التحقيق في الأحداث الأخيرة، لكن النسخة التي تليت ووقّعت بين البرهان وحمدوك تضمنت نصا يدعو إلى “التحقيق في الأحداث التي جرت في المظاهرات من إصابات ووفيات للمدنيين والعسكريين، وتقديم الجناة للمحاكمة”.

كما أشار الاتفاق إلى إطلاق سراح المعتقلين، وتشكيل حكومة مدنية تديرها كفاءات مستقلة، والإسراع باستكمال جميع مؤسسات الحكم الانتقالي، وذلك بتكوين المجلس التشريعي والأجهزة العدلية من محكمة دستورية وتعيين لرئيس القضاء والنائب العام، على أن يتوالى تباعا تكوين مفوضيات ومؤسسات الحكم الانتقالي الأخرى ومباشرة مهامها فورا وفق جداول زمنية محددة.

وبدا أن حمدوك سيواجه وضعا معقدا بعد قبوله الاتفاق مع البرهان بعيدا عن القوى السياسية أو ما كان يعرف بالحاضنة الممثلة في قوى الحرية والتغيير، فضلا عن حالة سخط شعبي واسع قوبل بها اتفاقه مع قائد الجيش.

رفض الاتفاق

ويرى مراقبون أن حمدوك بات شريكا للبرهان الذي خطط لإقصاء أحزاب التجمع الاتحادي والمؤتمر السوداني وحزب البعث من المشهد السياسي، بعد أن ظل يتهمها باختطاف القرارات والسيطرة على مقاليد السلطة بعيدا عن مكونات قوى الحرية والتغيير البالغة نحو 79 حزبا، وهو ما يعني أن الحكومة الجديدة ستواجه معارضة شرسة من قوى فاعلة يناصرها قطاع عريض في الشارع.

وحسب مصادر تحدثت للجزيرة نت، فإن اتفاق البرهان وحمدوك تم التوصل إليه بعد وساطات محلية ومبادرات قادتها شخصيات حزبية وقومية لإيجاد مخرج للأزمة السياسية، وأن الوسطاء عزلوا عنها كل قادة الأحزاب المتهمة من المكون العسكري ببلبلة الأوضاع باستثناء قيادة حزب الأمة الذي عمل رئيسه فضل الله برمة ناصر مع الوسطاء بعيدا عن مؤسسات الحزب.

وبالفعل سارعت أحزاب التجمع الاتحادي والمؤتمر السوداني وحزب الأمة إلى إصدار بيانات فور تسريب أنباء الاتفاق، أكدت فيها أنها ليست جزءا من هذه الاتفاقات، وتتمسك بالعمل على مقاومة “الانقلابيين” إلى حين إسقاطهم وفقا لبيان المؤتمر السوداني الذي تعتقل السلطات رئيسه وعددا من قياداته.

كما أعلن المتحدث باسم حزب الأمة القومي الواثق البرير رفضهم أي اتفاق لا يخاطب جذور الأزمة التي أنتجها الانقلاب العسكري وتداعياتها من قتل للثوار يستوجب المحاسبة، في حين أعلنت الهيئة السياسية للتجمع الاتحادي الانحياز لموقف الشارع وتصعيد النضال السياسي ضد “المجلس الانقلابي” حتى يسلّم السلطة لحكومة مدنية خالصة.

ومواقف الأحزاب الثلاثة ذاتها أيّدها المجلس المركزي للحرية والتغيير معلنا رفضه أي تفاوض أو شراكة مع المجموعة الانقلابية كما يسميها، وقال في بيان إن تقويض نظام الحكم الشرعي، والانقلاب على الدستور، وقتل الثائرات والثوار السلميين، والإخفاء القسري وغيره من الجرائم الموثقة كلها أسباب تقتضي تقديم قادة الانقلاب والانتهازيين وفلول النظام البائد المشكلين لهذه السلطة إلى المحاكمات الفورية.

وأضاف بيان المجلس المركزي “لسنا معنيين بأي اتفاق مع هذه الطغمة، وسنعمل بكل الطرق السلمية والمجربة على إسقاطها”.

ومع أن الاتفاق السياسي الموقع بين البرهان وحمدوك تحدث عن تعديل الوثيقة الدستورية بالتوافق، بما يحقق مشاركة سياسية شاملة لكل مكونات المجتمع عدا حزب المؤتمر الوطني المنحل، إلا أن اعتراض قوى الحرية والتغيير على مبدأ التفاوض يرشح الوضع السياسي لمزيد من التوتر والاضطراب.

ومن وجهة نظر هيئة محامي دارفور فإن الوثيقة الدستورية “معيبة”، ولن تصلح للتأسيس الدستوري السليم، وتشير في بيان إلى أنه بموجب الوثيقة ذاتها تم تعيين حمدوك رئيسا للوزراء، وأن القوى التي أتت به هي من تمثل الطرف الآخر في الوثيقة الدستورية المعيبة، ومن ثم لا يجوز لحمدوك إبرام أي اتفاق أو إعلان سياسي نيابة عن القوى المذكورة في الوثيقة الدستورية أو عن الثورة والثوار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى