تقارير وتحليلات

أحاديث الشمال والجنوب – حصار الإرادة أم الحصار الاقتصادى

كتب / ابراهيم سنجاب

البعض لا يريد أن يرى إعلان المجلس الإنتقالي الادارة الذاتية فى المحافظات التى يسيطر عليها فى جنوب اليمن زلزالا , والبعض الآخر يريده زلزالا (على كيفه ) بحيث يحدد هو وفقا لرؤيته درجة قوته وحجم أضراره ومديات الاستفادة من آثاره الممتدة عبر عشرات السنوات إن لم يكن المئات .

فى الشمال ليس أمامهم إلا إعلان التمسك بالوحدة وإن كانت أدبيات ثورتهم تلمح إلى تفاصيل خاصة واستعداد للتفاهم على نحو آخر غير الوحدة التى نعرفها فى بلدان غير اليمن .وفى الجنوب يبدو الانفصال مطلبا جماهيرياً تتلاعب به النخبة والجماعات والقيادات السياسية والميدانية وفقا لارتباطاتها الخارجية وأجندة معونات الدول المتدخلة فى الشأن اليمنى , والتى تقبع مطامعها فى هذا البلد المهم تحت كل زلزال يبدو سطحه خامدا رغم ما تحته من ركام متوهج .

هل تريد أن تضحك أم تفضل البكاء ؟

فى بيان لهيئة رئاسة المجلس الانتقالى الجنوبى بعد اجتماع قيل انه طارئ بتاريخ, انتقد عدم صرف رواتب المؤسسة العسكرية والمتقاعدين والمدنيين , واستهجن التوقف عن دعم الجبهات المشتعلة بالسلاح ومتطلبات المعيشة واتهم   الشرعية   بتأجيج  التناحر الوطنى ودعم الارهاب وتسخير موارد البلاد لتمويل انشطة الفساد والتهرب من اتفاق الرياض مرورا بانتقاد صمت الاشقاء فى التحالف غير المفهوم ولا المبرر

واقر المجلس فرض حالة الطوارئ فى عدن ومحافظات الجنوب واعلن الادارة الذاتية للجنوب مطالبا جماهير الجنوب الالتفاف حول قيادتها ومساندتها لتنفيذ الادارة الذاتية , داعيا الاشقاء فى التحالف العربى والمجتمع الدولى الى دعم ومساندة اجراءاته .

تريد أن تضحك …

السيد عيدروس الزبيدى أعلن الادارة الذاتية لعدن والجنوب من فندق فى أبو ظبى ,أما السيد عبد ربه  منصور المستهدف بالإجراءات فمقيم فى أحد فنادق الرياض , بينما السيد معين عبد الملك رئيس حكومة هادى فيدعو لضبط النفس من شقته فى القاهرة .أما فى الجنوب ذاته فقد أقيمت الأفراح بجوار المآتم , لدرجة تجعل المجنون يقدم حلا , إذا حقا تريدون الإنفصال فأعلنوه مباشرة دون لف ودوران , الامر لا يحتاج ولا حتى للتفاهم مع صنعاء .

أما النصف العاقل فيفهم أنهم جميعا لا يملكون من أمرهم شيئا فلا هم راغبون فى استمرار الوحدة ولا أمر الإنفصال بأيديهم . وهنا تفهم أن الجنوب الذي يقال إنه محرر هو أيضا محاصر ولكنه حصار الارادة والأفكار وغل اليد عن القرار الشعبى سواء بالانفصال أو الوحدة وكلاهما بيد الأحرار فقط غير المكبلين المغلولة أيديهم وأفكارهم . ومنه تفهم أيضا أن الشمال ترك للجنوب حرية اتخاذ الموقف النهائى وعندها سيكون لكل حادث حديث .

تريد أن تبكى …

أبك على المغتصبين من الرجال فى السجون وغيرها , وأبك على تجارة الرقيق فى مناطق كانت حرة عزيزة , ابك على شباب قبليين يمنيين من الجنوب ليس لهم قضية من يمنيين من الشمال إلا الخضوع لجلاب يلبسهم لباس الحرب ويلقيهم فى آتون النار على جبهات لا تقدم ولا تؤخر فى قرار الجنوب سواء بالإنفصال أو باستمرار الوحدة . وسواء كنت شماليا أو جنوبيا ابك على مدنك وقراك التى كانت تحرسها الجبال , من أجل ماذا ؟ أنت لا تعرف,  أنت لا تفهم ,أنت لا تريد أن تعرف أو تفهم . فقط كنت أسرعهم فى الدخول فى الفتنة أبطأهم فى الخروج منها . فلتكن هدفاً لأى رصاصة أو ما شئت .

صنعاء وما حولها  افيقوا فالأداء ليس جيدا

على مدى أكثر من خمس سنوات انقطعت فيها لمتابعة الشأن اليمنى كنت وما زلت معجبا بأداء الجيش واللجان والإعلام الحربى , لم أستطع ذات مرة أن أخفي أو أتجاهل هذا الأداء المبهر المتطور الواقعى الصلب , ولم أحاول ذلك أبدا رغم ما يحيط الكتابة فى الأزمة اليمنية من مخاطر أو على الأقل تجاهل لا يعرف الكثيرون مدى قسوته . ويوما بعد يوم يحقق جيش صنعاء ولجانها أهدافه سواء التكتيكية أو الاستراتيجية بصبر عجيب وحكمة بالغة بحيث يشهد لهما الأعداء قبل الأصدقاء .

ولكن …

تحت القصف وفى ظل جحيم الحياة تحت الحصار وتغول الجوع والمرض والحروب النفسية , لم يكن من اللائق أن نتكلم ولو بطرف الإشارة عن الجانب الآخر من الصورة , والتى يتبدى فيها دون تركيز , بل من أول نظرة , كيف تسلق المتسلقون أكتاف المقاتلين على الجبهات , فحصد بعضهم المناصب وأثرى البعض الآخر على نفقة الدولة . بل إن البعض بات قادرا على تجاهل الدولة نفسها طبعا بحجة ممارسة اختصاصاته ؟  وهكذا  صارت دماء الشهداء تجارة رابحة ,مرة فى الأسواق ومرة على الشاشات  , وما أروع أن يتذكر الآخرون شهيدا حتى لو على صفحة افتراضية , ولكن .. ما قيمة أن تفتخر بشهيد من عائلتك ولا تذهب إلى حيث قتل فتثأر لدمائه ؟

فى اليمن الذى نجا من جائحة كورونا , تحذر منظمة الصحة العالمية من انتشار وباء الملاريا القاتل بسبب الامطار المتواصلة , وكما هو معلوم فان الملاريا مرض الفقراء , وكأن فيروس كورونا الذى لا يفرق بين فقير وغنى وأمير وغفير استكثر على نفسه أن يصيب اليمن , فالموت فيها للفقراء والحياة للانتهازيين الذين سماهم السيد عبد الملك فى محاضرته الثالثة لهذا العام بالمتجبرين الذين اصابهم الغرور والكبر لدرجة انهم يرفضون مجرد النصيحة بزعم انهم اصحاب صلاحيات!

لا وقت للإرشاد فالوقت وقت قرارات

الصورة ليست قاتمة إلى الحد الذى يهدد مستقبل الثورة , ولكنها لم تعد ناصعة كما عرفناها أول مرة , فالرقابة باتت ضرورة , والذين يرتكبون جرائمهم بحق الصامدين والصابرين, اعتقدوا انهم بعيدين عن الأعين يوالى بعضهم بعضا , متجاهلين آلام الضعفاء والمحتاجين وحاجة الجميع إلى دولة قوية تبسط سلطة قوانينها على الجميع دون تفرقة . والأسوا منهم أولئك ممن يجب أن نطلق عليهم مسمى كتائب المنافقين الذين يبررون لكل خطأ بحجة أن القيادة على علم به وأنها قادرة على التعامل معه فى الوقت الذى تحدده . لا يا سيدى , فكتائب المنافقين هربت مع أول مواجهة فى دول بحجم اليمن عدة مرات ومع أنظمة بحجم حكومة صنعاء عشرات المرات , وفى ظل قيادات كانت تاريخية ملهمة وما زالت لدى ملايين العرب والمسلمين .

  دولة فى صنعاء لكل اليمن ؟ فهل أنتم جاهزون

فى 19 9 2019  كتبت مقالا منشورا لمن يرغب فى العودة اليه , كان عنوانه هكذا , دولة أم جماعة ؟ميليشيا أم جيش وطنى ؟ وذلك ضمن سلسلة ,  والذين معه

فى فقرة منه قلت عن انصار الله , اعرفهم بيقينهم واعرف عقيدتهم واعرف الظروف القاهرة التى يعانيها اباؤهم وامهاتهم وزوجاتهم واطفالهم , وقلت : ماذا تفعل لو كنت يمنيا هل تستسلم للعدوان ام تقاومه ام ترتزق وتتعامل مع المحتل ؟ ام تقف على الحياد او تفعل مثلما يفعل البعض وتنتقل من طرف لآخر ؟ انتهى الاقتباس

واليوم ونحن فى نهاية ابريل 2020 , هل تريد منى وأنا البعيد عن مسجد صنعاء الكبير بالاف الكيلومترات , أن استبدل اسئلتى السابقة بسؤال مؤلم , هل هناك وجود للدولة فى صنعاء ؟ هل تحتاج صنعاء إلى حكومة قوية ؟ هل يتوازى انجاز المسئولين المدنيين فى صنعاء مع انجازات شباب وشيوخ الجبهات ؟ هل تشعرون بما تشعر به أجساد الشهداء تحت التراب ؟ هل تتحملون عودة الأرواح إلى أجسادها لتحاسب المتسلقين الانتهازيين والسلطويين بالصدفة ؟ هل أنتم مستعدون لاستقبال العائدين من الجبهات عندما توقف الحرب أوزارها ؟

صحفي مصري ونائب رئيس التحرير في جريدة الأهرام المصرية

المقالة تعبر عن رأي صاحبها حصراً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى