مقالات

العالم يذهب بعيداً.. بقلم| عبدالرحمن بجاش

بقلم| عبدالرحمن بجاش

طالبان عادت، طالبان المعدّلة جينيًّا، أو الأصلية، دائمًا ما ينجح الإعلام الغربي بإشغال العالم الجاهل بأشياء بنظرهم هم صغيرة، فيكبرونها، ويهول تفاصيلها، وفي وسط الضجة تختفي الأسئلة الكبيرة.

العالم الجاهل يحتفل بهزيمة أمريكا! وكأن أمريكا مديرية “القاعدة”، وكأن أمريكا دخلت أفغانستان وصرفت مليارات الدولارات، وخرجت خالية الوفاض!!! أو كما كان نفس العالم يهلل ويزمر لهزيمة الاتحاد السوفيتي، وكان السوفييت إدارة ناحية المواسط حجرية!!! هذا العالم الجاهل هو نفسه تم تشكيله بما يناسب تكوينه الاجتماعي والتاريخي؛ مهووس بالمؤامرة فليكن، نخترع له في اليوم ألف مؤامرة ونشغله لأنه يرتاح لذلك الظهور بمظهر المظلوم. بينما البطولة تتحقق، هناك منجزات يشيب لها الولدان -إن صح التعبير- ومن يشكِّك فعليه أن يقرأ عن إنترنت الأشياء كملمح من ملامح الذكاء الاصطناعي القادم والذي سيضيع هذا العالم الذي نصفه مشغول بانتصار طالبان، والآخر يدير نقاشًا عقيمًا عن مؤامراتٍ ومؤامراتٍ مضادة مضى عليها أكثر من ألف سنة مما تعدون.

ثمة تقرير إخباري من “RT” عن سر أفغانستان بعيدًا عن اللحى، ما أنتج منها محليًّا وتلك التي وفدت من جزيرة العرب وتحولت إلى مجرد أداة تحارب تحت شعارات مقدسة؛ بينما تسير الأمور في دهاليز دهاقنة الصراع العالمي في طريق آخر، هنا لمن يريد أن يعرف ما جرى ولا تزال فصوله في مطار كابل إلى اللحظة مأساة يراد بها طمس العيون عن أن تذهب إلى البعيد:

“عندما دخل مقاتلو حركة “طالبان” إلى العاصمة الأفغانية كابل في الـ15 من أغسطس لم يسيطروا على إدارة الدولة فحسب، بل استولوا على ثروة هائلة تتمناها الكثير من الحكومات. وحسب موقع “كوارتز”، فبخلاف الصورة النمطية التي يعتقد البعض بموجبها أن أفغانستان هي سلسلة من الجبال والمساحات الوعرة، فإن أراضيها تحتفظ بثروات ضخمة، وعلى سبيل المثال أصبح بمقدور حركة طالبان استغلال رواسب ضخمة من المعادن التي تعتبر ضرورية لبناء اقتصاد الطاقة النظيفة العالمي”.

ففي عام 2010، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية مذكرة داخلية بعنوان “أفغانستان المملكة العربية السعودية لليثيوم” بعد أن اكتشف الجيولوجيون الحجم الهائل للثروة المعدنية للبلاد، والتي تقدر قيمتها بما لا يقل عن تريليون دولار.

وهذا المعدن الفضي ضروري لإنتاج السيارات الكهربائية وبطاريات الطاقة المتجددة، ويعتقد أن أفغانستان تمتلك أكبر احتياطي منه في العالم، وبعد عشر سنوات وبفضل الصراع والفساد والخلل البيروقراطي ظلت هذه الموارد غير مستغلة بالكامل تقريبًا.

وبينما تتطلع الولايات المتحدة إلى فصل سلاسل إمداد الطاقة النظيفة عن الصين التي تعتبر أكبر منتج لليثيوم في العالم، فإن وضع المعادن في أفغانستان تحت سيطرة طالبان يشكل ضربة قاسية للمصالح الاقتصادية الأمريكية.

وقال رود سنوفر رئيس برنامج الأمن البيئي في مركز المخاطر الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث في واشنطن: “طالبان تتربع الآن على بعض أهم المعادن الاستراتيجية في العالم”.

يواصل التقرير:

ومن المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على الليثيوم 40 ضعفًا فوق مستويات 2020 بحلول عام 2040 وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، إلى جانب العناصر الأرضية النادرة والنحاس والكوبالت والمعادن الأخرى التي تعد أفغانستان غنية بها بشكل طبيعي.

وتتركز المعادن في عدد صغير من الجيوب حول العالم، ولذا فإن التحول إلى الطاقة النظيفة قد يحقق ربحًا كبيرًا لأفغانستان.

وذكر موقع ” كوارتز” أن المسؤولين في الحكومة الأفغانية ألمحوا في الماضي إلى احتمال إبرام عقود تعدين مريحة مع نظرائهم الأمريكيين لإغرائهم وإطالة أمد الوجود العسكري الأمريكي في البلاد، ومع وجود طالبان في الحكم، من المحتمل أن يكون هذا الخيار خارج الطاولة.

ووفقًا لوزارة المناجم والبترول فإن قيمة الثروة المعدنية في أفغانستان تقدر بنحو تريليون دولار لكن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية تختلف مع هذه التقديرات، تقول إن القيمة الحقيقية لها تصل إلى 3 تريليونات دولار.

وبين أبرز عناصر هذه الثروة المعدنية التي تشتهر بها أفغانستان، النحاس حيث تمتلك ثاني أكبر احتياطي في العالم منها بقيمة تقدر بنحو 88 مليار دولار، إضافة إلى نحو 2.2 مليار طن من خام الحديد.

كما تمتلك أفغانستان أيضًا 1.4 مليون طن من العناصر الأرضية النادرة و5 مناجم للذهب و400 نوع من الرخام واحتياطيات من البريليوم تقدر بقيمة 88 مليار دولار، وتجني 160 مليون دولار من بيع الأحجار الكريمة سنويًّا”.

من خلال التقرير المعد من قبل محرري RT الروسية يشتم، من يدس أنفه بين السطور أن جهة رسمية روسية سربت معلوماته، وهذا ليس عيبًا، الأمريكيون يسربون مثلًا من خلال “الوول ستريت جورنال”، فلهم مصالحهم والتي يقول خروجهم من أفغانستان أنهم ضمنوها، لينقلوا الحرب بينهم وبين الطامعين الآخرين إلى أفق آخر، الصين أبرقت سريعًا قبل أن يجف البارود لطالبان “مستعدون لعلاقات هادئة”، والروس سريعًا تفاوضوا مع كابل الجديدة حول أمن السفارة، فيما الهند قريبة، والباكستان وسط الزحمة من يوم أن فقس البيض في بيشاور وتحركت الفراخ نحو تورابورا. وإيران تنظر بعين الريبة لعودة طالبان، وتركيا تتابع باهتمام. والجميع يتمنون معرفة السر الكبير الذي سيُدفن كما دُفنت أسرار كثيرة!

العالم تُشكِّل خارطته المصالح، وليس ببعيد ما قاله تشرشل يومًا: “لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، مصالح دائمة”. ويكون هذا صحيحًا عندما نعلم الآن أن الأمريكيين من كبار المستثمرين في فيتنام إن لم تكن أكبرهم!

خارطة أفغانستان الجديدة -إن صح التعبير- تشكلها تحالفات ومصالح الكبار فيها، والتي لا تقتصر على معادن الأرض بل على تقاطعات نفس المصالح في ذلك البلد من حدود روسيا حتى حدود مصلحة بريطانيا.

وحدهم العرب دائمًا خاسرون، وإن ظهروا كدول الخليج تعمل لصالح الكبار وتخسر عندما يتعلق الأمر بمصالحها لغياب الرؤية في زحمة مصالح الكبار، فتجد نفسها دائمًا تعمل بالوكالة ولا تعمل لأمنها ومصالحها.

طالبان بحاجة إلى العالم وقد وعت الدرس -هذا نراه في تصريحات لا يثق فيها كثيرون- على صعيد السياسة الدولية، فإما أن تجد نفسها كدولة مع العالم أو سنرى من هربوا على الطائرات طلائع جيش يغزو أفغانستان من جديد. الغرب تاجر ذكي وسلعة الديمقراطية وحقوق الإنسان دائمًا هما الجسر الذي عليه يعبر إلى داخل البلدان حيث ما تكون له مصلحة، والمصلحة نفسها تجعله يدعم أنظمة ديكتاتورية طالما طريقه آمن! وفي سبيل مصالحه فينسى خصوصيات الشعوب وهنا تكمن العلة التي لا يفهمها العالم الجاهل دائمًا. في المقابل، فالدب الروسي لم تعد الأيديولوجيا تحكم علاقته بالآخرين، ومستعد للحرب في سبيل نصيبه من الكعكة، ولن يتساهل عن أمنه، والغرب لم ينسَ البحر الأسود، وعلى طالبان أن توازن بين مصالح كبار المتصارعين ورؤيتها لشكل الحكم إمارة إسلامية سترى النور إذا ضمنت مصالح الأطراف! السياسة ليست شعارات فقط.

العالم يتشكل مواءمة مع متغيرات القوى. ونحن ندير نقاشات عقيمة من نوع البيضة أم الدجاجة أولًا.

خلاصة الخلاصة، فبرغم مأساوية المشهد، فما يجري هناك في مطار كرزاي وضجيج الإعلام يشغل العالم عن السؤال الكبير!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى