لهذه الأسباب فشلت السّعوديّة في استنساخ البرلمان اليمنيّ بقلم| علي ظافر
بقلم| علي ظافر
ربما يستحضر البعض لقاء محمد بن سلمان قبل 4 سنوات بأعضاء البرلمان اليمني المؤيدين لتحالف العدوان على بلادهم في منتصف آب/أغسطس 2017، وما حظي به ذلك اللقاء من اهتمام سعودي على المستويين السياسي والإعلامي، حتى خيّل إليهم في تلك المشهدية في “قصر السلام” في جدة أنهم صنعوا معجزة وانتصاراً سياسياً كبيراً. وكان النظام السعودي يتوهّم حينها أنّ بمقدوره صناعة نسخة مزيفة عن مجلس النواب الشرعي في صنعاء، كما صنع مؤسسات تنفيذية مقابلة للمؤسّسات الرسميّة في صنعاء.
وامتدّ الوهم يومها إلى البرلمانيين الذين قدموا إلى جدة من مختلف العواصم للمشاركة في ذلك اللقاء، حتى إنَّ البعض وصف تلك المسرحية السياسية الهزلية بأنها “إنجاز تاريخي لاستعادة الدولة والتصدي لمشروع الانقلاب”.
لم يدّخر النظام السعودي جهداً ولا مالاً في سبيل إنجاح هذا المشروع الحلم، فأغدق على النواب أمواله، وسخَّر لهم طائراته لنقلهم من مختلف العواصم إلى مطار جدة الذي ظلوا فيه قرابة 6 ساعات، في مشهد مذلٍّ ومهين جداً.
ومع كل تلك الإهانات، جرى التحضير لعقد أول جلسة كان يفترض أن تكون في محافظة عدن التي يصفونها بالعاصمة المؤقتة، لكن الانتقالي الموالي للإمارات رفض رفضاً قاطعاً انعقاد أي جلسة لهم في عدن، وكان هذا أول تحدٍّ وأول انتكاسة، ثم لجأوا إلى التفتيش عن مكان بديل، فوقع اختيارهم على سيئون، عاصمة محافظة حضرموت، على الحدود اليمنية الشرقية مع السعودية.
جلسة يتيمة وهزيلة ومخيّبة لآمال الرياض
في منتصف نيسان/أبريل 2019، أي بعد عامين من الجهود السّعودية المضنية، التأم الأعضاء المؤيدون لعدوانها على اليمن، وهم لا يتجاوزون 80 من أصل 301، بمعنى أن الرياض لم تستطع أن تجمع حتى ثلث الأعضاء، رغم إغرائهم بمبلغ مليون ريال سعودي لكل عضو.
رغم ذلك الحرج الكبير، أحضرت الرياض عبد ربه منصور هادي (الرئيس المنتهية ولايته) ونوابه وزبانيته، وعدداً من السفراء الخليجيين والعرب والأجانب، لمباركة أول وآخر جلسة وإعطائها هالة سياسية أكبر من حجمها. في تلك الجلسة، تم انتخاب “هيئة الرئاسة الجديدة” للبرلمان بنسخته السعودية، والتي تمثلت بسلطاني البركاني رئيساً، ومحسن باصرة ومحمد الشدادي وعبد العزيز جباري نواباً للمجلس. من هنا، بدأ الخلاف بين الأطراف المنضوية تحت قبة البرلمان بنسخته المزيفة حول الرئاسة ونسب التمثيل والكتل… وهو أول التحديات في وجه المشروع السعودي.
أما التحدي الثاني، فله طابع أمني، إذ أعلن التحالف بعد يومين من انعقاد جلسة سيئون في نيسان/أبريل 2019 “اعتراض 11 طائرة مسيرة كانت تستهدف مقر انعقاد البرلمان”، كما جاء على لسان تركي المالكي. ونُشِرت صورٌ حينها عن مقر الانعقاد وهو مدمر ومحترق، ولم تُعرف بعد الجهة التي استهدفته وأوصلت رسائل بالنار لإحباط ما تخطط له الرياض. ويكمن التحدي الثالث في صعوبة جمع الرياض النوابَ (أسقطت صنعاء عضويتهم وحصانتهم) من مختلف عواصم العالم، فضلاً عن تشكيلة ضمن مؤسسة يمكن تسميتها بالبرلمان.
اليوم، وبعد مرور عامين، ومع استحالة انعقاد المجلس بنسخته السعودية المزيّفة، وصعوبة جمع من تم جمعهم في المرحلة السابقة، أرسلت السعودية على جناح السرعة سلطان البركاني وعدداً من أعضاء هيئة الرئاسة لعقد جلسة “طارئة”، علماً أنَّ الجلسة المفترضة من دون مجلس ولا أعضاء، وباتت تفتش عن “مكان آمن لانعقادها”، كما ورد في أول تصريح للبركاني فور وصوله إلى سيئون، والذي برر فشل اجتماعهم مجدداً بدعوى الاحتياطات الأمنية، وقال: “الحوثي باتت لديه صواريخ بالستية وطائرات مسيرة، ولا يمكن أن يوفروا لهم هدفاً دسماً”.
قابلت صنعاء هذه التصريحات بسخرية، وجدّدت موقفها بعدم شرعية ما تصفه السعودية بـ”مجلس النواب”، وتساءل نائب وزير الخارجية حسين العزي في صفحته في “تويتر”: “هل وجدتم في كل العالم برلماناً يبحث عن مكان في بلده لعقد جلساته، وفِي كل مدينة يصلها يتم طرده كما تطرد الكلاب؟ تلك هي الشرعية الزائفة، وذلك هو برلمانها”، واعتبر أن تلك هي رسالة اليمن في جهاته الأربع للغرب والشرق، والتي تقول لهم مؤكدة: “مهما كان دعمكم للزيف، فلا شرعية في اليمن إلا للأرض والشعب”.
جاءت تصريحات العزي بعد أن خرج أنصار الانتقالي المدعوم إماراتياً في تظاهرات ترفض انعقاد جلسة لهيئة الرئاسة في سيئون، وأجبر البركاني تحت الضغط والرفض على الهروب إلى المهرة، لتخرج تظاهرات مماثلة تردد شعارات من قبيل “برع بركاني برع”، في رسالة تؤكّد رفض اليمنيين شمالاً وجنوباً هذا المشروع السعودي، وتنسف أي مشروعية للمجلس المزيف، وتؤكد للعالم أنه يدعم عصابة من الخونة لا ثقل لهم ولا وزن في جغرافيا اليمن الممتدة من صعدة إلى المهرة.
من خلال ما سبق من تصريحات البركاني والمواقف السياسية والشعبية، نستطيع تحديد أبرز الأسباب لفشل السعودية في استنساخ البرلمان اليمني الشرعي في صنعاء، وهي على النحو الآتي:
– فشل الرياض في إيجاد بيئة آمنة للبرلمانيين المؤيدين لها ولعدوانها على اليمن.
– استمرار رفض الانتقالي المدعوم إماراتياً انعقاد أي جلسة للمجلس بنسخته السعودية في أي من المحافظات الجنوبية. وقد فسّر ذلك دفع الانتقالي بجموع المحتجين إلى رفض انعقاد الجلسة الطارئة لهيئة الرئاسة في سيئون، بل تم طرد البركاني من سيئون تماماً، فلجأ، بحسب مصادر مطلعة، إلى المهرة، وخرجت مسيرات مماثلة تطالب بطرده وترفض انعقاد أي جلسة فيها.
– فشل الرياض في عقد جلسة، ولو شكلية، لنواب خونة أسقطت عضويتهم من قائمات مجلس النواب في صنعاء، “بسبب خيانتهم وانسياقهم وراء دول العدوان وتبريرهم جرائمها ضد اليمن واليمنيين”.
– فشل الرياض في توفير “النصاب الشكلي لجلسة شكلية”، في ظل اختلاف ولاءات النواب (للسعودية والإمارات وتركيا)، وغياب قسم آخر عن المشهد، بعد أن تكشفت لهم نيات ومقاصد وأطماع السعودية والإمارات في اليمن، وباتوا يفتشون عن طرق للعودة إلى صنعاء.
– الخلاف الكبير بين “النواب” أنفسهم حول نسب التمثيل والكتل وعدم انسجامها مع الأجندة السياسية.
في الخلاصة، من الصعب والعبث السياسي أن تحاول الرياض إضفاء “شرعية” مزيفة على مجلس مرفوض شعبياً وسياسياً في الجنوب والشمال، وبات على المجتمع الدولي مراجعة مواقفه، ليس تجاه النسخة المزيفة للبرلمان اليمني فحسب، بل تجاه ما يصفونه بالشرعية أيضاً، على أن هذه الشرعية المزعومة لا وزن لها ولا قيمة ولا حجم ولا تمثيل على جغرافيا اليمن الممتدة من صعدة إلى المهرة، كما بات على المنضوين في هذا المجلس أن يدركوا حقيقة مهمة، وهي أن الشرعية لا تأتي من الخارج ما لم تكن موجودة في الداخل.