تقارير وتحليلات

القضية الجنوبية وحرب الخمس سنوات “5-2” .

بقلم د/ حسن زيد بن يحيى

لمحة تاريخية

هنا نبحث عن الجذور التاريخية لهذه الانقسامات التي ظهرت في الجنوب بعد عام 2015 . نعلم ان الدولة اليمنية الحديثة منذ نشأتها كان للصراع الداخلي أبعاد داخلية و خارجية . لكن المحفز الرئيسي لهذا الصراع هي التنمية الغير متكافئة بين المناطق اليمنية و هي التي ولدت مجتمعات مجزأة و مضطربة خلقت بدورها هياكل حكم هشة للغاية . إلا أن هذا العامل الداخلي ليس الوحيد ، هناك ايضا التدخلات الخارجية المتعددة التي عقدت الوضع و شكلت الديناميكيات السياسية للدولة اليمنية بما يخدم مصالحها . و أعدت الدولة اليمنية لتمرير الإضطرابات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و سحقت أمل و تطلع المواطنين اليمنيين في قيام دولة يمنية موحدة و مزدهرة .

نعود إلى الانقسامات التي ظهرت في الجنوب بعد عام 2015 هذه الانقسامات نتيجة تحول طبيعي لتراكم مظالم ، أعطت تلك المظالم مبررات للقوى المناهضة للوحدة ان تشعل الحرب المدمرة لليمن 2015 . لا ننسى دور القوى الاقليمية ، بشكل خاص السعودية و الإمارات ، في تشويه و تدويل الصراع الداخلي اليمني . لكن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي كشف للمجتمع الدولي الدور المتوحش الأرعن لإبن سلمان و ابن زايد . لذا يبذل الإتحاد الأوروبي الآن جهدا في دراسة المشاكل المتنوعة و المعقدة التي تواجه اليمن بشكل عام و ابناء  الجنوب  بشكل خاص آملا في الوصول إلى الطريق الصحيح في معالجتها و إيجاد حل مستدام للصراع .

تشكلت الجمهورية اليمنية عام 1990 بدمج الجمهورية العربية اليمنية و جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية . و أصبح الرئيس علي عبدالله صالح ، رئيسا للجمهورية اليمنية عند تأسيسها . شغل هذا المنصب حتى أجبرته الإنتفاضة اليمنية على الإستقالة في عام 2012 . و حل محله نائبه عبدربه منصور هادي بموجب اتفاق مع مجلس التعاون الخليجي . الحركات الانفصالية الجنوبية لا تعتبر هادي حليفا ، صحيح هو جنوبي نزح إلى صنعاء بعد احداث يناير عام 1986 . و كذا حركة أنصار الله  و أعضاء المؤتمر الشعبي العام  جناح الرئيس صالح و قطاعات واسعة من الجيش و شيوخ القبائل رأوا في شخص الرئيس هادي ، بأنه عاجز عن تقديم حلول للمشكلات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي لا تعد و لا تحصى في البلاد . و لم يتمكن الرئيس هادي من كسب ، ولو بعض من فصائل الحراك الجنوبي إلى صفه . الرئيس هادي غير مقبول في الشمال و كذا في الجنوب ، و اصبح جزء من المشكلة اليمنية .

عرفت المحافظات الجنوبية المعارضة السياسية النشطة منذ خمسينيات القرن الماضي و كانت موطناً للحركات النقابية و لها صلات بنظرائها في المملكة المتحدة ، و بدرجة أقل مع حزب العمال البريطاني . في الستينات و بعد قيام الجمهورية العربية اليمنية اشتدت الحركة المعادية للاستعمار في الجنوب . ظهر حينها تنظيمان في الجنوب رفعا راية الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني . هي جبهة تحرير اليمن الجنوبي المحتل ( FLOSY ) ، المدعومة من مصر . و الحركة الثانية جبهة التحرير الوطني ( الجبهة القومية ) ، التي نشأت في اطار حركة القوميين العرب ــ و هي على علاقة متوترة و معقدة مع الرئيس جمال عبد الناصر . في عام 1967 خرجت الجبهة القومية منتصرة بعد قتال ضار و عنيف مع جبهة تحرير اليمن الجنوبي ( FLOSY ) . هذا أقنع بريطانيا على التفاوض مع الجبهة القومية على الاستقلال . و اعلنت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية دولة مستقلة  ، هي الدولة العربية الوحيدة التي أنحازت علنا إلى الكتلة السوفيتية طوال العقدين المتبقيين من الحرب الباردة .

جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية

نفذ نظام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سياسات اجتماعية و اقتصادية و ثقافية ذات التوجه الاشتراكي ، مع دور قوي للقطاعين العام و التعاوني ، هذا شئ جيد لو طبق بالتدريج . هذا التوجه للحزب و الدولة خلق تناقض و فجوة كبيرة بين الايديولوجية الرسمية لقيادة الحزب و الدولة و بين منشئها ( كأفراد و قيادة ) الاجتماعي ــ الثقافي . هذا التناقض قاد الحزب الاشتراكي اليمني إلى الإقتتال الداخلي و المتكرر بين فصائله ، لا على أساس اختلافات ايديولوجية ( كل الفصائل متفقة على التوجه الاشتراكي ) لكن خصوماتهم و صراعاتهم كانت على أسس مناطقية قبلية أكثر تقليدية ، لكنهم للاسف لا يفصحون عن ذلك .

 نظام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية منذ التأسيس ( المؤتمر الرابع في زنجبار ) نفذ سياسات تتعارض مع الواقع الاجتماعي و الثقافي السائد منذ مئات السنين . و للاسف فرضها باستخدام القوة المفرطة و احيانا بأساليب غير اخلاقية ، باستثناء الفترة القصيرة الذي تولى فيها الرئيس على ناصر محمد قيادة الحزب و الدولة . ما قبله كانت سياسات الحزب و الدولة  معادية للعادات و التقاليد و التي كانت في اغلبها طيبة و بسيطة و عفوية . و كان من السهل معالجتها و لا تتطلب تلك القسوة التى مارستها السلطة ، في معالجة العلاقات القبلية و رفض الولاءات الإقليمية ، على سبيل المثال ، ترقيم المحافظات بدلا من تسميتها . و فرض ذلك النظام على المواطنين في استخدام الأسماء الأولى لآبائهم و أجدادهم بدلا من أسماء العائلات أو القبائل . ايضا حاول النظام ضمان تمثيل المواطنين من جميع الفئات الاجتماعية في المناصب العليا ، تشمل السادة ، و الجماعات القبلية ، و تلك ذات الوضع المنخفض . و مع ذلك ، فشلت هذه السياسة في منع ظهور صراعات داخلية مريرة أدت إلى الإقصاء غير الدستوري لكبار القادة مثلا في 1969 ( كان أغلب ضحايا هذه الفترة من قادة الجيش الإتحادي الوطنيين و الكوادر الوطنية ذات الخبرة العالية ) و كذا في 1978 و لكن ابرزها 1986 .

في هذا العام 1986 نستطيع ان نؤرخ نهاية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كدولة ، سقوطه كنظام سياسي و سقطت معه الايديولوجية . في يناير 1986 انتقل القتال بين الرفاق من المكتب السياسي للحزب إلى الشوارع و تطور إلى صراع قبلي ــ مناطقي . يتم الإعتقال أو القتل حسب البطاقة الشخصية و على محل الميلاد و حسب الولاء لمن ؟ على هذا النحو يعتبر صراع 1986 صراع قبلي مناطقي بامتياز ، و عودة إلى القبيلة أي إلى المنشأ . حيث لم يكن هناك أي تفسير آخر .

في هذه الفترة حكم اليمن الجنوبي الرئيس على ناصر محمد ، رئيس لديه الخبرة و الحنكة السياسية و تدرج في عدة مناصب و مسؤوليات و حقائب وزارية من ضمنها رئيس للوزراء حتى تقلد قيادة الحزب و الدولة . خلال حكمه عرفت اليمن الجنوبي استقرارا اقتصاديا و أمنيا و معيشيا نسبيا و الانفتاح على دول الجوار . عندما انسحب الرئيس علي ناصر محمد إلى صنعاء كان من ضمن مجموعته عبدربه منصور هادي . لكن بعد ذلك انشق عن  الرئيس علي ناصر محمد و تحالف مع الرئيس صالح ، الذي عينه وزيرا للدفاع خلال الحرب القصيرة بين الشمال و الجنوب في عام 1994 التي انتصر فيها الشمال . اشترك هادي مع الرئيس صالح في الاحداث المؤلمة 1994 و في اضطهاد الجنوبيين . الحرب الاهلية في عام 1994 تعتبر لحظة محورية في رواية الانفصال .

اما الاحداث التي حصلت في أغسطس 2019 في عدن و التطورات التي حدثت  بعدها حتى توقيع اتفاق الرياض في نوفمبر 2019 . هي مرتبطة بشكل وثيق بتلك الاحداث المأساوية التي حصلت 1986 . نرى ان الموقِّعين على اتفاقية الرياض هي نفس الفصيل الذين قاتلا بعضهما البعض في صراع 1986 . و اليوم  فإن  المجلس الإنتقالي  الجنوبي هو  ينتمي إلى  مجموعة ( الطغمة ) التي استمرت في حكم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية للسنوات الاربع قبل الوحدة ، و معظمهم من محافظتي لحج و الضالع . على الجانب الآخر ، هادي و العديد من وزرائه و قادته العسكريين لها جذور من فصيلة ( الزمرة ) افرادها بشكل رئيسي من محافظتي أبين و شبوة ــ الذين لجأوا إلى صنعاء بعد حرب عام 1986 .

كاتب و محلل سياسي يمني        

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى