مقالات

ما أخَسّ السفر في اليمن بقلم| فكري قاسم

بقلم| فكري قاسم
للسفر سبع فوائد يعرفها على أصولها غيرنا من الناس اللي يسافروا في طرق وسيعة مزودة بكلّ إرشادات السلامة، راكبين فوق وسائل نقل آمنة ومريحة في بلدانٍ السفر فيها وإليها سيرٌ ممتع ورحلة متعددة الفوائد.
في بلدان الله هاذيك يخرجُ المسافر من بيته ممشطًا شعره، وجزمته تلمع، وثيابه نظيفة، ويوصل إلى وجهته – أيًّا كان طول الرحلة – وهو هذاك هوه، شعره ممشط على ما هوه، وجزمته تلمع على ماهيه، وثيابه نظيفة ومزاجه رايق، وبوسعه أنْ يشل نفسه هاذيك الساع ويسير يتصور في أقرب استديو، وكأن شيئًا لم يكن.
ولو افترضنا أنّ هذي واحدة فقط من فوائد السفر السبع اللي يقولوا عليها الناس، فإنّ الست الباقيات لا بد أنْ تكون فوائد في منتهى الراحة والظفر وهدوء البال بالنسبة لأيّ مسافر في بلدان الله الأخرى، غير بلادنا اليمن طبعًا، على الرغم من طبيعتها الجميلة والمتنوعة والخلابة، لكن السفر فيها والتنقل بين محافظاتها خصوصًا من يوم قرحت الحرب لليوم يخليك مقتنع أنّ الفائدة الوحيدة المرجوة من سفرك أنك توصل إلى وجهتك المعلومة وأنت سَلَم بس، وما عد تدوّر أيّ فائدة ثانية.
وما الذي سيكون عليه حالك وأنت مسافر في طريق طويل كله حفر ومطبات، ويمكنك في ظرف سفرية واحدة أنْ تتعلم فنون الرقص على أصوله دون معلم، ويكفي أنْ تكون جالسًا في مقعدك فوق السيارة، وجسمك طول الرحلة ما كوده يهتز ويتمايل ويحتك بأجساد الرُّكاب اللي جنبك، وطول الطريق يتراقص بك شمال يمين، وما توصل وجهتك إلا وقدك الراقص مع الركاب، وهذه فائدة عظيمة لمحبي الرقص السفري.
أنا شخصيًّا سافرت من تعز إلى عدن قبل أيام وطلعت فوق السيارة وأنا (فكري قاسم)، ومشيت في طرقات مكرضحة كمّلَتني طول السفر رقص وهزهزة، وما عد وصلت إلى وجهتي المعلومة إلا وقدنا (فيفي عبده).
ومش كذا وبس..
تخرج من بيتك وأنت آدمي نظيف مشدود منتعش ومتفائل وتقطع مسافات طويلة في طرقٍ ترابية وما توصل وجهتك في نهاية الرحلة إلا وقدك أغبر أدبر كأنك خارج من مقبرة، وقد جسمك كله مفسقل، وقدك مصفر من كثرة فجائع الطريق.
ومش كذا وبس..
إحنا الشعب الوحيد اللي يسافر داخل بلاده في طرقات طويلة مش كفاية أنها خربانة ومحفرة ومليانة مطبات، لكن عادك فوق كل هذا تلقى في الطريق نقاط تفتيش متعددة الفصائل، وكلهم يسألوك أين سايري؟ ومن أين واجي؟ وهذا ينزلك من فوق السيارة ما يشتيك تدخل محافظته، وهاذاك يستجوبك ويجعثك تفتيش وتحقيق لمجرد أنك راكب شكلك مش عاجبه، أو لهجتك مش عاجبه، وتظل طول ما أنت مسافر تشعر وكأنك غريب في موطنك.
وهذه فائدة محفزة لمضاعفة مشاعر السخط والسأم تجاه كلّ تجار الحرب اللي خربوا بلادنا وخلوها مجرد قطاعات لقطّاع الطرق.
وكله كوم والسفر من قلب مدينة تعز إلى الحوبان كوم لوحده.. قبل الحرب اللعينة كان الطريق اليومي العادي والاعتيادي اللي تقطعه من قلب مدينة تعز إلى الحوبان في مشوار سهل سلس لا يتعدى ربع ساعة في الوضع الطبيعي، هذا وأنت في غبّ الزحام.
أما اليوم بفضل حمران العيون أصبح الأمر سفرًا مرهقًا ومنهكًا وطويلًا يأخذ منك ثمان ساعات تمشيها فوق السيارة، تقطع خلالها مسافات طويلة عبر طرق وعرة تتقنفز فيها من جبل إلى جبل، ومن سائلة إلى بطناج، ومن حفرة إلى أخرى، وهاذي بحدّ ذاتها فائدة تخليك تكره أم السفر من أصله، وما عد تشتي تخرج من بيتك.
أما فوائد المهندسين والبنشريين وأصحاب ورش المكنيك وأصحاب محلات بيع قطع الغيار ياسلااااام سلّم، وملعون أم حكومات الحرب اللي دقدقت البلاد والعباد والسيارات، وما عد صلحت لا شارع ولا طريق، ولا اخترجنا معها إلى طريق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى