التاريخ يُسجّل كل شيء.. ارتجال سياسي في الاتحاد الأوروبي!!
كتب / مارك مجدي
قام الاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه على مبدأ التضامن والتعاون بين الدول الأعضاء ورفاهية شعوبها من دون حدود داخلية والعمل على النمو الاقتصادي المشترك.
مع تفجّر أزمة الكورونا في أوروبا وقع تخبّط كبير في اتخاذ القرارات تحت ضغط مواجهة انتشار الوباء وتفادي الخسارت الإقتصادية بقدر المُمكن، ولكن من الواضح أن الاتحاد الأوروبي كان يُعاني من هشاشةٍ داخليةٍ كشفتها أزمة الكورونا. عندما تحوّلت إيطاليا إلى بؤرة للفيروس، قامت عدّة دول في الاتحاد بغلق حدودها مع إيطاليا خوفاً من انتشار الفيروس كإجراءٍ وقائي.
وبعدها تمّ غلق الحدود الداخلية بالكامل بين دول “الشنغن”، ما جعل الكثيرين ينظرون إلى الاتحاد كمنظومةٍ فاشلةٍ متخاذلة لا تعمل، وتحوّل الجميع للعمل على المستوى المحلي لمواجهة الأزمة.
ما يلفت النظر في هذه الأزمة هو الارتجال الكبير في الأحداث وفي اتخاذ القرارات والتصريحات، ولدينا عدّة أمثلة على مستوى الدول وعلى مستوى الاتحاد ككل.
منذ أيام استيقظت ألمانيا على خبر تصريحات رئيس وزراء ولاية هسين الألمانية بشأن انتحار وزير مالية الولاية. وأوضح رئيس الوزراء أنه بسبب أزمة كورونا وتأثيرها السلبي على المال والاقتصاد “كان الوزير يعمل نهاراً وليلاً لمواجهة الأزمة.. كان قلقاً جداً على قدرة نجاح هذه المواجهة وإرضاء تأمّلات وتطلّعات الشعب بالمساعدات المالية، لكن القلق والتخوّفات تسبّبت له في حال قهر قضت عليه لأنه لم يجد مخرجاً لهذه الأزمة.. كان محبطاً وتركنا”.
السؤال الصعب: ما هي التوقّعات المالية والاقتصادية التي دفعت هذا الوزير إلى الانتحار؟
حتى هذه اللحظة لم تنكسر المنظومة الصحية في ألمانيا في ظل نسبة وفيات متدنية بلغت نحو 0.5% وتُعتَبر الأقل في محيطها مُقارنة بإيطاليا التي وصلت نسبة الوفيات فيها إلى 10%. وهذا بسبب أن ألمانيا تمتلك أكبر عدد أسرّة للعناية المركزّة في أوروبا.
وبحسب موقع bloomberg المالي فإن المُستشارين الاقتصاديين في الحكومة الألمانية حذّروا من أن ألمانيا قد تواجه أسوأ فترة ركود في تاريخها أكثر من الذي واجهته عام 2009.
وإذا توجهنا إلى إيطاليا البلد الأكثر تضرّراً في أوروبا، نجد تصريحات حكومية مُتضاربة منذ بداية الأزمة. منتصف الشهر الماضي صرّح رئيس حزب الليغا اليميني ووزير الداخلية الأسبق والنائب البرلماني ماتيو سالفيني أنه “عندما تنتصر إيطاليا على وباء الكورونا سنغلق نحن الحدود”، مشيراً إلى دول الاتحاد التي أغلقت حدودها في وجه إيطاليا وبعد أن استغلّت شركات أوروبية الموقف لتأخذ محل الشركات الإيطالية.
الأسبوع الماضي قال النائب البرلماني الإيطالي لويجي زاندا (ينتمي إلى الحزب الديمقراطي اليساري) في حوار صحفي: “بما أنه لن يتم منح أية قروض لنا من دون ضمانات من أجل تغطية العجز في هذه الأزمة الراهنة ومن دون التسبّب في صعود الدَين العام، يمكننا وضع ممتلكات الدولة العقارية والمسارح والمتاحف والموانىء والمطارات المسجلة في ميزانية الدولة بقيمة ما يقرب من 60 مليار يورو”.
وفي فيديو على صفحتة على فايس بوك انتقد ماتيو سالفيني هذه الفكرة تماماً قائلاً: “لبعض الاقتراحات نقول لا، كاقتراح الزميل زاندا بأن نضع الممتلكات والمزارت السياحية الإيطالية كرهن للقروض من أوروبا. إذا كان هناك أحد يفكّر في أن يقودنا حتى تنتهي بنا الحال كما حدث مع اليونان من قبل نقول لا”.
في الأيام الأخيرة اعترف كثير من القادة الإيطاليين أن الاتحاد الأوروبي “لا يعمل”، منهم رئيس الجمهورية ماتاريلا ورئيس الوزراء جوزيبي كونتي ورئيس الوزراء الأسبق رومانو برودي (من الحزب الديمقراطي اليساري) وآخرون.
“نحن الذين تم وصفنا بالفاشيين نقول هذا منذ سنوات ولم يسمع لنا أحد”، يقول ماتيو سالفيني، مشيراً إلى أزمة اليونان التي بدأت منذ عام 2008 عندما اتخذت هذا المنحنى على مدار السنوات الأخيرة مع تدابير تقشّفية بتفويضٍ من الاتحاد الأوروبي لخفض الإنفاق العام وزيادة الضرائب.
في منتصف الشهر الماضي صرّحت كريستين لاجارد مديرة البنك الأوروبي، أن البنك الأوروبي يلحظ تفاقماً كبيراً في آفاق النمو على المدى القصير في منطقة اليورو. وانتقدت لاجارد حكومات منطقة اليورو بسبب عدم تحرّكها بشكل أسرع وأقوى لاحتواء التأثيرات العالمية لوباء كورونا، وبسبب تفجيرها الـ”spread” أو الفرق المالي الذي سيأتي بالسلب مالياً على كثير من الدول خاصة دول جنوب أوروبا.
على صعيد آخر انتقدت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين الدول التي توقّفت عن تصدير المعدّات الطبية إلى دول أخرى أو ابتعدت عن المبادرة الأوروبية التي تقضي بمواجهة انتشار الفيروس وركّزت كل مجهوداتها على تحقيق المصلحة الوطنية.
وصرّحت قائلة “اختارت بعض الدول الاهتمام بنفسها في وقت كانت فيه أوروبا بحاجة إلى أن يكون بعضها متضامناً مع بعض”. وأضافت “أن التاريخ يُسجّل كل شيء “.