تقارير وتحليلات

القضية الجنوبية و حرب الخمس سنوات ( 5 ــ 1 ) ..

بقلم د / حسن زيد بن عقيل

تشكل التحالف السعودي الإماراتي كقوة داعمة للقضايا السنية في جميع أنحاء العالم الإسلامي في مواجهة الحركات الشيعية ( إيران ) . فعندما شن  محمد بن  سلمان حملة عسكرية تحت إسم ” عاصفة الحزم ” في مارس 2015م ضد أنصار الله الشيعية في اليمن . لم يكن من المفاجئ أن تنضم الإمارات إلى الهجوم . قد أسفر هذا العدوان المسلح على اليمن في خلق ” أكبر أزمة إنسانية في العالم ” .  وفقاً  لبيانات الأمم المتحدة  قُتل و جُرح آلاف اليمنيين وأغلبهم من النساء و الأطفال و البقية يعاني من إنعدام الأمن الغذائي وجزء كبير منهم  معرضون لخطر المجاعة .

قد وثقت المنظمات الدولية ، منها هيومن رايتس ووتش وحشية العدوان السعودي الإماراتي على اليمن . ان الضربات الجوية للتحالف قد استهدفت تدمير المستشفيات و حافلات المدارس و الأسواق و المساجد و المزارع و الجسور و المصانع و مراكز الإحتجاز و قوارب الصيد . و حسب رأي المنظمات الدولية أن الهجمات على المدنيين و الأهداف المدنية كانت متعمدة و انتهاك لقوانين الحرب . أستخدم التحالف الذخائر التي باعتها الولايات المتحدة و المملكة المتحدة و غيرها . أطلق التحالف المدفعية و شن العديد من الغارات الجوية بشكل عشوائي على مدن مثل صعدة و صنعاء و الحديدة و تعز و الضالع و أبين و قتل و جرح المدنيين ، و دمر كل البنية التحتية .

لكن الخلافات ظهرت فيما بعد في التحالف السعودي الإماراتي لقوله تعالى { و كَذلك نُولّي بَعض الظّالمين بعضاً بما كانوا يكسِبون ــ الأنعام 129 } من نتائجه فشل الحملة العسكرية السعودية الإماراتية ” عاصفة الحزم ” بمشيئة الله من تحقيق أهدافها ، في مواجهة توسع أنصار الله و كذا في مواجهة سلوك إيران في اليمن و الخليج . هذا الفشل شكل صدعاً لإدارة ترامب و الحلف الخليجي ــ الصهيوني .

أصبحت ” عاصفة الحزم ” بعيدة  ان  تكون  حاسمة . فقد  تحولت إلى مستنقع  للتحالف . لذا الإمارات قد خلص إلى ان الحرب لا يمكن كسبها و مكلفة  للغاية عند  الإستمرار  فيها  ، و بدأت  في سحب قواتها من  اليمن . رغم ان تأثير الإمارات كان أكثر فاعلية من تأثير السعودية . يؤكد مايكل نايتس من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ، بأن الإمارات وحدها تملك القوة العسكرية الحقيقية بالإشتراك مع القوات المحلية المتحالفة معها في مواجهة انصار الله . لكن بعد انسحابها من اليمن أطلقت الإمارات العنان للقيادات الإنفصالية الجنوبية المدعومة و المسلحة من قبلها ، في مواجهة بقايا الحكومة المدعومة من السعودية ، و سيطروا على المنشآت الحكومية و على جزء كبير من العاصمة المؤقتة عدن ، بما في ذلك الميناء .

السعوديون بشكل رئيسي يدعمون حكومة هادي الفاشلة ، الا ان السعودية تتحمل جزء من هذا الفشل ، فهي لم تقدم الدعم الكافي لقوات هادي . هذا الموقف السعودي المتخاذل اتجاه هادي ساعد على فشله في عدة جبهات . اضف الى ذلك ساعد انصار الله اشياء كثيرة منها العملية الدبلوماسية المملة و المطولة اكثر من اللازم في تطبيق ” اتفاق ستوكهولم 2018 ” و إنسحاب القوات الإماراتية و كذا فترة تخفيف التصعيد و تخفيض عدد الضربات الجوية للتحالف من 358 ضربة شهرياً في النصف الاخير من عام 2018 إلى 75 ضربة شهرياً في النصف الاخير من عام 2019 . اضف إلى هذا فشل السعودية في استكمال محادثات السلام الخلفية مع أنصار الله . و بناء على هذا نؤكد ان السعودية لم تستطع السيطرة قطعا على أنصار الله عسكريا . خاصة الآن بعد ان انتقلت قوات أنصار الله من حالة الدفاع ( 2015 ــ 2018 ) إلى حالة الهجوم في عام 2019 ( من الهجمات الناجحة لأنصار الله في المحافظات : الجوف في مارس 2019 و في فبراير 2020 ، الضالع في مارس و في مايو 2019 ، صعدة في أغسطس 2019 ، مأرب في يوليو 2019 و في يناير 2020 ، البيضاء في يناير 2020 ) . هناك عمليات نوعية اخرى ضخمة تحدثت عنها الصحف المحلية و الدولية ، التي قد حجّمت السعودية . مستفيدة من ترسانتها المتزايدة الحجم من الأسلحة المطورة محلياً واستغلال ضعف و فشل السعودية و حكومة هادي ، و غياب القيادة الجنوبية . من الآن و صاعدا سوف تنتقل قوات أنصار الله من نصرٍ إلى نصر حتى يرفع التحالف السعودي الإماراتي الراية البيضاء و الاستسلام إن شاء الله . { فَسوْفَ يَأتي الله بِقوْمٍ يُحبُّهم و يحبُّونة أذلة على المؤمنين أعزّةٍ على الكافرين يُجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضلُ ..} .

القضية الجنوبية         

بعد تحرير نهم و الجوف و انشاء الله قريبا مأرب و الحديدة و تعز ، بعد ذلك نستطيع ان نقول ان انصار الله قاموا بتحرير ما كان يعرف سابقا بـ ” الجمهورية العربية اليمنية ” بالكامل . بعد ذلك سوف توضع ” القضية الجنوبية ” على الطاولة و سوف يتم حسم مصيره السياسي و الاقتصادي و العسكري ــ الأمني . ان الوضع في الشمال اليمني شبه محسوم ان شاء الله لصالح أنصار الله . لكن من منتصف 2019 أصبح المشهد السياسي أكثر تعقيدا في الجنوب فقط . خاصة بعد ان انشق التحالف المعادي لأنصار الله في 7 أغسطس 2019 ، يوم أندلع القتال في مدينة عدن بين ميليشيات المجلس الإنتقالي ، التي دعمتها و دربتها الإمارات و قوات حكومة هادي و التي تدعمها السعودية . و اتّسع نطاق القتال ليشمل المحافظات الجنوبية الأخرى . خلال هذه المعارك نفذت السعودية ضربات جوية ضد وكلاء الإمارات من المجلس الإنتقالي . بالعكس نفذت الإمارات ضربات جوية ضد وكلاء السعودية الشرعية / الإصلاح . هذا الصراع سلط الضوء على التناقضات بين الإستراتيجية الإماراتية و الاستراتيجية  السعودية حول اليمن و التي كانت مخفية لفترة طويلة . هذا التناقض في النهج السياسي لهذين الشريكين الأمنيين الرئيسيين للولايات المتحدة في اليمن ، يمكن أن يورط واشنطن في نزاعات اقليمية اخرى ويعقد موقف إدارة ترامب بشأن إيران . في حين ان قادة السعودية و الإمارات حاولوا التقليل من اهمية الخلافات . لكن هذا لم يردم الشرخ في بنية علاقتهما نحو اليمن .

الخلاف كان واضحاً منذ البداية بين الشريكين في حرب اليمن . النهج السعودي أعطى الأولوية لتأمين حدوده الجنوبية ضد انصار الله ، الذين يتلقون ، حسب اعتقادهم ، دعماً من منافستها الإقليمية إيران . و لذلك ركزت جهودها على محاربة انصار الله في الشمال و دعمت حكومة هادي باعتباره الكيان الحاكم الوحيد المعترف به دولياً . و بناء على هذا اتبعت السعودية نهجا يختلف عن الإمارات ، فهي تعتبر النفوذ و النشاط العسكري الإيراني في اليمن تهديدا خطيراً على كيانها . و على النقيض من ذلك سعت الإمارات إلى تعزيز دورها في الجنوب لضمان وصولها العسكري و الاقتصادي إلى القرن الإفريقي و مضيق باب المندب . وهو رابط حيوي في طريق التجارة العالمية . لكن موقف الإمارات من إيران حليف أنصار الله يختلف عن السعودية بسبب قربها الجغرافي و علاقتها التجارية الأكثر أهمية مع الجمهورية الإسلامية . لهذا كان النهج الإماراتي أكثر براغماتية تجاه إيران ، في حين تنضم الإمارات مع السعودية في إدانة النفوذ الإيراني و النشاط العسكري في المنطقة ، في نفس الوقت تحافظ الإمارات بالعلاقات الدبلوماسية مع إيران . لهذا تختلف الرُّؤى عندهم حول مستقبل اليمن . الإمارات منحازة إلى الإنفصاليين ، أولا لإكتساب و فرض النفوذ في جنوب شبه الجزيرة و القرن الإفريقي ، مناطق تشرف على الممرات الملاحية الاستراتيجية في البحر الأحمر و الحيط الهندي .ثانياً ترى في هادي دمية في يد حزب الإصلاح ، الذي يشكل تهديدا للإمارات بسبب ارتباطه بجماعة الأخوان المسلمين . اما السعودية فهي منحازة إلى الشرعية و احد مكوناتها الرئيسية هو حزب الإصلاح . عندما ترفض الإمارات التعاون مع حزب الإصلاح يعني انها تسعى لتدمير العلاقة القائمة حاليا بين السعودية و الشرعية . ذلك من خلال تدميرها لأحد مكونات الشرعية الرئيسية ــ حزب الإصلاح .

السعودية هي التي تقود تحالف دعم الشرعية و التي يمثلها الرئيس هادي . حزب الإصلاح هو المكون الرئيسي لهذه الشرعية التي تدعمها السعودية . المعروف ان حزب الإصلاح يخدم السعودية و حلفائها إسرائيل و أمريكا و يخدمهم كأداة فاعلة في حشد و تنظيم و توجيه الحركات الإرهابية ( مثل القاعدة و داعش ) . السعودية بالنسبة لحزب الإصلاح يعتبر حظناً دافئاً و ملاذا آمنا من القتل و الإختطاف و الملاحقات . السعودية آوت قياداتهم و الكثير من ناشطين و إعلاميين تابعين لحزب الإصلاح . ايضا لم تجد السعودية أكثر من الإصلاحيين حماسا للوقوف في وجه أنصار الله و الحركات السياسية في الجنوب بكل إتجاهاتها . لذا التحالف بين حزب الإصلاح و السعودية ، تحالف إستراتيجي .

كاتب و محلل سياسي يمني   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى