مقالات

طائرات “أر سي”.. عندما تتحوّل ألعاب الأطفال إلى أسلحة مميتة بقلم| محمد منصور

بقلم| محمد منصور

في خضمّ التطورات العسكرية والأمنية المتلاحقة حول العالم، خلال السنوات الماضية، نشأ بعضُ التهديدات الأمنية غير المتماثلة، وخصوصاً في ما يتعلق بالأجسام الطائرة من دون طيار. لكن بعض هذه التهديدات لم يكن موفور الحظ في ما يتعلق بالتغطية الإعلامية، على الرغم من أهميته، وجدية ما يمثله من مخاطر. ومن الأمثلة على هذه التهديدات، نماذج الطائرات المتحكَّم فيها، عبر موجات الراديو، والمعروفة باسم “أر سي”.

هذا النوع، من أنواع التهديدات الأمنية، لم يكن حاضراً ضمن تغطيات وسائل الإعلام، على المستوى الدولي خلال الأعوام الماضية، لكن بياناً صادراً عن وزارة الدفاع التركية، في أيار/مايو الماضي، ألقى الضوء على هذا الملف، الذي باتت، من خلاله، هذه الطائرات المخصَّصة لتسلية الهواة والأطفال، بمثابة سلاح قاتل، يقترب تأثيره من تأثير الطائرات العسكرية من دون طيار.

عندما لا يتم أخذ الكلام على محمل الجد!
أفاد بيان وزارة الدفاع التركية بأن وحداتها قامت بتدمير عدة طائرات من هذا النوع، خلال إحدى العمليات العسكرية في منطقة ميتينا، في كردستان العراق، بعد أن حاول عناصر حزب العمال الكردستاني استخدامها في شن هجمات على قيادة فرقة المشاة الثالثة والعشرين في مدينة شرناق، جنوبي شرقي تركيا، وعلى مركز التحكّم في الطائرات التركية من دون طيار، في مدينة بطمان، الواقعة أيضاً جنوبي شرقي البلاد.

هذه الحادثة أعادت إلى الذاكرة ما أفاد به أحد المعتقلين من حزب العمال الكردستاني في تركيا، في آب/أغسطس 2012، في أثناء محاكمته بتهمة الانضمام إلى الحزب، بحيث قال إن أعضاء الحزب تدرَّبوا على استخدام هذا النوع من الطائرات، بعد تلغيمها بموادَّ متفجرة، لشن هجمات على مواقع عسكرية تركية. لكن، لم يتم أخذ كلامه على محمل الجِد، حينها، بسبب الإمكانات المتواضعة لهذه الطائرات، سواء على مستوى الحمولة، التي يمكن أن تحلّق بها، أو مدى التحليق، والمسافة التي يمكن أن تحلق فيها بعيداً عن وحدة التحكّم.

استنساخ التجربة
تكرَّرت سابقاً محاولات الاستخدام الهجومي لهذا النوع من الطائرات. ففي عام 2002، عثرت أجهزة الأمن الكولومبية على عشرات الطائرات المتحكَّم فيها بالراديو، خلال مداهمة نفَّذتها في معسكر لجبهة “فارك” المسلحة المعارضة. هذه الفكرة حاول عدة أشخاص في الولايات المتحدة الأميركية استنساخها، منهم المدرّس الباكستاني الأصل، علي أسد شنديا، الذي كان يعمل في ولاية مريلاند الأميركية، وأدانته السلطات بتهمة محاولة تعديل طائرة من هذا النوع، بحيث يتم تحميلها بمتفجرات، وإطلاقها لإصابة هدف لمصلحة جماعة “بوكو حرام” الإرهابية، اعتماداً على نظام تحديد المواقع العالمي “جي بي أس”.

في العام التالي، حاول أحد الطلاب المصريين، الدارسين في جامعة فلوريدا الأميركية، تنفيذ الفكرة نفسها، وأجرى عليها بعض التجارب. ولم تعلم السلطات الأميركية بهذه التجارب، إلا بعد أن اعتقلته في آب/أغسطس 2007، قرب قاعدة عسكرية في أثناء قيادته سيارة، كان في داخلها مكونات يمكن استخدامها في تصنيع القنابل، بما في ذلك أنابيب بلاستيكية ومادة نترات البوتاسيوم. وعثرت السلطات الأميركية أيضاً بحوزته على حاسوب محمول، وجدت على قرصه الصُّلب مقطع فيديو، باللغة العربيةـ مدته 12 دقيقة، يشرح فيه الطالب كيفية تحويل الطائرات المتحكَّم فيها بالراديو، إلى قنابل طائرة. في العام التالي، أقر كريستوفر بول، وهو مواطن أميركي آخر، بأنه أجرى أبحاثاً منذ عام 2006، على مجموعة متنوعة من أنواع طائرات الهواة التي يتمّ التحكُّم فيها عن بعد، بهدف استخدامها في شن هجمات جوية.

تحذيرات أميركية مُشددة
هذه الحوادث دفعت السلطات الأميركية، منذ ذلك التوقيت، إلى تعميم تحذيرات مشدّدة في جميع المطارات، للتدقيق في هوية كل الركاب وأمتعتهم، وتفتيشهم بصورة مكثَّفة، في حال وجود لُعَب طائرة في حوزتهم تعمل بالتحكُّم عن بُعد. لكن السلطات ظلت تنظر إلى هذا التهديد نظرةً أقل اهتماماً، إلى أن حل شهر أيلول/سبتمبر 2011، بحيث اعتقلت المباحث الفيدرالية الأميركية، بعد نحو 18 شهراً من التحقيقات المستمرة، المواطنَ الأميركي، رضوان فردوس، بتهمة التخطيط لمهاجمة مبانٍ حكومية أميركية، هي مبنى الكونغرس، ومقر وزارة الدفاع، عبر ثلاث طائرات متحكَّم فيها عن بُعد، وتمّ تحميلها بالمتفجرات، بحيث تحلّق نحو أهدافها بالتزامن مع هجوم مسلّح كان يعتزم ستة مسلحين شنه على هذه المباني، بالتواطؤ مع تنظيم “القاعدة”.

أظهرت التحقيقات أن رضوان، الحاصل على درجة البكالوريوس في الفيزياء من جامعة نورث إيسترن الأميركية، قام بتصميم صواعق لتفجير المتفجرات المحمّلة في هذه الطائرات، وبتصنيعها أيضاً، عبر استخدام الهواتف المحمولة. وكان لافتاً ان الطائرات التي استخدمها رضوان، في خطته هذه، كانت زهيدة الثمن، ويتراوح سعرها بين 175 و400 دولار، وكانت نماذج مصغَّرة عن المقاتلتين الأميركيتين “أف – 4 فانتوم” و”أف – 86 سابير”.

العيوب والمحدودية
امتدّت هذه المحاولات بعد ذلك إلى خارج الولايات المتحدة. ففي آب/أغسطس 2012، ألقت السلطات الإسبانية القبض على ثلاثة أشخاص، أحدهم تركي، والاثنان الآخران من الشيشان، كانوا ينتمون إلى تنظيم “القاعدة”، وخطَّطوا لتنفيذ هجمات بهذا النوع من الطائرات على مركز تجاري في جبل طارق، خلال أولمبياد لندن عام 2012. وعثرت أجهزة الأمن الإسبانية، في حوزتهم، على مقطع فيديو يُظهر عضواً من الخلية نفسها في أثناء تدرّبه على كيفية قصف الأهداف بطائرة من هذا النوع، وعلى الإقلاع والهبوط من حقل مفتوح. في الشهر نفسه، عثرت أجهزة الأمن المصرية على طائرة مماثلة في أثناء مداهمة أحد مخابئ تنظيم “داعش” في شمالي سيناء، بلغ طولها نحو متر واحد، وزُوِّدت بآلية للتفجير عن بعد.

لم تنجح أيّ من المحاولات السابقة في شن هجمات بهذا النوع من الطائرات، لأسباب تتعلّق، بصورة رئيسية، بضآلة الحمولة التي يمكن أن تحملها، وبقِصَر المسافة القصوى التي يمكن أن تفصل الطائرة عن وحدة التحكم. فهذا النوع من الطائرات يصل وزنه إلى ثلاثة كيلوغرامات فقط، ولا تستطيع حمل مزيد من الحمولة الزائدة. وبالتالي، ستكون زنة الحمولة القتالية المزوَّدة بها محدودة للغاية، ولن تشكّل تأثيراً يُذكَر. تُضاف إلى ذلك محدوديةُ مدة تحليق هذه الطائرات، والتي لا تتجاوز خمس دقائق. ولا تستطيع أغلبيتها أن تبعد عن وحدة التحكُّم مسافةً تتعدى 700 متر. وبالتالي، سيكون مشغّل هذه الطائرة على مسافة خطيرة من الهدف المراد مهاجمته. كل هذه الأمور الناقصة تم تفاديها خلال السنوات الماضية، بعد ظهور الدرونز التجارية، والتي تكون مزوَّدة بكاميرات عالية الجودة، وتستطيع التحليق مدةً تصل إلى ساعة كاملة. وقام بعض التنظيمات المسلَّحة بتعديلها، بحيث باتت تحمل بعض الذخائر.

أدوات زهيدة تخلق تحديات
على الرغم مما سبق، فإن طائرات “أر سي” تبقى أداة مهمة في العمليات الميدانية، نظراً إلى رخص ثمنها، وتوافرها في الأسواق، على نحو أكبر من طائرات الدرونز التجارية، الباهظة الثمن. ويمكن استخدام هذه الطائرات في تشتيت انتباه وحدات المشاة المدافعة عن هدف ما، بحيث يكون تركيزها الأكبر منصبّاً على التصدي لها، الأمر الذي يوفّر الفرصة للقوة المهاجمة كي تنفذ تحركاتها، بأقل الخسائر. وحتى في حال تحميل هذه الطائرات بحمولة متفجرة ضئيلة الوزن، فإن احتمال إحداثها أضراراً سيبقى قائماً، وخصوصاً لو تم استخدامها ضد هدف مدني مزدحم، ناهيك بالأثر النفسي الذي تُحْدثه هجمات جوية مماثلة. يُضاف إلى ذلك ظهور بعض النماذج الحديثة من هذه الطائرات، والتي تستطيع حمل حمولات تصل إلى تسعة كيلوغرامات، وتكون مزوَّدة بمحرّكات قوية تسمح لها بالتحليق مسافاتٍ أبعدَ. وهي طائرات طوَّرها هواة نماذج الطيران، بحيث تكون مشابهة، إلى حد كبير، لأشكال طائرات حقيقية، لكن بحجم أصغر. وهو ما يفرض على الحكومات والجيوش تحديات كبيرة، نظراً إلى توافر مثل هذه الأنواع من الطائرات في الأسواق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى