مقالات

عَلَــمٌ و ساريــة….مـن السيـادةِ عـاريـة! بقلم| أوسان سلطان ناجي

بقلم| أوسان سلطان ناجي

أقصد بهذا (العلم الكبير ذو السارية الطويلة)، علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الذي رفعه المجلس الإنتقالي في مدينة عدن في الرابع من مايو 2021م داخل محيط القصر الرئاسي بالتواهي (القصر المدوّرـ أو قصر المندوب السامي البريطاني سابقاً).
بداية، كتعريف وكمفهوم قانوني، فإن العلم الوطني هو (رمز لدولة ذات سيادة). ومالم يكن كذلك، فلايعتبر علم دولة، وإنما (عَلَمٌ خاص) يعبر عن رافعيه وطموحاتهم فقط.

بالنسبة لي، رفع العلم ورؤية صوره وهو يرفرف عالياً لم يستفزني مُطلقاً، لأني في الأصل كنت من مواطني دولة هذا العلم، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. ولدت ونشأت وتفتحت مداركي وعيوني على رؤيته مرسوماً ومعلقاً ومرفرفاً في كل مكان، منذ سنوات دراستي الأولى التمهيدي/الروضة وحتى تخرجي من الجامعة ( 1972م – 1990م)، أي أنني، حُكماُ وواقعاً، أنتمي إلى ذلك الجيل المُسمى مجازاً بـ(جيل الثورة)، طبعا مع الإحتفاظ بشخصيتي وثقافتي المغايرة!
ولكن بالنسبة للكثيرين من مواطني اليمن الديمقراطي، أو الجنوبي سابقاً، ربما آلاف أو مئات آلاف، فهو بالتأكيد عَلًم مُستَفزٌ للغاية، وخصوصاً بنجمته الحمراء الثورية الدموية المرتبطة بالفكر الآيدلوجي الماركسي اللينيني (الشيوعي). فرؤيته أو مجرد التلويح بعودته، تجعلهم يسترجعون ذكرياتهم المؤلمة ومعاناتهم المستمرة منذ رفع هذا العلم يوم الإستقلال في الثلاثين من نوفمبر 1967م وحتى يومنا هذا! وسأتجنب الخوض في الجانب (المظلم) من تاريخ هذا العلم كي لا أطيل وحتى لا أستفز بدوري آخرين!

كشاهدة عيان وكقارئة للتاريخ والأحداث المعاصره، فأنني على عِلم وإدراك بأن عدن المدينة و الدولة قد (أستُبيحت تشريعياً وجغرافياً) منذ الإستقلال ولاتزال حتى اللحظة. حيث تم تحويلها من مدينة مزدهرة مستقرة آمنة حالمة إلى (بلقعِ جرداء)، إلى (أرض مشاع) لأصحاب النظريات والأوهام والأحلام وحملة الشعارات والأعلام ! وليس بجديد رفع (الأعلام والشعارات) فيها والمزايدة عليها!
فقد رُفِعت فيها، ومن زمان، أعلام الدول الأجنبية قبل العربية، و رُفِعت شعارات رنانة تعكس أيدلوجيات مختلفة ومتناقضة، ورفِعت صور رؤوساء وزعماء وقادة ومناضلين وشهداء محليين بل وأممين أيضاً.

البداية كانت برفع أعلام الدول الإشتراكية والشيوعية (الصديقة)، و النهاية برفع أعلام دول التحالف (الشقيقة)، و الدول الراعية و غير الراعية، و الأحزاب والتنظيمات السياسية والعقائدية التقدمية والليبرالية والمتطرفة، وصولاً إلى رفع (علم وسارية) المجلس الإنتقاليّ الجنوبي المذكور أعلاه، مع التنويه إلى كونه، على الأقل، علم لدولتنا الوطنية السابقة وليس أجنبياً!
والمفارقة المُثيرة للضحك والحزن في آن واحد، أن عدن تُعد العاصمة الرسمية المؤقته الوحيدة في العالم المسموح أن تٌرفع وترفرف فيها كل أعلام الدول بإستثناء علمها الوطني، علم الجمهورية اليمنية، علم الحكومة الشرعية (المُعترف بها دولياً)!

بعد إعلان المجلس الإنتقالي للنفير العام بعدن في يوليو 2019م ، رُفع علم اليمن الديمقراطي، علم المجلس الإنتقالي، بقوة السلاح وبصورة نهائية في كل مرافق الدولة بعدن. حيث أعلن سيطرته عسكرياً على مدينة عدن، ويشمل ذلك السيطرة على القصر الرئاسي بالتواهي. لذا، فإن قيامه برفع العلم في ساحة القصر الرئاسي، المُهمل والمُخرّب أصلاً، يجب أن لاتستفز أحد، ويجب أن تقرأ كرسالة معنوية موجهة من المجلس لأتباعه وأنصاره فقط دون سواهم، وكتعبير عن طموح مستقبلي لإقامة دولتهم المنشودة ليس إلّا. فرفع العلم بحذ ذاته لايقيم دولة، والصحيح أن الدولة هي من تقيم و ترفع العلم!
وبما أن الدولة اليمنية (السلطة الشرعية) واقعة تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فهي غير قادرة فعلياً على إتخاذ (قرارات سيادية مصيرية) تجاه المجلس الإنتقالي دون موافقة الأوصياء (الخمسة الكبار لمجلس الأمن الدولي) أو مفوضيهم (التحالف السعودي/ الإماراتي).

إن رفع العلم أو تنكيسه، أي عَلَم كان، في ظل هذه الظروف والمعطيات، ليس بالأمر الجلل الذي يجب التوقف عنده وتضخيمه وإفتعال المعارك لأجله، ولايشكل (فارقاً وطنياً أو قانونياً كبيراً). فكلا العَلَمين الوطنيين، علم الشرعية و علم الإنتقالي، فقدا قوتهما ورمزيتهما الوطنية بسبب فقدان دولة العلم وسيادتها.
فعلم الشرعية، هو رمز لدولة (قائمة معدومة السيادة) بفعل الفصل السابع المذكور، وعلم الإنتقالي هو رمز لدولة (لم تعد قائمة أصلاً و موجودة فقط في كتب التاريخ)!

أتمنى على حملة (الأعلام و الأقلام) تخفيف النار المُستعرة بينهم، وأن يتحلّوا بالحكمة والصبر، ويتعلّموا فن التعايش السّلمي وتقبّل الآخر (ولو مع رايته المرفوعه) إلى أن يصل قادة العالم والإقليم والداخل إلى إتفاقات ومخرجات ترضي وتضمن مصالح الجميع، وحينها سينتهي كل هذا اللغط وهذه المعارك الضارية بخصوص العلم والسارية…والله أعلم!.
أوسان سلطان ناجي، صنعاء، 22مايو 2021م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى