الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

في اليمن.. فيروس لا يقل خطورة عن كورونا!

حيروت

دفَعَ فيروسُ كورونا اليمنيين للدخول إلى عالم المعقِّمات بشكلٍ إجباريٍّ مفاجئٍ، وبكثافةٍ شديدةٍ، مع انتشارها بأصنافٍ وأشكالٍ وأنواعٍ متعددةٍ في الأسواق المحلية بصورةٍ مريبةٍ؛ إذ عادت لتحتلَّ مكانةً بارزةً في رفوف الصيدليات ومحلات “السوبر ماركت” في معظم المدن اليمنية، التي تشهد تفشي فيروساتٍ متكاثرةٍ عن فيروس كورونا في الغش التجاري والأدوية ومختلف الخدمات العامة؛ مع شكوكٍ واسعةٍ تتعلق بجودتها ومدى صلاحية استخدامها، وقيامِ تجارٍ بإعادة توزيعها في الأسواق، بعد أن تم ركْنُها منذ فترةٍ طويلةٍ في مخازنهم.

ومن خلال عمليةِ مسحٍ للسوق اليمنية، رصدتْ توسُّعَ ظاهرة الغش التجاري في السلع الغذائية والاستهلاكية والخدمات، وبروزَ سوقٍ سوداءَ للأدوية، نتيجةَ ما تنفذه السلطات المختصة، في معظم المدن والمناطق اليمنية، من إجراءاتٍ احترازيةٍ استباقيةٍ لمكافحة فيروس كورونا، الذي أثار انتشارُه حالةَ طوارئَ عمّت أغلبَ دول العالم.

في هذا الصدد، تُبرِز دراسةٌ رسميةٌ للاتحاد العام للغرف التجارية في صنعاء، بحسب “خيوط”، تنامياً مخيفاً لظاهرة الغش التجاري في اليمن؛ إذ تستحوذ السلعُ المغشوشةُ والمقلَّدةُ والمهرَّبةُ -وفق الدراسة- على ما نسبته 60% من حجم السوق اليمنية، مع توقعٍ بطغيان هذه السلع على الأسواق، بسبب ما ألحقه فيروس كورونا من تداعياتٍ على مختلف المستويات التجارية والاقتصادية والخدمية والمعيشية والاجتماعية.

ويكشف مسؤولٌ في الاتحاد العام للغرف التجارية اليمنية عن ممارساتٍ بالغةِ الخطورة على ارتباطٍ وثيقٍ بظاهرة الغش التجاري والتقليد. وحسب المسؤول، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، فإن القطاع الخاص التجاري المنظَّم متضررٌ من توسع هذه الظاهرة، لأن التقليد والتزوير يُلحقان خسائرَ بالغةً بمنتجاتٍ تم استيرادُها أو إنتاجُها بصورةٍ رسميةٍ وفق القوانين المنظِّمة للعمل التجاري.

أوبئة متجذِّرة

المتتبع للأسواق اليمنية يجد كيف أظهر الفيروسُ بشاعةَ بعض الآفات الممارَسة؛ إذ يستخلص الباحث الاقتصادي أحمد السلامي أربع آفات تمثل أوبئةً متجذرةً ومُزْمنةً في الأسواق اليمنية، تتمثل في الاحتكار وارتفاع الأسعار والغش التجاري والتهريب والتقليد.

ويرى السلامي أن اليمن تشهد ارتفاعاً متسارعاً في أسعار الأدوية، في معظم مناطق البلاد الموبوءة بحربٍ وصراعٍ وجوعٍ منذ ما يزيد على خمس سنوات، وذلك نتيجةً للاحتكار؛ حيث وصلت إلى مستوياتٍ غيرِ مسبوقةٍ، بنسبةٍ تزيد على 400%، وتتجاوز قدراتِ وإمكانياتِ المواطن اليمني، وهذا يعود بشكلٍ رئيسيٍّ إلى الاحتكار الذي يسود الأسواق في هذا الجانب من الممارسات التجارية، بحسب السلامي.

وأدت الحرب التي دخلت عامها السادس في اليمن إلى سيطرة “التحالف” السعودي الإماراتي، على جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية، وفرْضِ إجراءات تفتيشٍ صارمةٍ على دخول البضائع والسلع والأدوية والمواد الخام الصناعية إلى البلاد؛ بينما تم تقويض دور حكومة هادي في الداخل. وهو ما خلق اقتصاداً وأسواقاً تجاريةً موازيةً ونموَّ فئاتٍ تجاريةٍ جديدةٍ أفرزتها الحربُ، وانخفاضَ الإنتاج الصناعي الوطني، وفتْحَ بابٍ واسعٍ للتهريب والتقليد والغش التجاري؛ حيث يُقدَّر تضررُ أكثر من 600 سلعةٍ وعلامةٍ تجاريةٍ من تنامي ظاهرة الاعتداءات على حقوق الملكية الفكرية للسلع والمنتجات، سواء المستوردة أو المصنعة محلياً.

ويَعتبر رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك، فضل منصور، ظاهرةَ الغش التجاري مزمنةً في اليمن على كل المستويات، في السلع والخدمات والدواء. ولم تتوقف عند هذا الحد؛ بل تعدّته إلى الخدمات المالية، سواء في مجالات الضمانات أو التأمينات أو معاملات البنوك، وكذلك في العقود. وبعبارة أخرى -والحديث للمسؤول الأول في جمعية حماية المستهلك- هي مجالاتٌ متعددةٌ لا يمكن حصرُها، لأن العولمةَ والانفتاحَ الاقتصادي -بإيجابياته وسلبياته- أفرزا وأدّيا إلى كثيرٍ من التغيرات، ومنها ظاهرة الغش.

عملت الجمعية منذ سنواتٍ، حسب حديث منصور، في تسليط الضوء على هذه القضية الهامة، وعقدت الورش والندوات وشاركت كافة الجهات المعنية بمحاربة الظاهرة والحد منها. على سبيل المثال، نظمت الجمعية ندوتين خلال العام 2019، وصدرت توصياتٌ وجهت حكومة هادي بتنفيذها من قبل كافة الأجهزة المختصة، بما فيها الغرف التجارية والصناعية. كما تم نشر “فلاشات” توعوية إذاعية خلال العام الماضي، حول خطورة الظاهرة عبر كافة وسائل الإعلام.

كذلك نظمت الجمعية، هذا العام، برنامجاً تدريبياً استهدف الموظفين المعنيين في الأجهزة الحكومية، وكذا السلطة القضائية، ممثلة بالمحكمة التجارية والاستئناف ومكتب النائب العام ونقابات الاستئناف والصناعة والتجارة والمخالفات، إضافة إلى مأموري الضبط القضائي والرقابة والتفتيش في كلٍّ من مكتب الصناعة والتجارة، ومكاتب الأشغال على مستوى مديريات الأمانة.

وتضع جمعيةُ حماية المستهلك مجموعةَ أسبابٍ لتفشي هذه الظاهرة؛ على رأسها غياب الفجوة التشريعية والقوانين المنظمة، وتدنّي الوعي لدى المستهلكين، نتيجة انخفاض مستوى المعيشة وتوقف صرف المرتبات. وأدى ارتفاع الأسعار في كثيرٍ من السلع، مثل الأغذية والأدوية، إلى زيادة الغش والتدليس، وإقبال المستهلك على السلع المقلَّدة، نظراً لتدني أسعارها، ولتغطية أو سدِّ احتياجاته ولو على حساب صحته واقتصاده.

انتشار المعقِّمات

وفي ظل جائحة الوباء المتفشي عالمياً (كورونا)، اختفت المعقِّمات والمطهِّرات من الصيدليات ومخازن الأدوية و”السوبر ماركتات”، وارتفعت أسعار المُتداول منها خمسةَ أضعافِ ما كانت عليه، حسب رصد جمعية حماية المستهلك. وفي نفس الوقت، انتشرت المعقمات والمطهرات المغشوشة والمقلدة، والتي لا تعمل على تطهير أو تعقيم الأيادي والأماكن.

ويدعو منصور، في هذا الشأن، إلى إنزال أشد العقوبات تجاه هؤلاء الذين سيكونون سبباً، لو قدّر الله ووصل الوباء إلى اليمن؛ حيث سيثق المواطنون بأن المواد التي يستخدمونها في التعقيم والتطهير مواد أصلية، وستكون الكارثة نتيجة كونها مغشوشةً ولا تؤدي الغرض، وهو قتل الميكروبات، موضحاً أن الجمعية أبلغت اللجنة العليا لمكافحة الأوبئة بضرورة تشديد الرقابة على هذه المنتجات، ودعم المعامل والمصانع لإنتاج المعقمات والمطهرات والكمامات وفقاً للمواصفات المعتمَدة، وتشديد الرقابة عليها بهدف كسر الاحتكار والغش والتقليد.

ومع توسع هذه الظاهرة، وما تشهده الأسواقُ من إحلالٍ وتبديلٍ لفئات التجار والسلع، أدى الأمر إلى انتقالها إلى دوائر التقاضي في المحاكم والنيابات؛ إذ تعُجّ هذه المرافق القضائية بعشرات القضايا والشكاوى، من عمليات التزوير والتقليد والاعتداءات المتواصلة على حقوق الملكية في ماركات السلع والبضائع.

مدير مركز القانون التجاري، محمد المحبشي، يتحدث عن توسع ظاهرة الغش التجاري والتقليد والتزوير، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة، وتركيز الجهود الرسمية في مواجهة جائحة كورونا، وتسببه بأضرارٍ بالغةٍ على المستوى المعيشي للمواطنين والاقتصاد الوطني، موضحاً أن هناك استغلالاً بشعاً للحرب والصراع الدائر والانقسام في اليمن وأخيراً “كورونا”، وغياب جهات وسلطات الضبط الرسمية في تفشّي مثل هذه الظواهر.

السلطات المعنية في صنعاء قامت مؤخراً بضبط معاملَ خاصةٍ بتزوير العلامات التجارية في أكثر من منطقة في أمانة العاصمة. ويرى المحبشي تفشياً مقلقاً لظاهرة الاستغلال؛ “لذا تجد علاماتٍ تجاريةً لسلعٍ وتجارٍ في صنعاء يتم تزويرُها في عدن والعكس أيضاً، وهكذا تنتشر العملية بحجة أن النشاط التجاري في صنعاء يتبع سلطةً معينةً، وفي عدن يتبع سلطةً أخرى، وهذا خطأٌ جسيمٌ، ومن الآثار السلبية التي خلقتها الحربُ وأيضاً الانقسام الراهن في مواجهة كورونا، ومنع تفشي هذا الفيروس في اليمن.

الصناعات الدوائية

في مجال الأدوية، يكون الأمرُ أكثرَ خطورةً؛ إذ تعاني الأسواق اليمنية من إغراقٍ كبيرٍ بالأدوية الفاسدة والمهرَّبة والمزوَّرة، وهناك استغلالٌ كبيرٌ لحاجة الناس.

ويرى مسؤولون وخبراء أن على الجهات المختصة الأمنية والتجارية والرقابية، في عموم المناطق اليمنية، أن تكون عيوناً ساهرةً للحدِّ من هذه التصرفات والظواهر السلبية المؤثرة؛ لكن هذا الوضعَ يمثل فرصةً مناسبةً لنمو الصناعات الدوائية اليمنية، وقيامها بدورٍ فاعلٍ في تغطية احتياجات الأسواق اليمنية لبعض الأصناف الدوائية الضرورية؛ إذ تغطي في حدود 35% من تلك الاحتياجات، وفق تقديرات رسمية للاتحاد اليمني لمنتجي الأدوية.

ويرجع مدير الاتحاد اليمني لمنتجي الأدوية، عبد الحكيم شوكت، تنامي دور الصناعات الدوائية اليمنية إلى الحصار، بحيث أصبحت أمام محكٍّ رئيسيٍّ لإثبات وجودها في ظروفٍ عصيبةٍ تمر بها اليمن.

ويقول شوكت: “لقد لمسنا تطورها ونمو دورها في تغذية احتياجات الأسواق من أصنافٍ دوائيةٍ عديدةٍ بأسعارٍ مناسبةٍ ورخيصةٍ، وعادلةٍ بالنسبة للمنتج والمستهلك”.

وحسب تقرير صادرٍ عن الهيئة العليا للأدوية، فقد أدى إغلاق مطار صنعاء إلى اختفاءِ عددٍ كبيرٍ من الأدوية المهمة المنقذة للحياة، يصل إلى حوالي 362 اسماً تجارياً، من مخازن المؤسسات الصحية العامة والسوق التجارية، والتي تحتاج إلى ظروفٍ خاصةٍ جداً للنقل، كالتبريد وسرعة التوصيل، والتي لا تتسنى إلا عبر مطار صنعاء، ومنها أدوية مشتقات الدم والأدوية الهرمونية والمناعية والأمصال ومخثرات الدم ومانع مخثرات الدم وأدوية الإنعاش والتخدير، وبعض المحاليل المخبرية والتشخيصية.

كما تسببت الحرب والحصار، وفق ما ذكر التقرير، في دخول بعض المواد الطبية اللازمة للصناعات الدوائية من مختلف المنافذ والموانئ اليمنية، وعرقلة وصول الشحنات المحملة بالأدوية والمستلزمات الطبية التي تم منحها الموافقة على الاستيراد، إلى جانب فرض إجراءاتٍ تعسفيةٍ لدخول السفن والبواخر المحملة بالأدوية؛ ما تسبب في إتلاف محتوياتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى