الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

الدراما اليمنية.. “يهمنا المكسب ما يهمنا الصيت”!

حيروت

بعد نحو أربعة عقود من عمر الدراما اليمنية يُصبِحُ من الطبيعي أنْ نسأل: لماذا لم تستطع هذه الدراما أنْ تُقدِّمَ أعمالاً منافِسة عربيًّا؟

ناقشنا هذا مع كتّاب ومخرجين، والذين تحدثوا عن الأسباب، مفنِّدين واقع الإشكال الذي تُعاني منه الدراما في اليمن، التي ما زالت دراما موسمية رمضانية.. ومن واقع أعمال رمضان هذا العام التي وصلت إلى 12 عملاً، ما زالت هذه الدراما على ما حققته من تطور كمّيٍّ محدودٍ تراوح مكانها في الرداءة والتهريج – إنْ جاز التوصيف، مع عدم الإغفال لعدد محدود من الأعمال التي تستحقُ التنويه.

غياب التوجه

لم تحظَ الدراما اليمنية، على مدى تاريخها الذي يتجاوز 40 عامًا، باهتمام صانع القرار؛ نظرًا لغياب التوجّه السياسي، وتكريس النظرة القاصرة لأهمية دورها، ويَعِدّ المخرج التلفزيوني الدكتور سمير العفيف (دكتوراه في السينما)، في حديثٍ لـ “اليمني الأميركي”، ذلك من أبرز معوقات الارتقاء بالعمل الدرامي.

وكنتيجةٍ لغياب اهتمام الجهات الرسمية بهذا المجال، ظلت الدراما تراوح في نشاطها الموسمي دون الوصول للاستمرارية التي تتولدُ معها المنافسة والإبداع في الإنتاج – بحسب العفيف.

انعكست تلك النظرة القاصرة وعدم الاهتمام على البنية التحتية للعمل الدرامي، فلا توجد معاهد التأهيل والتدريب التي تعملُ على صقل مهارات الطاقم الفني للعمل الدرامي.

ويشيرُ العفيف إلى القصور الحاصل في البنية التحتية، مضيفًا: «يعاني العمل الدرامي من عدم وجود البنية التحتية، وأهم ما فيها الإنسان، فلا توجدُ معاهد متخصصة تُنمي موهبته، وتسهمُ في تعزيز مهارات كادره الفني».

كما يشيرُ إلى الصراع الدائر بين الكادر الفني للأعمال الدرامية في ما يُطلق عليه (الشللية)، التي تتحكمُ بها الانتماءات السياسية.. «لنجاح العمل الدرامي لا بدّ من الاحترافية في العمل، وحُسْن اختيار الطاقم وفقًا للكفاءة والمِهَنية، وليس الشللية والانتماءات السياسية».

ويؤكدُ سمير العفيف أهمية خروج الدراما اليمنية من الاجتهادات الشخصية وتحولها إلى صناعة؛ لتتمكنَ من المنافسة.

ويشيرُ – أيضًا – إلى الخسارة التي مُنِيَ بها عندما قام بإنتاج مسلسل “مش كلّ مرّة”، بطولة الفنان اليمني آدم سيف، والذي عُرِضَ في 2013، وتجاوزت ميزانيته 45 مليون ريال؛ نظرًا لعدم صرفها من المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون حتى اليوم.

ويؤكدُ الدكتور العفيف ثراء المشهد الثقافي بالأعمال السردية القيِّمة، مشيرًا إلى تجربته في مسلسل “الحنين” الذي استلهمه من عدة روايات وقصص، مثل رواية “صنعاء مدينة مفتوحة” لمحمد عبدالولي.

الوعي الثقافي

فيما يشير المخرج أمين هزبر، إلى ما أسماه قصور الوعي الثقافي لدى السياسي خلال العقود الماضية بأهمية دور الدراما والثقافة بشكلٍ عام، وهو ما تؤكدهُ الموازنة الهزيلة جدًّا التي يُخصصها لوزارة الثقافة، بحسب اليمني الأمريكي.

«تُعدّ وزارة الثقافة من الوزارات السيادية لدى الدول المتقدمة لأهمية دورها في بناء الوعي المجتمعي؛ باعتبار الثقافة روح الأمة».

ويرى هزبر أنَّ عدم اهتمام الدولة بهذا الجانب أفضى إلى عدم وجود معاهد متوسطة؛ ما أدى إلى افتقاد العمل الدرامي للتأهيل، وكذلك التخصص.

وعزا المخرج هزبر سطحية وابتذال الأعمال الدرامية المعروضة إلى الارتجالية في العمل، حيث يقومُ مجموعة من (الأصحاب) بإنتاج عملٍ درامي دون مراعاة للمِهَنية وحسْن اختيار طاقم العمل في ظلّ ضيق وقت الإنتاج؛ نظرًا للبدء في العمل قبيْل موسم شهر رمضان بشهر أو شهرين؛ ما يُفضي إلى إنتاجٍ هزيل وسطحي.

«لا يوجدُ احترافٌ في أعمالنا الدرامية نظرًا لعدم توفر الإمكانيات، وكذا البدائل، سواء من الممثلين أو الكادر الفني».

الحرب وتعدُّد الفضائيات

لم يسهم تعدد الفضائيات اليمنية في الارتقاء بالعمل الدرامي، وتعزيز المنافسة لإنتاج الأفضل؛ نتيجة انصرافها لخدمة أجندات مموليها في إطار الصراع الدائر بين الأطراف السياسية من ناحية، والحصول على عائد إعلاني من ناحية أخرى.

ويرى الممثل والمخرج محمد الرخم أنَّ السلطة السياسية لم تهتم بالدراما، إلا لخدمة مصالحها والترويج لأفكارها، وذلك عبْر الفضائيات التابعة لكلِّ طرف.

وأرجع الرخم معاناة الدراما اليمنية إلى الارتجالية في الاختيار وعدم المِهنية.

«ما تعانيه أعمالنا الدرامية من تدهورٍ ناتجٌ عن تحول ممثلين مبتدئين إلى مخرجين وإداريين، أو عمال الخدمات إلى مؤلفين ومصورين وفنيين، بعيدًا عن المِهَنية والاحتراف».

ويضيف: «الدراما صناعة، إبداع وتقنية، ابتداءً من كتابة النّص إلى اختيار طاقم التمثيل وقبلها اختيار المخرج المتمكن القادر على تحويل النَّص المكتوب على الورق إلى إبداعٍ فني».. «الدراما انعكاسٌ لِما تُنتجهُ السلطة».

التسطيحُ توجُّه

ويُشير الرخم إلى وجود كُتّابٍ متمكنين، ولكن ظروفهم، وما اعتبره حالة الإحباط التي يعيشونها تدفعهم لتلبية رغبات المنتِجين والفضائيات.

«هناك توجّه لتسطيح العقول.. هذا التهريج مطلوب؛ لأنّ القائم على العمل الفني يخافُ من تأثير الدراما، أو من تسببها بإثارة المواطن والوضع العام».

لافتًا إلى ما وصفه بسيطرة المنتِج أو الراعي على العمل الفني في ظلِّ عدم اهتمامه بالإبداع وجودة العمل بقدْرِ ما يهتم بعرْضِ إعلانات من خلال تلك الأعمال.

ارتجالية ومحسوبية

يزخرُ المشهد الثقافي اليمني بالعديد من الإبداعات السردية المتمثلة بالقصص والروايات المعبّرة عن وعيٍ وفكرٍ حضاريين، إلا أنه يعاني من شِحّة كُتَّابِ السيناريو المتخصصين، وفق رأي البعض.

الروائي والقاص محمد الغربي عمران يُشيرُ، إلى نضوج الرواية اليمنية في ظلّ شحة كُتّاب السيناريو والمخرجين المتخصصين.

«الرواية في اليمن ناضجة؛ لأنها نتاجٌ فردي، وهناك عشرات الأعمال البديعة ما تصلحُ لِأنْ تتحوّلَ إلى أفلامٍ ومسلسلات درامية وكوميدية».

لكنه تحدث عمّا اعتبره الانعكاسات السلبية للبيئة التي أفرزتها الحرب الدائرة على الفن والإبداع.. «البيئة التي نعيشها، ومستوى الوعي المجتمعي لا يقارن مع الدول الأخرى».

ويضيف: «نحن نعيشُ في مجتمعٍ لا تكفي فيه الموهبة؛ فالفن جزءٌ من درجة تطور المجتمع، وما نعيشه من رعب الحرب وهَمّ البحث عن لقمة العيش يجعلنا في قعر التطور».

ويؤكد عمران أنّ الدراما صناعة وعملية متكاملة بحاجة إلى توافر عدة معايير من بيئة وإمكانيات فنية ومالية، وغير ذلك… «لكن واقعنا وإمكانياتنا الفنية والمالية دون ذلك، لذلك ما يعرض تهريج في زمن تعدُّد الفضائيات».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى