الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

المُعاناة تتفاقم.. و”التحالف” يوظف الحرب الاقتصادية والمعاناة الإنسانية لتحقيق أهدافه العسكرية والسياسية

حيروت

في كل يوم تتعمق مأساة اليمنيين أكثر، مع تزايد وتيرة المعارك بين قوات حكومة هادي وجماعة الحوثي، كما هو الحال في محافظة مأرب التي تشهد معارك محتدمة منذ الـ7 من فبراير الماضي.

تدخل الحرب اليمنية عامها الـ7 دون أن بوادر لانفراجة ممكنة، وسط التجاذبات الإقليمية بين إيران والسعودية، ولاعبين دوليين آخرين يرون اليمن ساحة مثالية لتصفية حسابات لها مآربها الجيوستراتيجية في المنطقة، وفق ما يراه خبراء عسكريون ومحللون سياسيون.

ويؤكد ذلك المحلل السياسي مصطفى الجبزي، بقوله: “خلال 6 سنوات مضت لم نصل إلى نتيجة محسومة. خيارات الحرب مفتوحة أكثر، وقد تقود الكلفة المباشرة الكبيرة للحرب على السعودية، إلى تقليص انخراطها؛ لتترك الباب مفتوحًا أمام الأطراف اليمنية نحو اقتتال أشرس لتثبت المكتسبات”.

ويضيف الجبزي: “لا توجد مؤشرات تثبت إنهاك أي طرف داخلي من هذه الحرب، وحدها السعودية تتحمل عبئًا كبيرًا يدفعها إلى الاعتراف بفشلها”.

كُلفة باهظة

وأودت الحرب في اليمن بحياة نحو 233 ألف شخص، وفق تقرير لمفوضية الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، التي وصفت هذا العدد الكبير من القتلى بـ”المؤسف وغير المقبول”.

وتشهد اليمن، إضافة لحالة الإنهاك العامة التي تعيشها البلاد، سلسلة أزمات إنسانية جعلت الأمم المتحدة تصفها بأنها غير قابلة للعيش، والأسوأ إنسانيًا في العالم، بسبب ما أفرزته الحرب خلال السنوات الماضية، إذ بات 80% من السكان بحاجة إلى مساعدات، ودفع الصراع الملايين إلى حافة المجاعة.

اقتصاديًا، بلغت الخسائر الأولية لاقتصاد البلاد نحو 88 مليار دولار، وتراجعت العملة المحلية 180%، وسط انهيار مستمر للريال أمام العملات الأخرى، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 50%، يأتي ذلك في ظل أزمة النازحين التي باتت تشكل عبئًا داخليًا، إذ بلغ عددهم 3.6 ملايين، إضافة إلى أكثر من مليون لاجئ خارج البلاد، حسب تصريحات رسمية.

ويعلّق أستاذ الاتصال السياسي والإعلام في جامعة صنعاء الدكتور عبدالله الزلب، على ذلك بالقول: “كل الأطراف الداخلية والخارجية المتورطة في الحرب، تتحمل مسؤولية نتائج ومآلات الحرب على حياة الناس، بكن التحالف بقيادة السعودية يتحمل المسؤولية الأكبر؛ لأنه يملك القوة السياسية والعسكرية واللوجستية للتخفيف عن معاناة الناس، ولكنه يوظف الحرب الاقتصادية، ويستغل معاناة المدنيين لتحقيق أهدافه العسكرية والسياسية”.

وعن فاعلية الحضور الشعبي لإنهاء الوضع القائم، يرى الدكتور الزلب أن عامة الناس لن يكون لهم تأثير كبير على أطراف الصراع؛ لأنهم منقسمون أولًا، وثانيًا لأنه لا توجد كيانات سياسية وأطر اجتماعية ومؤسسات مجتمعية مستقلة عن الأحزاب والجهات المتورطة في الحرب، يمكن أن تحشد وتكوّن صوتًا مختلفًا مناهضًا للحرب ويدعو للسلام.

ويعيد ذلك إلى أن الحرب خلقت اقتصادًا مختلفًا ومصالح مرتبطة باستمرارها للعديد من الجماعات والأفراد في أوساط المجتمع، وبالتالي من الصعب أن يكون هناك تحشيد شعبي وضغط حقيقي على أطراف الصراع لإيقاف الحرب.. الحل والقرار أصبح خارج اليمن، ولن يأتي من الداخل، كما يقول الدكتور الزلب.

مشهد متأرجح

تظل خارطة المواجهات العسكرية على حالها منذ اليوم الأول للحرب، مع تغييرات جذرية في المشهد السائد بالنسبة للقوى المسيطرة؛ شمالًا تحكم جماعة الحوثي قبضتها العسكرية والأمنية على المحافظات الخاضعة لسيطرتها، في الوقت ذاته تتجاذب قوات هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة السيطرة على محافظات ومناطق تسيطر عليها افتراضيًا حكومة هادي، وهو ما يعطي انطباعًا متكاملًا عن المشهد العسكري بوضعيته الراهنة وما سيكون عليه مستقبلًا.

الدكتور علي الذهب، الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، أكد أن “السيطرة العسكرية بشكلها الحالي محصورة بين حكومة هادي وجماعة الحوثي لكن سيطرة الحوثيين فعلية لا يشاركهم فيها أحد، إذ يتحكمون بمناطق نفوذهم، ويتوسعون منها نحو مناطق تابعة لحكومة هادي”، بحسب ما نقل “المشاهد”.

ويقول الذهب: ما يعيب حكومة هادي أن سيطرتها تتنازع عليها قوى أخرى في إطارها، ولا تخضع لها خضوعًا كاملًا، وهو ما يعني شتاتًا عسكريًا وانفلاتًا في التوجه والهدف. ولا يتوقع انفراجة عسكرية على المدى القريب، فالاتجاه العسكري سيظل قائمًا حتى وإن كان هناك حل سياسي؛ لأن الحوثيين -برأيه- يبحثون عن أي انتصار عسكري يبقيهم في الواجهة، وهو ما يجعل حكومة هادي مصرة على موقفها من الأحداث عسكريًا، حسب قوله.

محاولات أخيرة للحل

رغم فشل المحاولات السياسية المستمرة ووصولها إلى طريق مسدود، إلا أن مؤشرات أولية من العاصمة العمانية مسقط أظهرت قبولًا أوليًا بالمبادرة السعودية وسط مفاوضات مستمرة بين وفد سعودي وممثلين لجماعة الحوثي، برعاية من المبعوثين الأممي والأمريكي إلى اليمن.

ويرى الصحفي محمد الجرادي أن “الخلاصة التي ستحققها المبادرة، هي تحييد الطيران السعودي مقابل إيقاف ضربات الحوثي على الأراضي السعودية. أما بالنسبة للداخل فستستمر حرب الحوثي حتى يسيطر على مأرب وما بعدها، أو يهلك دونها”، حسب منشور له على “فيسبوك”.
وسط هذا كله، ينتظر اليمنيون نهاية عاجلة لأسوأ فترة تمر بها بلادهم على مدى التاريخ، وقد لا يكون ذلك قريبًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى