مقالات

تطور استجابة الحزب الديمقراطي الأمريكي للحرب المأساوية في اليمن “1-5 “

بقلم دكتور / حسن زيد بن عقيل
الحلقة الاولى : إدارة أوباما ، الربيع العربي ، وحرب اليمن
لقد وضع الربيع العربي الولايات المتحدة في مأزق بشأن كيفية التعامل معه ، الأمر الذي خلق واقعًا جديدًا في الشرق الأوسط . واقع أجبر الولايات المتحدة على صياغة سياسات أمريكية جديدة تجمع بين التزاماتها الأخلاقية دون تقويض مصالحها الاستراتيجية ومصالح حلفائها المقربين في المنطقة . إلا أن الترددات والتناقضات في النهج الدبلوماسي الأمريكي منعت إدارة أوباما من إطلاق برنامج سياسي قادر على استيعاب المصالح والقيم الأمريكية في آن واحد . الانتفاضات الشعبية في اليمن والدول العربية الأخرى احدثت أكبر الاضطرابات السياسية في العالم منذ سقوط جدار برلين. هذه الانتفاضات فرضت على الإدارة الأمريكية الحاجة إلى إعادة تقييم سياساتها الخارجية والانتقال من دعم الأنظمة الاستبدادية إلى دعم الحركات الديمقراطية.
لكن استجابة إدارة أوباما لنتائج الربيع العربي كانت متناقضة ومترددة إلى حد ما. مثلاً مطالبة الدكتاتور علي عبد الله صالح بالتنحي عن السلطة ، من جانب آخر  دعمت قرار مجلس الأمن لعام 2015 لشن حرب الإبادة ضد الشعب اليمني ، استجابة لرغبات أقوى وأعتى الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط ، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ، التي أوجدت هذا النظام الديكتاتوري للرئيس صالح و ربيبته الرئيس هادي بهدف تنفيذ اجندتهما في اليمن .
هناك تناقضات وترددات كثيرة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. على سبيل المثال ، طلب الأمريكيون من حسني مبارك التنحي عن السلطة وقدموا الدعم للمتظاهرين الإسلاميين في القاهرة. صحيح أن وزارة الخارجية الأمريكية وضعت نفسها على الجانب الصحيح من التاريخ ، لكن على حساب حليف مهم . دفع هذا الموقف الآخرين إلى انتقاد أوباما وخاصة الجمهوريين ، واتهم بالحماقة عندما فتح الباب للإسلاميين للسيطرة على الحكومات العلمانية. أما في اليمن ، فيبدو العكس ، فقد تبنى أوباما استراتيجية وحسابات أخرى فرضت نفسها ، وهي المصالح الاقتصادية ومصالح الطاقة والأمن . دفعت هذه الاستراتيجية الإدارة الأمريكية إلى دعم قوات التحالف العربي المستبد ، الذي له تاريخ أسود في مجال حقوق الإنسان دون التفكير في مستقبل الحركة الديمقراطية  اليمنية . أن إدارة أوباما بعدما شعرت أن حكومة حليفها صالح لا يمكنها ان تنجو من الإنتفاضة تجاهلت الالتزامات الأخلاقية للأمريكيين و رأت ضرورة  تشكيل حكومة إصلاحية جديدة من قوى النظام نفسه تخدم المصالح الأمريكية بشكل أفضل وتواصل الحرب ضد القاعدة.
تذبذب أوباما هنا هو أنه وقف في البداية إلى جانب القوى الديمقراطية و بعد شهرين من الانتفاضة  تغيرت النغمة وسحبت إدارة أوباما دعمها للمنتفضين . نرى ذلك من خلال انخفاض حدة انتقادات البيت الأبيض لنظام صالح ، حتى بعد أن فتحت حكومة صالح النار على عشرات الآلاف من المتظاهرين الذين خرجوا إلى شوارع العاصمة اليمنية صنعاء أواخر يناير 2011 للمطالبة بإنهاء حكم الرئيس صالح الذي استمر 30 عامًا. هذا الوضع الهش في اليمن كان مصدر قلق للولايات المتحدة ، خاصة بعد أن تحولت الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية إلى أعمال عنف. لعل العنف ، مع انسحاب القوات الأمنية من بعض المحافظات وتركت فراغ كبير في المحافظات سمح للقاعدة بملئه ، و ايضاً استغل المسلحون الإسلاميون هذه  الفوضى للسيطرة على عدة مدن في المحافظة الجنوبية. وبدأت مواقع جهادية تعلن عن تشكيل ما يسمى مثلا بـ “إمارة أبين الإسلامية” . هذه الحوادث استفزت أوباما ووزيرة الخارجية كلينتون وفرضت تغييرا جزئيا في توجههما. طلبت هيلاري كلينتون من صالح التنحي لتجنب المزيد من الفوضى مقابل صفقة رفضها صالح . لكن الصفقة تمت بوساطة مجلس التعاون الخليجي ، والتي بموجبها يتنازل صالح عن السلطة في غضون 30 يومًا مقابل وعد بالحصانة من الملاحقة القضائية. على الرغم من الضغط الغربي القوي ، رفض صالح مرارا التوقيع على الخطة.
مخاوف  الولايات المتحدة  كانت كبيرة من المتشددين من ان يؤسسوا لهم موطئ قدم أكثر ثباتاً على مقربة من حقول النفط السعودية و مواقع تطل على طريق شحن النفط الرئيسية في جنوب اليمن . لهذا السبب شاركت الولايات المتحدة بقوة في رعاية قرار مجلس الأمن لعام 2014 في 21 أكتوبر الذي دعا إلى إنهاء العنف ، وقبول خطة السلام التي قدمها مجلس التعاون الخليجي ، و دعت إلى نقل منظم للسلطة في اليمن و أن يبدأ “على الفور”. في نوفمبر 2011  وقع صالح الاتفاقية المقدمة من دول مجلس التعاون الخليجي ، التي مهد الطريق لنائبه ليصبح الرئيس الحالي حتى إجراء انتخابات جديدة .
وهنا نلاحظ ترددات وتناقضات النهج الدبلوماسي الأمريكي ، من خلال ما قالته هيلاري كلينتون في المقابلة التي أجرتها في منتدى أمريكا والعالم الإسلامي . حيث قدمت بعض الأفكار لتوضيح النهج الأمريكي ، قائلة إنها تدعم بقوة التحول الديمقراطي في المنطقة ، و انها ترفض اتخاذ “نهج واحد يناسب الجميع” من الانتفاضات العربية . وقالت كلينتون إن الإدارة أعادت توجيه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط للتركيز أكثر على الناس وبدرجة أقل على الحكومات ، لكنها قالت إن الاستجابة للحركات الديمقراطية ستختلف من بلد إلى آخر. في الواقع كانت صادقة ، تبدو سياسة الولايات المتحدة في مصر وتونس مختلفة عما هي عليه في اليمن ، لأن مصالح الولايات المتحدة في اليمن مختلفة تمامًا.
 كاتب و محلل سياسي يمني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى