مقالات

إنهاء الحرب في اليمن

بقلم الدكتور/ حسن زيد بن عقيل

وصف الصراع في اليمن بطرق مختلفة ، بما في ذلك الحرب بالوكالة بين إيران والسعودية ، أو الصراع الشيعي السني ، أو الصراع بين المتمردين والحكومة اليمنية. لكن الواقع أكثر تعقيدًا. يعاني اليمن من سياسات داخلية معقدة وصراعات قبلية وطائفية مختلفة ودولة مركزية هشة تم تدميرها منذ السبعينيات بالتدخل الفاضح والمدمّر من قبل السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ، من خلال تحويل الميزانيات الخاصة والرشاوى المباشرة لشيوخ القبائل اليمنية و سياسيين بهدف تدمير الدولة المركزية ونشر الفساد.

بالإضافة إلى ذلك ، ان إدارة محمد بن سلمان لم تفهم قدرات اليمن وبالغت في تقدير قدراته الشخصية في إدارة دفاع الأمن القومي ، لكن الذي حدث انه إغراق المملكة في الحرب اليمنية. في النهاية ، فشلت سياساته كما فشلت في الشأن السوري والعراقي ، مما خلق العديد من المشاكل للمملكة. استمرار عدم الوضوح في السياسة الخارجية للسعودية وعدم فهم الهدف النهائي للحرب التي تشنها ضد جارتها الجنوبية يثير أكثر من سؤال ؟

سقوط ولاية عبد ربه منصور هادي

لقد أصبح اليمن من نواح كثيرة “دولة فاشلة”: فقد تفككت أجزائه أو فقد السيطرة على جزء كبير من الأراضي ذات السيادة الاسمية ، ومن الواضح أن اليمن يعيش حالة من الفوضى العامة. نعود إلى الرئيس هادي هو اللاعب الرئيسي في هذه القضية. بعد أن رفض هادي استيعاب أنصار الله في مؤسسات الدولة ودمج أفرادها في القوات المسلحة ، وفق ما نصت عليه اتفاقية السلم والشراكة الوطنية. عيّن هادي أشخاصًا في أعلى المناصب العسكرية والمدنية بشرط أن يكونوا موالين له شخصيًا وألا يكونوا الأكثر تأهيلًا للوظيفة.

كما أفادت رويترز ، “خرج عشرات الآلاف من اليمنيين إلى شوارع العاصمة صنعاء ، يوم الاثنين 18 أغسطس 2014 ، في مظاهرة نظمتها حركة شعبية تتهم الحكومة بالفساد …. وبحسب رويترز ، فإن الزعيم القبلي عبدالملك الحوثي – قال إنه إذا لم تستجب السلطات لطلباتنا بحلول يوم الجمعة ، فهناك مجموعة من الأساليب القانونية التي يمكن اعتمادها ، وأضاف الحوثي : “الثورة اليمنية لن تقف مكتوفة الأيدي وسنراقب أي جريمة ترتكب ضد شعبنا. “

تشكل تحالف اجتماعي سياسي للشماليين ضد الحكومة المركزية للإطاحة بالرئيس هادي. هرب هادي إلى عدن في 21 فبراير 2015 ، وسقطت صنعاء في أيدي حركة أنصار الله عام 2014 ، بهذا تم إعلان وفاة الوحدة اليمنية (صالح – البيض 1990). ثم هرب هادي من عدن إلى السعودية ، بعدها  بدأ العدوان على اليمن في مارس 2015. في ظل هذه الظروف ، تولى الملك سلمان مقاليد الحكم في المملكة بعد وفاة شقيقه الملك عبد الله ، وعيّن نجله محمد بن سلمان وزيراً للدفاع. شكل بن سلمان تحالفًا من عدة دول ، عربية بشكل أساسي ، بقيادة السعودية (بهدف إضفاء الطابع الإقليمي على الحرب) ، وأعلن أن هدف الحرب هو دعم هادي وإحكام سيطرته على البلاد بأكملها. في الواقع ، يبدو أن المملكة تبحث عن شيء آخر: إنشاء دولة فضفاضة وضعيفة وإلى حد ما موحدة ، تشمل الحوثيين والانفصاليين والإخوان المسلمين وغيرهم ، وهذا ما نحن عليه بالفعل.

فقدت حكومة هادي جميع صلاحياتها الفعلية منذ فرارها إلى الرياض ، وفقدت السيطرة على العلاقة بين الأجهزة الحكومية والهيئات التابعة لها وسلطاتها في إبرام أو تنفيذ وقف إطلاق النار. عملياً ، نرى أن السعودية هي التي تتحكم في إدارة الحرب اليومية ولديها “قيادة وسيطرة” على جميع فصائل هادي المختلفة على الأرض ، وهي التي تصدر أوامر وقف إطلاق النار مع الإمارات.

في عام 2017 ، تصاعد الجدل وسط الشرعية ، عندما قرر الرئيس هادي إقالة محافظ عدن الزبيدي لعدم ولائه له. ونظم الزبيدي احتجاجات حاشدة ضد هادي ، تلاها تشكيل كتلة سياسية موالية للإمارات – المجلس الانتقالي الجنوبي ، برئاسة الزبيدي. أعلنت الكتلة الجديدة على الفور رغبتها في “استعادة الدولة الجنوبية” ، ملمحة بشكل قاطع إلى ترسيم الحدود والعودة إلى الدولة التي كانت قائمة قبل عام 1990. اعتبر الرئيس هادي المجلس الانتقالي غير شرعي ، بينما كانت حكومته (ولا تزال) الحكومة الوحيدة المعترف بها دوليا. تعتبر أحداث أغسطس 2019 في عدن بقيادة المجلس الانتقالي بمثابة إعلان انقلاب على نظام هادي ، على غرار الانقلاب (الأول) الذي حدث في صنعاء في سبتمبر 2014.

ورغم الوساطة والمفاوضات السعودية لحل الخلاف بين هادي والزبيدي ، بما في ذلك اتفاق الرياض ، يفشل في  تطبيع العلاقات بين الفصيلين ، وانتهت الخلافات بنزاع دموي في جنوب البلاد مستمر حتى يومنا هذا.

اللاعبون الرئيسيون في الحرب اليمنية و فرص حفظ السلام

السعودية والإمارات هما المشاركان الرئيسيان في حرب اليمن ، ولهما مواقف مختلفة من قضية الجنوب تدعم الرياض علانية حليفها هادي ، وأبو ظبي تدعم حليفها الزبيدي. هناك عنصر يمني نشط ، هو أنصار الله ، محصور في شمال غرب اليمن. للأسف ، في جنوب اليمن لا توجد حركة وطنية نشطة. هناك تكتلات وجماعات انتهازية مؤقتة تقتضيها الظروف وتختفي فورًا ، وليس لها موقف واضح ، كل مواقفها وآرائها لا تتبع من معتقدات أو قناعات فكرية محددة . لذا لا يمكن لهذه القوى أن تعطي أي شيء للمجتمع ولا يمكن أن تكون في أي مرحلة عاملاً إيجابياً ، ولا يمكنها أيضًا أن تعمل كنظام بديل. على الرغم من أنها تعلن في بعض الأحيان عن نفسها كرمز للنضالات الوطنية التاريخية ، و السبب في ذلك هو أنها سقطت من الأحزاب الوطنية القديمة.

حكومة هادي والمجلس الانتقالي مثالان رئيسيان على ذلك. إنهم يعتمدون بشكل كبير على الدعم المالي من الرياض وأبو ظبي ويستمرون في التمتع بالاعتراف الدولي في ظلهم . لذلك ، فإن السعودية والإمارات على ثقة من أن هادي والمجلس الانتقالي سيقبلان أي شروط يراها السعوديون والإماراتيون معقولة لإنهاء الحرب. وهذا ينطبق أيضًا على جميع الفصائل الأخرى في الحراك السياسي الجنوبي ، حيث يقومون بمهام وظيفية لتنفيذ الأوامر التي تخدم مصالح تلك الدول التي تدعمها ماليًا ، ولا ننسى أن هناك عناصر وطنية مخلصة مثل علي ناصر محمد وغيرهم.

بشكل عام ، لا يزال الوضع في اليمن صعبًا للغاية مع وجود العديد من المشاكل غير المعروفة. لقد فشلت جهود الوساطة التي تبذلها الأمم المتحدة حتى الآن في تحقيق النتائج المرجوة. إذن ما هي الدروس التي يمكن تعلمها من جهود الوساطة الأممية ؟ كيف يمكن للأوروبيين المساعدة في دفع جهود وساطة الأمم المتحدة إلى الأمام؟

بادئ ذي بدء ، ينبغي لممثل الأمين العام أن يترك هذه المهزلة التي يمارسها وإهدار الوقت والتركيز على القضايا الجانبية ، مثل قضية المرأة و الرأفة على الحيوان وما إلى ذلك. فهذه أشياء جيدة يجب دراستها بجدية وبعمق ، ولكن في الوقت المناسب . المهمة الآن هو التفكير في وقف الحرب لأنها تشمل كل شيء. لذلك ، يجب على ممثل الأمين العام للأمم المتحدة تحديد المشاركين المحليين والإقليميين والدوليين الرئيسيين في الحرب اليمنية ، وتحليل برامج عملهم ، وفهم المصالح السياسية الرئيسية والاحتياجات الاقتصادية لكل مجموعة. سيساعده هذا في حل المسائل المعقدة وبناء سلام دائم في النهاية.

مكونات إقليمية ومحلية

حرب اليمن صراع متعدد الأقطاب (بمكونات إقليمية ومحلية) ، وليس صراعًا صريحًا بين أنصار الله والشرعية. عدوان التحالف السعودي الإماراتي هو نتيجة طبيعية للمعاملة الوحشية من قبل السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي مع اليمنيين. لقد خلقت هذه المعاملة الوحشية  إحساسًا بالعداء بين الجانبين ، وحرب التحالف الحالية ليست أكثر من تعبير عن هذا الاستياء طويل الأمد والمشاعر العدائية. لهذا السبب نرى أنه من بين الكتلة المناهضة للحوثيين ، فإن الكثير منهم أكثر عداءً للسعودية والإمارات من مؤيديهم.

عندما وقع الحوثيون اتفاقية السلم والشراكة الوطنية في 21 سبتمبر 2014 ، كانت السعودية مستعدة لقبول اتفاقية تقاسم السلطة المفروضة (من خلال وكيلها هادي). لكن تحالف الحوثيين وصالح ارتكب خطأ عندما تحركت قواتهم جنوبا. نظرت اليها قوات التحالف ، وخاصة الإمارات ، على أنها تهديد لمصالحها في باب المندب وسقطرى وبحر العرب ، حيث كانت هذه المنطقة جزءًا مهمًا من استراتيجية الإمارات. بعد ذلك قررت السعودية والإمارات التدخل واعتبرتا هذا الصراع اليمني اليمني “هجومًا إيرانيًا على الهوية العربية” وربطته بصراع إقليمي أوسع ، فيما بعد استغل التحالف غضب الجنوبيين على أحداث 1994.

التحالف السعودي الإماراتي هو اتحاد مصالح بين خصوم سابقين تعود انقساماتهم إلى فترة ما قبل الاستقلال. ويجمعهم العداء لليمن وهو ما تؤكده العديد من الوثائق الرسمية. أثرت العلاقة الكارثية بين القطبين الرئيسيين للتحالف (السعودية والإمارات) على طبيعة الحرب في اليمن. ولهذا نرى أن الولاءات المحلية في اليمن غالبًا ما تكون مترددة ودوافع القتال متعددة الأوجه ، على الرغم من أن الهدف المعلن للحرب هو الصراع بين هادي وأنصار الله. وفي هذه الحالة يمكننا القول إن حوار ممثل الأمين العام مع الأطراف الشرعية (السعودية) و الإنتقالي (الإماراتية) لا يمكن أن يقود إلى طريق تحقيق سلام دائم في المنطقة.

لان السعودية والإمارات ترفضان إقامة دولة مؤسسات حديثة في جنوب اليمن ، لذا السعودية والإمارات جزء من المشكلة ، وقوة داعمة للحرب وأداة لنشر الفوضى والإرهاب في اليمن. على متحدث باسم الأمين العام وحلفاء اليمن روسيا والصين وتركيا و الباكستان و الهند  ودول أخرى مساعدة الشعب اليمني على إنهاء الحرب من خلال تشكيل و دعم لجنة قانونية ( مستقلة من خارج اطار المنظمة الدولية ) لتقديم الملفات اليمنية إلى المحاكم الدولية لمحاكمة المسؤولين عن المحرقة والجرائم الفاشية الشنيعة. التي ارتكبها التحالف بقيادة السعودية ضد اليمن.

كاتب و محلل سياسي يمني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى