مقالات

هل دمر طوفان الأقصى الوهم الزائف بالسلام بين فلسطين وإسرائيل ؟

 

بقلم / دكتور حسن زيد بن عقيل

11 ديسمبر 2023

أعاد طوفان الأقصى القضية الفلسطينية إلى واجهة السياسة الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط . يعد طوفان الأقصى الحدث الأهم في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في العقود الأخيرة . قد أحدث تغييراً جذرياً في الخطاب الإسرائيلي والدولي فيما يتعلق بالقضايا الفلسطينية ، وفي 20 سبتمبر ، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمراسل قناة فوكس نيوز بريت باير إن التطبيع الإسرائيلي السعودي يسير على المسار الصحيح ، مضيفا أن ” القضية الفلسطينية مهمة جدا بالنسبة لنا ” ويجب حلها، مضيفا أنه يريد أن يرى إسرائيل ” لاعباً في الشرق الأوسط “. ومن خلال تعليقه على إسرائيل نفهم أن ” صفقة القرن ” جارية. لكن الأهم من ذلك هو التسريبات حول المحادثات الثلاثية حول الدفاع والطاقة والطاقة النووية المدنية . ونجد أن المسؤولين السعوديين والإسرائيليين والأميركيين يحاولون تحقيق اختراق كبير في عملية التطبيع. و أكده بن سلمان ذلك عندما صرح لأول مرة وبشكل علني ، أن بلاده ” قريبة ” من التطبيع ، كما أكد أنها ستكون ” أكبر صفقة تاريخية منذ نهاية الحرب الباردة ” . إن اتفاق التطبيع مع السعودية مهم لأنه يجعل إسرائيل مقبولة في العالم العربي والإسلامي ، باعتبار السعودية راعية أقدس الأماكن الإسلامية. وما يمنع الدول الإسلامية الأخرى من التطبيع مع إسرائيل غير الموقف السعودي من المبادئ الإبراهيمية وتأخر التطبيع السعودي مع إسرائيل . لكن لو حصل تطبيع سعودي مع الكيان الإسرائيلي فإن المعادلات ستتغير في كل الأحوال. وقالت شبكة سي إن إن إن الزعيمين جو بايدن ونتنياهو ناقشا جهود التطبيع ” بعمق ” . لأن مثل هذه الخطوة من جانب السعودية تتطلب عنصرا يعالج القضايا الأساسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وهنا تساءل مراسل فوكس نيوز بريت باير عن التنازلات التي ستقدمها إسرائيل للفلسطينيين حتى تقبل الرياض باتفاق التطبيع. رفض محمد بن سلمان الرد قائلا: ” هذا جزء من المفاوضات ” .

سؤال صعب ومعقد الإجابة عليه الآن ، بعد صعود وسيطرة اليمين المتطرف على السلطة في تل أبيب. وتحت إشرافه، تزايد الألم اليومي الوحشي الذي يتعرض له الفلسطينيون ، فقد قُتل الآلاف من المدنيين العزل في غزة وأصيب كثيرون بجروح وبندوب نفسية ، و شرد مئات الآلاف من منازلهم . وعلى نحو مماثل ، قتل المستوطنون العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية واستولوا على أراضيهم وممتلكاتهم، وتم اعتقال عرب إسرائيليين وطردهم من عملهم. صحيح يصعب على بن سلمان الإجابة على سؤال مراسل فوكس نيوز . لأنه يطرح سؤالا آخر على الحكومات العربية والأميركية والإسرائيلية : كيف نسيتم الفلسطينيين ؟ كيف يمكنك أن تتجاهل غزة والضفة الغربية بهذه الوقاحة ؟ وشعر الفلسطينيون وكأن جميع الأطراف اختارت أن تغض الطرف عنهم. ونحن نرى أن المحادثات بين القادة العرب والأميركيين والإسرائيليين تركز فقط على التطبيع وكيفية تنفيذه. فماذا يستطيع هؤلاء المحتلون والمحاصرون أن يفعلوا ؟ لقد نسي الجميع أمر الفلسطينيين ، وربما جاءت الثورة الكبرى ، طوفان الأقصى ، في 7 أكتوبر، كرد فعل ، لتذكير إسرائيل والولايات المتحدة والعالم بأن فلسطين لا تزال مهمة . ومن الآن فصاعدا، وبعد أحداث 7 أكتوبر وتداعياتها ، أصبح من الواضح أن أي لقاء عربي إسرائيلي لا يمكن أن يغض الطرف عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني . أوقف طوفان الأقصى ماراثون التطبيع مع اسرائيل .

ومن إيجابيات طوفان الأقصى أنه لفت انتباه الزعماء العرب، وخاصة الخليجيين، إلى المعايير الزائفة والمزدوجة لأمريكا والغرب، من خلال موقفهم من قضيتين أساسيتين ومتشابهتين: أوكرانيا. – روسيا وإسرائيل – فلسطين. وهنا نرى موقف رئيس المخابرات السعودية الأسبق تركي الفيصل ، الذي انتقد هذه المعايير المزدوجة ، حيث قال بوضوح إن حرب غزة كشفت عن ” النفاق وازدواجية المعايير”. وتساءل أين هم الذين يدعون أنهم حراس ما يسمونه النظام الدولي القائم على القواعد. كما أصبح من الواضح أن البحرين تسير على حبل سياسي مشدود منذ اندلاع الحرب في غزة، حيث تحاول تهدئة الغضب الشعبي الناجم عن الصراع الذي أودى بحياة آلاف الفلسطينيين، مع الحفاظ على الاتفاق مع إسرائيل ليقربهم من الولايات المتحدة. وأيضا الإمارات وقطر، حيث كتبت وزيرة الدولة القطرية لشؤون التعاون الدولي لولوة الخاطرعلى موقع X (تويتر سابقا) وسألت الجمهور الأمريكي: ما هو شعورنا الآن بعد أن رأينا رد فعلكم على الإبادة الجماعية في غزة ؟ أين ذهبت إنسانيتكم ؟ مبادئكم ؟ حقوق المرأة ؟ كما أن التصريحات الصادرة عن سلطنة عمان ، سواء من المسؤولين أو من الشخصيات العامة، كلها غاضبة. ومن خلال كل هذه المواقف العربية التي ذكرناها والتي لم نذكرها للمطبعين وغير التطبيعين من الخليج ، هناك حقيقة واحدة مؤكدة ، وهي أن العودة إلى الوضع السابق قبل 7 أكتوبر غير مرجح ، دون أي تقدم ملموس في القضايا الفلسطينية.

لقد أثار طوفان الأقصى قلق عدد كبير من الناس في العديد من البلدان، وكشف الوجه الحقيقي لإسرائيل، الأشد ظلمة ووحشية، وكشف كذبة ” فكرة إسرائيل دولة متحضرة وديمقراطية “. أحدثت شراسة ووحشية الاحتلال الصهيوني تغييراً في الوعي الشعبي الأمريكي و الغربي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. تمارس هذه الشعوب ضغوطًا على السياسيين الأوروبيين الذين لم يكن ولاءهم مطلقًا لدولة إسرائيل فحسب ، بل ذهبوا إلى حد دعم آلة القتل النازية الصهيونية. كما دمر طوفان الأقصى أسطورة الجيش الذي لا يقهر. نعم، يعتبر الجيش الإسرائيلي آلة قتل فعالة للغاية ، لكنه أقل فعالية بكثير كقوة قتالية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقتال البري . هناك أدلة كثيرة ، ليس فقط من قطاع غزة، بل من لبنان، وإلى حد ما من الضفة الغربية، حيث فشلت التوغلات الإسرائيلية المتكررة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المسلحة بشكل متواضع . ولهذا السبب يتساءل المحللون العسكريون: ماذا تفعل إسرائيل في غزة ؟ لقد تسببت في أكبر قدر ممكن من الموت والدمار من الجو. ولكن لا ينبغي لنا أن ننظر إلى هذا الدمار باعتباره مقدمة لغزو بري لغزة ، إنهم جبناء. وبالمثل ، لا يبدو أنها حملة عسكرية تحركها أهداف عسكرية. هل الأطفال والنساء والمرضى والمستشفيات ومراكز الاستقبال التابعة للأمم المتحدة أهداف عسكرية ؟ فهي بالتالي حملة لإنزال عقاب جماعي شديد بالمجتمع الفلسطيني برمته ( الهولوكوست ) لتحقيق هدف إسرائيل المتمثل في انتزاع ثمنا لا يقبل المنافسة مقابل طوفان الأقصى . أما الدعم الأميركي لتدمير قطاع غزة لا ينبع فقط من دعمها الاستراتيجي لإسرائيل، بل أيضاً من معرفتها بأن طوفان الأقصى كان أيضاً هجوماً على الهيمنة الأميركية في المنطقة.

الصورة الدموية والهمجية التي نراها في سلوك الإسرائيليين والأميركيين، يقول عنها نورمان ج. فينكلستين : أستاذ جامعي يهودي أميركي، كاتب وناشط سياسي إنه ” سفك الدماء الانتقامي الخالص ” للقيادة الإسرائيلية. يتذكر البروفيسور فينكلستين تمرد العبيد الذي قام به نات تورنر في فيرجينيا في أغسطس 1831 حيث قتل العبيد 60 من البيض ، وفي وقت لاحق انطلق السكان البيض في الجنوب الأمريكي في حالة من الهياج، فقتلوا بشكل عشوائي ما يقرب من 120 أمريكيًا من أصل أفريقي وحكموا على 80 آخرين بالإعدام. لقد حصل سفك الدماء في غزة رداً على الإذلال الذي تعرض له الجيش الإسرائيلي والمخابرات خلال طوفان الأقصى.

الاستنتاج :

الآن يصعب التنبؤ بالسياسة الإسرائيلية، ولكنني أراها كما يلي:

أولاً: يرى معظم الإسرائيليين حالياً أن نتنياهو مسؤول عن الفشل وغير مؤهل للقيادة ، ويعتقدون أن ائتلافه المتطرف يسبب المزيد من الضرر. ويبدو أن الإسرائيليين مستعدون لقيادة جديدة ، على الرغم من أنها لن تكون على الأرجح قيادة يسارية. وبحسب استطلاعات الرأي فإن المرشح لهذا المنصب هو رئيس الأركان السابق بيني غانتس ، ويقال إنه أكثر اعتدالا. بيني غانتس ليس من أنصار السلام، ومن المحتمل أن ينحاز في الغالب إلى الأحزاب اليمينية، لكنه شخص يمكنه استئناف المفاوضات وإحراز بعض التقدم العملي مع الفلسطينيين والمنطقة.

ثانياً: للأسف، أبدت دول المنطقة (باستثناء دول محور المقاومة) عزمها على الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل، رغم انتقاداتها الشديدة لتصرفاتها في غزة.

ثالثا، أظهر استطلاع أجراه معهد ميتفيم وجامعة تل أبيب أن الإسرائيليين يميلون حاليا إلى وصف أنفسهم بأنهم يمينيون، ولا يثقون بالسلطة الفلسطينية أو المفاوضات معها، وهم أقل تأييدا لحل الدولتين. هذه صورة قاتمة، لكنها ليست مفاجئة: بعد حرب أكتوبر 1973، كانت الصورة قاتمة أيضًا، ولكن في النهاية حدث تغيير سياسي جذري، السلام (مع مصر). ومن الممكن أن تحدث تطورات في أعقاب طوفان الأقصى ، وربما بوتيرة أسرع . ومع ذلك، نعلم ان الكيان الإسرائيلي والأراضي الفلسطينية المحتلة تعتبران منذ فترة طويلة مناطق مضطربة . في هذا العام وحده ، اهتز الكيان الإسرائيلي والأراضي الفلسطينية المحتلة مرتين: أولا، خلال أشهر من المظاهرات الحاشدة ضد محاولات ائتلاف اليمين المتطرف الحاكم في الكيان الإسرائيلي و محاولته لإضعاف الديمقراطية وسيادة القانون . والثاني هو طوفان الأقصى العظيم ، الذي وضع القضية الفلسطينية في قلب السياسة الإقليمية والدولية. ويؤدي هذان الحدثان إلى قيام حكومة إسرائيلية فاشية بعد طوفان الأقصى، تقوم بتنفيذ تطهير عرقي رهيب في جميع أنحاء الأراضي المحتلة. من المرجح أن تتغير القيادة ، لكن لعبة الانتظار ستستمر حتى اندلاع أعمال العنف التالية. ومن المؤكد أن نتيجة العنف والعنف المتكرر ستؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية. إننا نشهد اشتباكات يومية على طول الحدود اللبنانية والسورية مع إسرائيل، وهجمات عراقية ويمنية ضد المصالح الإسرائيلية الأميركية، وهذا يهز منطقة الشرق الأوسط برمتها. وإذا حدثت هذه الأحداث، فقد تكون إمدادات الطاقة محدودة وقد ترتفع الأسعار بشكل كبير في جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى أن الاحتجاجات الكبيرة المؤيدة للفلسطينيين حول العالم ، خلقت الخوف للولايات المتحدة وذراعها الكيان الإسرائيلي . فشل إسرائيل ـ وهذه نتيجة حتمية ـ سوف يشجع وينشط قوى المقاومة في المنطقة، بما في ذلك حماس . إنه يعني خلق تهديد وجودي لإسرائيل وتهديد للمصالح الأمريكية في جنوب غرب آسيا، فضلاً عن كونه تهديداً للصهيونية العنصرية في جميع أنحاء العالم . وهذا ما حذر منه بلينكن الحكومة الإسرائيلية : كلما طال أمد الحرب، زاد الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل لإنهائها. ولذلك فإن خلق مبادرة سلام جديدة هو في مصلحة أمريكا وإسرائيل والدول العربية (المتواطئة معهم).

رابعاً: رغم صعوبة رؤية السلام وسط مستنقع الخوف والغضب السائد، إلا أن ذلك يمكن تحقيقه إذا كانت هناك رغبة حقيقية في إيجاد حل حقيقي لهذا الصراع في الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية. ونحن نعلم أنه في السنوات السابقة اقترحت مجموعة من الباحثين والصحفيين والناشطين الفلسطينيين والإسرائيليين خطة مشتركة لمستقبل عادل وقابل للتحقيق، تسمى ” الأرض للجميع ” . في المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط كأرض ذات شعبين. ولدت الفكرة من افتراض إنشاء دولتين متميزتين ضمن نظام كونفدرالي يضمن حرية الحركة الكاملة للجميع. وهذا من شأنه أن يسمح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم، في حين يمكن للمستوطنين اليهود البقاء تحت الحكم الفلسطيني. وستكون القدس عاصمة لكل من الدولتين و مجمع للمؤسسات الكونفدرالية ، لإدارة القضايا المشتركة، بما في ذلك الأمن والقضايا الرئيسية المتعلقة بحقوق المياه والسياسة الاقتصادية وما شابه ذلك. ولهذا السبب، تركت دول الخليج الباب مفتوحاً أمامها أو فرضت عليها باباً إلى إسرائيل، وهو الباب الذي يمكن أن يمنحها نفوذاً محتملاً إذا فعلوا ذلك و متى فعلوا ذلك .

كاتب و محلل سياسي يمني

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى