تضاد المنطق …بقلم / صفوان باقيس
بقلم / صفوان باقيس
وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ (٧٨) قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ ( ٧٩)
سورة ياسين.
يؤمن جل المسلمين إيمان عقائدي ان البعث يشمل الجسد و الروح وعلى هذا الأساس تم تكفير من يخالف الصورة الذهنية في القرآن في مسألة البعث الحسي للجسد بينما يرى الكثير من الفلاسفة المسلمين ان البعث روحي وكذلك فناء المادة نهائي.
هل يجوز تكفير فلاسفة المسلمين الأوائل كابن سينا لمجرد انهم خالفوا الصورة الذهنية للبعث؟
قبل الإجابة على هذا السؤال دعونا نخوض في علاقة الأطباء الحسية مع الموت فإن الأطباء على مر التاريخ شهدوا حوادث فيها يعود المريض من موت محقق فيروي فيها تفاصيل لا يمكن للجسد الحسي ان يعيشها ولهذا لخص العلم ان العقل في الدماغ بالاعتقاد السائد ان الدماغ مسؤول عن العقل فهو مركز تلقي المعلومات و تخزينها و تحليلها، ظل هذا الاعتقاد حتى مطلع القرن الواحد و العشرين حيث تغير الاعتقاد السائد عند الكثير من الأطباء نحو تأييد ان العقل خارج الدماغ وربما يكون منفصل عنه كليا.
قامت جامعة ساوث هامتن البريطانية( بمشاركة متخصيبن من الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا و أستراليا في ١٥ مستشفى موزعة على الثلاث البلدان) بإجراء دراسة حول تجارب الاقتراب من الموت و الخروج من الجسد، لخصت إلى ان حوالي ٤ إلى ١٥ ٪ من عموم الناس مروا بهذه التجارب و حوالي ٣٩٪ من العائدون بعد الصول إلى مرحلة الموت السريري في المستشفيات.
يعود الفضل الأول للدكتور ريموند مودي الذي قام بمجهود شخصي بتوثيق و دارسة تجارب الاقتراب في وقت مبكر من النصف الأخير من القرن العشرين. أيضا مساهمة البروفسور جراح الدماغ الشهير إبن إلكساندر الذي هو نفسه تعرض لتجربة الاقتراب من الموت فساهم في تقديم رؤية لإعادة النظر في النموذج المادي الطبي.
إن إعتقاد ابن سينا بالانفصال الكلي بين العقل و الجسد المادي ربما كانت نظرة علمية ثاقبة بعيدة سابقة لزمنها.
تمكن العلماء لأول مرة من ملاحظة وجود الوعي(العقل) أثناء القيام بتجربة لقياس موجات الضوء ومنها تبلورت فرضيات علمية لم تنضج بعد لمستوى النظرية نظرا لاستحالة التعامل مع الوعي حسيا.
تأثر ابن سينا كغيره من العلماء المسلمين باراء الفلاسفة الاغريق وخصوصا من حيث التحليل و التقييم المنطقي للموجودات المادية ومع هذا فإن ابن سينا أسس لمدرسة فلسفية خاصه ابتعدت مسافة عن المشائيين و فلسفة ماوراء الطبيعة مزجت بين المعتقد الإسلامي و التجربة العلمية ولهذا استحق لقب المعلم الثاني بعد ارسطو.
هل منهج الفلاسفة القدماء او العلم اليوم بتخصصه يتوافق مع الدين؟ فهذه الجدلية قائمة لن تنتهي بصرف النظر عن الدين وفي ظل اي مجتمع، سيظل الدين منطق إيماني مبني على التسليم المطلق بينما العلم مبني على منهجية التجربة و التحليل المنطقي ولهذا لكل منهم فلسفته و قواعده فعند الخلط بينهما ينشأ الصدام.
على العالم الإسلامي ترك العلماء و العلم المجرد لأهله و ترك الفقه لأهله وان لا يتدخل احد بشؤون الآخر كعمل مؤسسي لان تقييد حرية العلماء يضر بمسيرة العلم و بالتالي تعثر قيام حضارة مادية. لقد ساهم ملاحقة العلماء المسلمين الأوائل في توقف النهضة الإسلامية ومن ثم خروجها عن سيطرة العرب. سيبقى العلم نبراس الحضارة و اساس النهضة.
مع تطور العلوم و تقدم التقنية مع بساطة تلقي المعلومة فإنها حتمية التصادم مع النصوص الدينية المقدسة مثلا ميكانيكا الكم قد ترجح ان الزمن وهم لا وجود له وإن الجسيمات ممكن تكون في عدة أماكن في وقت واحد في فضاء إفتراضي، حتى المنطق نفسه بقواعده المتعارف عليها يعجز لإيجاد تفسير منطقي ولكن التجارب العلمية فيها تقود إلى هذا الاتجاه.
لمن لا يعرف فيزياء الكم فهي اكثر فروع الفيزياء تطبيقا تقريبا في كل مجالات التكنلوجيا فمنها توصل الإنسان للانشطار النووي و علم الكمبيوتر و الذكاء الاصطناعي وبل دخلت في كل مجالات الحياة، العالم اليوم بصدد تفعيل كمبيوتر كمي!
لسطوة فيزياء الكم فإن هناك من العلماء من يحاول ربطها بالفيزياء التقليدية وخصوصا النسبية و الجاذبية اي دمج النموذجين بنظرية جديدة تسمى quantum field theory. الفيزياء الكمية تتخصص في الذرة وما تحتها ولهذا عمليا سهلت التجربة و كذلك ساهمت في حل بعض الالغاز المحيرة في الفيزياء الكلاسيكية.
هل سيتمكن العلم من معرفة الروح معرفة علمية كاملة؟
من المنطلق الإيماني فإن هذه العملية مستحيلة و يعترف العلم على عدم قدرته على إجراء التجربة في شيئ غير محسوس و لا يمكن قياسه ومع هذا طموح العلوم مفتوح و يحق لها الخوض في اي مجال
للإجابة على السؤال أعلاه يتكرس في هذه الآية
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا
لا أعتقد أن فلاسفة و علماء المسلمين الأوائل وصلوا للشرك او الكفر بوجود الله لأن في قلب التحليل المنطقي ان لابد للموجود من واجد وإن العدم لا ينتج إلا عدم ولهذا لابد للكون من صانع
قادهم العقل لقناعة ان النفس او الروح لا ترتبط بالجسد الحسي او ان الكون قديم وربما ازلي. ربما يكون الفيلسوف او العالم محق وربما يكون على خطأ فالعلم المطلق عند الله.
صفوان باقيس
المصادر
https://www.southampton.ac.uk/news/2014/10/07-worlds-largest-near-death-experiences-study.page
جامعة ساوث هامتون
———————————————————
https://www.damtp.cam.ac.uk/user/tong/research.html
جامعة كامبريدج
———————————————————
ARE YOU LIVING IN A COMPUTER SIMULATION?
BY NICK BOSTROM
[Published in Philosophical Quarterly (2003)