مجلس الرئاسة ونظام المحاصصة بين الشمال والجنوب بقلم| حسن زيد بن عقيل
بقلم| حسن زيد بن عقيل
ومن شأن نظام المحاصصة ( الكوتا ) بين الشمال والجنوب الذي يمكن أن يتبناه المجلس الرئاسي أن يقود البلاد إلى اشتباكات عسكرية وسياسية بين حكومة رشاد العليمي وجماعات الحراك الجنوبي المدعومة من الإمارات أو السعودية. المحاصصة الحزبية قد جربها التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية ، ثم واصل الحزب الاشتراكي هذا النهج. وكان حينها المحاصصة من الجنوبيين (ينتمون لحركة القوميين العرب وحركات يسارية أخرى) ومن الشماليين الذين أعلنوا عن حزبهم (الحزب الديموقراطي الثوري اليمني) و من قادته الأخوان عبد الحافظ قايد وسلطان أحمد عمر وعبدالقادر سعيد . لسوء الحظ ، اعلن الحزب الديموقراطي الثوري الشمالي نفسه حزب لليمن كله. لكن زعماء الجنوب لم يعترفوا بتمثيلهم على كل اليمن لأنهم لا يمثلون إلا شمال اليمن العزيز علينا في الجنوب لأن الوضع لم ينضج بعد. المخزي أن مجموعة من السياسيين الشماليين المنتمين إلى أحزاب جنوبية تحالفوا مع أهالي مناطقهم الشمالية “على أساس إقليمي” وعملوا ضد الجنوب ودفعوا ابناء الجنوب لقتال بعضهم البعض. المؤامرات ضد الجنوب متجذرة في معظم الكيانات السياسية في الشمال لأسباب نفسية واجتماعية ، هذا موضوع آخر .
من خلال قراءة وثائق المؤتمر الشعبي العام ، وصف وعرّف نفسه بأنه “منظمة سياسية شعبية تم إنشاؤها لمواصلة مسيرة الوحدة والحركات الوطنية اليمنية”. منذ تأسيسه عام 1982 هو الحزب الحاكم في شمال اليمن ، فإنه يبحث عن دور يلعبه في الحياة السياسية لكل اليمن . هدفه مواصلة دوره القيادي في كل من البرلمان والرئاسة . إنها مهمة تتطلب التشاور المتبادل وأحيانًا الاتحاد مع قوى سياسية وشعبية أخرى (كما حدث مع فصيل عبد ربه منصور هادي). حزب المؤتمر يرى من حق قيادة في تهميش الآخرين (من هم الآخرون؟ أ ليس الجنوبيين) مع استخدام كل أدوات ونفوذ الدولة ، إذا سمحت الظروف الداخلية والإقليمية والدولية بذلك. بعد توحيد اليمن في عام 1990 ، أدرك الإصلاحيون في حزب المؤتمر أنه يتعين عليهم البدء في العمل كحزب حقيقي أو شبه سياسي في نظام تنافسي متعدد الأحزاب. منذ التوحيد حتى الانتخابات البرلمانية عام 1993 ، شارك المؤتمر الشعبي العام في تحالف سيادي مع الحزب الاشتراكي (الحزب الاسمي للجنوب). بعد انتخابات 1993 ، سعى حزب المؤتمر الشعبي العام إلى إضعاف نفوذ وسلطة الحزب الاشتراكي اليمني ووقف نشاطه تدريجياً و إلى الأبد.
من عام 1990 إلى عام 1994 ، أقام المؤتمر الشعبي العام تحالفًا سريًا غير مباشر مع حزب الإصلاح. في أعقاب حرب 1994 ، تمت الإطاحة بالحزب الاشتراكي. عمل حزب المؤتمر الشعبي العام على تقاسم السلطة مع حزب الإصلاح واعتبر جنوب اليمن غنائم حرب للمؤتمر الشعبي العام. لهذا السبب أعلن علماء الشمال أن كل ابناء الجنوب كفّار. وفقًا للشريعة الإسلامية الصنعانية ، رغم أنهم بعيدون عن الإسلام ، فإن كل ما يغتنمه المسلمون في الحرب (أي حرب 1994) من أموال وأسلحة وآلات وأمتعة وعقارات وأرض ونفط وغاز وما شابه ذلك هو حق مسلمو الشمال فيحل لهم حسب قوله تعالى: فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ، “أستغفر الله ، وهذا رأي علمائهم”. والمراد بالغنيمة هي النقود والأموال العينية التي أخذها مجاهدو الشمال في حربهم مع كفار الجنوب عام 1994 ، وهذا حقهم المشروع.
نلتقط صورة لدولة الشمال من الجانب الآخر ، ونلخصها بالرجوع إلى المصدر ، صحيفة “أخبار اليوم” الصادرة في 7 سبتمبر 2016 تقول طلبت شخصيات و قيادات موالين لأنصار الله لقاء صالح الصماد لبحث قضايا المناطق الجنوبية ، رفض قادة انصار الله اللقاء و ابلغوهم ان رئيس المجلس السياسي الصماد منشغل بشؤون الدولة. فيما أكد لهم مصدر مسؤول أن الملف الجنوبي قد تم تسليمه إلى حزب المؤتمر الشعبي العام ولم يعد من اختصاص الحوثيين والصماد ، وعليهم مراجعة حزب المؤتمر. لذلك أحس قادة الجنوب بالحرج و الأسف لتجاهل الحوثيين لمطالبهم رغم محاولاتهم المكثفة التقرب من الحوثيين. بعبارة أخرى ، منذ حرب صيف 1994 ، أصبح الجنوب (غنائم حرب) للمؤتمر الشعبي العام ، وليس من المستغرب أن يقول السيد عبد الملك العجري القيادي الحوثي الآن: “نحن لا نرفض الحوار مع الأطراف اليمنية … فهم شركاء في أي حل سياسي .. إلخ “.
نسأل السيد العجري من هي الأطراف على الساحة السياسية الان : انصار الله (يمثل شمال اليمن) والمجلس الرئاسي (ايضا يمثل شمال اليمن) ان شاء الله الحوار الشمالي – الشمالي ينجح ونتمنى لهم التوفيق ، لأن مشاكلهم كثيرة و الصراعات بين أبناء الهضبة والمنطقة الوسطى واسع و متعدد الجوانب ، وذلك منذ الاحتلال العثماني ، عندما تنازل الاتراك عن الهضبة للإمام الزيدية و بقيت المنطقة الوسطى للعثمانيين ، لان تقاليدهم السنية الشافعية تختلف عن زيدية الهضبة أضف الى ذلك الفساد المتأصل في ثقافة النخبة والمتوارثة من جيل إلى جيل. أما الحوار يا سيدي العجري الآن يجب أن يتم بين الشمال والجنوب. أتمنى أن تصحح ما كتبه بقول : “نحن لا نرفض الحوار مع الاطراف اليمنية الجنوبية ، فهي شريك في أي تسوية سياسية … إلخ”. وإذا لم تصححه فسيكون ما قاله الدكتور عبد الحميد شكري رئيس المجلس الوطني الاعلى للنضال السلمي من اجل تحرير واستعادة دولة الجنوب في بيان صحفي وزع على وسائل الاعلام نشر في الصحيفة ” هنا عدن ” : موقف أنصار الله يشبه ذلك الموقف لتوكل كرمان وحميد الأحمر عندما كانوا يتحدثون عن قضية الجنوب حتى وصلوا إلى السلطة بعد ما يسمى بثورة التغيير ليقولوا انتهت القضية الجنوبية برحيل الرئيس السابق علي عبد الله صالح من رئاسة الجمهورية. و كلكم اليوم تعقدون اتفاقيات ولقاءات لضرب الجنوب والعبث به تحت مسميات مختلفة ». وآخرها ما يسمى بالمحاصصة .
نعلم بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ابتكر الاحتلال الأمريكي وضع ” نظام المحاصصة ” ، بحيث تتوزع المناصب الحكومية بين المكونات السياسية على أساس طائفي وإقليمي ، ولا تزال الحكومة السياسية في هذا البلد مبنية على أساسها. المحاصصة فيروس يستطيع القضاء على الدول الكبيرة والقوية مثل العراق ، فضلا عن دولة صغيرة و ضعيفة مثل اليمن. المحاصصة : التخلي عن معايير الكفاءة والأمانة والقوة لمعايير أخرى يعرّض الدولة للانهيار ويهدد المجتمع بانقسامات تؤدي إلى الصراع والفشل ومن ثم إلى الانحلال . ينظر الكثيرون إلى نظام المحاصصة على أنه مشكلة وليس حلاً للأزمات. نظام المحاصصة غير قادر على بناء مجتمع على أساس المواطنة. لذلك ، نظام المحاصصة سيبقى الشمالي ــ كما هو شمالي ، و الجنوبي ــ ايضا كما هو جنوبي حتى يسقط نظام المحاصصة .
العملية السياسية القائمة على المحاصصة غير ناجحة وغير قادرة على خلق بيئة مناسبة للتنمية أو الازدهار في اليمن ، على سبيل المثال هل ستخضع عملية الاستثمار في القطاعات الإنتاجية ، للقوانين التي تسن من أجلها ، أو لنظام المحاصصة .. رأس المال اليمني له اربع انتماءات اقليمية ، رأس مال تعزي (الشافعي) ، و رأس مال حضرمي ( في الشتات ) ، ورأس مال زيدي (الهضبة) ورأس مال عدني ( يافع + أبين + شبوة) هل النظام السياسي المبني على أساس توافقي و وفق نظام المحاصصة هل قادر على خلق بيئة صالحة للاستثمار ، قطعا لا ، الصراع بين الرئيس صالح و الحراك الجنوبي و ادى الى انتفاضة 2007 ، و قاد كل الصراعات الاخرى كان سببها اقتصادي ، من يدير الثروات الوطنية . إذن نظام المحاصصة فاشل ، لن يخلق الا وضعاً سياسياً ضعيفاً غير قادر على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. ليس هناك ما هو أخطر من نظام “المحاصصة” السياسية على وحدة المجتمع ومستقبل الدولة ، وهو يشكل علامة من علامات التخلف ، و مؤشر خطير لمرض اجتماعي يصعب علاجه ولا شفاء منه ، خاصة إذا دبّ بين النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية.