ذبحوا شجرتي؟! عن الخضرة أتحدث.. بقلم| عبدالرحمن بجاش
بقلم| عبدالرحمن بجاش
في كتاب “القادة” لـ”بوب وودوورد” والذي حكيت فيه حكاية حرب الخليج وأسرارها وكيف يتخذ القرار في دوائر القرار، يقول كولن باول: “عندما تم تعييني في وزارة الدفاع كانت هناك ثمة شجرة تحجب عني منظر نهر “بوتوماك”، طلبت نقلها، فتم ذلك ولكن في الليل؛ حتى لا يرى أنصار البيئة ما فعلنا”.
في برلين، كان الشيخ فلان في رحلة علاجية مع صديق له وكانوا في فرانكفورت، استأذنه لدقائق، وعاد ليراه يسبح في علم الله وكانا في مكان يشرف على “نهر الراين”، ظل يناديه بدون جدوى، كان الشيخ صامتًا، لينتبه على صوت يحيى: “ما لك يا شيخ؟” أجاب بنهدة طويلة عريضة: “لم أتمنَّ نفسي أقع ثور سوى اليوم!”، كان ينظر إلى الخضرة التي تكاد تغطي الكون بحسرة، “نفسي أرعى في هذه الخضرة”.
وفي فرانكفورت، شاهدنا ونحن نتمشى راجلين أن السكان يخرجون لسقي الأشجار حول بيوتهم بأنفسهم رغم النهر والأمطار واهتمام الحكومة، وعندما حاول زميل أن يقطع الطريق من وسط الحشائش في المثلث الصغير، صرخت فيه شابة كانت تنظر إشارة المرور أنْ لا! فعاد من حيث أتى.
وفي موسكو، قال لي فيكتور ذلك السوفيتي الرائع: “ماذا يعني لك انتهاء الشتاء وإقبال الربيع بهذه الخضرة”، قلت: “نحن لا نعرف الفصول، كله فصل واحد”، عاد يقول بجدية وقد سألته السؤال نفسه: “اعتبر ذلك انبعاث الحياة من جديد”.
نحن لم نفهم ديننا أبدًا، ولذلك هو في وادٍ، والمتدينون في وادٍ آخر.
الدين الإسلامي يحث على زراعة الشجرة والحفاظ عليها، فالشجرة في الأخير تحيل الكون إلى جنة، لكننا في إب نذبح الشجرة ونزرع مكانها مبانيَ من أسمنت، حتى إن مدينة إب الخضراء وضواحيها تتحول يوميًّا إلى غابة من البلك وأنواع الأحجار! إذ لا أصدقاء للبيئة، وأي جمعية تسمع عنها تجدها تستحي من مجرد ذكر الخضرة!
نحن نعرف ونحافظ بعيوننا على خضرة المساحات الشاسعة التي يزرع عليها القات! واحد هو من أحس بجمال الخضرة وأضرار القات؛ سلطان البهرة، وقد قام اليمنيون من الإسماعيلية في حراز بالتخلص من أشجار القات، وتم تعويض مَن طلب التعويض من السلطان!
في شوارعنا، وخاصة الخلفية، تشاهد الأغنام تسرح وتمرح وتأكل أغصان الأشجار، ولا أحد يعترض، وجرى الاستيلاء على الحدائق مثل أبولو، وتحويل جزء كبير منها إلى هنجرات للشيخ! وحديقة الثورة لم تعد تذكر، وحديقة السبعين تم منح الشيخ واجهتها وتجري حتى اللحظة على قدم وساق محاولة إبعاد المغشي، من حافظ على ما تبقى منها، لتمنح لدولة الفساد التي قتلت حياتنا! وفي المدارس يجري إزالة الأشجار بحجة بناء فصول إضافية، والساحات التي لا تزال قائمة لا أحد يهتم فيها بالشجرة والخضرة عمومًا!
قبل عام تقريبًا، قلت يا حسام، وهو نجلي الأصغر بين الذكرين الآخرين: “نريد أن نجمّل الرصيف أمام البيت من هذه الأشجار التي تستفيد من مياه الحفرة التي تتلقى بقايا البيت”، فاشترى شجرتين، ظللنا نحافظ عليهن حتى هزمنا!
خرجنا ذات صباح وقد ذبحتا من الوريد إلى الوريد!
بدا المشهد جافًّا قبيحًا، واشتعلت أعماقنا حنقًا.
ظهرتا جافّتين كما لو أن الحرب مرت من هنا فحولتهما إلى شبحين مخيفين!
لم أسمع أحد يستنكر، فالشجرة لا تعني لنا شيئًا للأسف الشديد.
كلما أرى الأغنام تتسلق أشجار الجار أحس بالحزن، أصرخ في وادٍ ليس له قرار، تظل راعيتهم تنظر إليّ باستغراب، لسان حالها يقول: “أكيد هذا بلا عقل، غنمي يأكلن من رزق الله، ولم يقل لها أحد أن الدين يحثنا على الاهتمام بالخضرة وعلى الشجرة أولًا.