ح: حرية .. حوار .. حرب بقلم| حسن عبدالوارث
بقلم| حسن عبدالوارث
منذ أن عرفنا القراءة، مرت بنا مفردة “الحرية” مرات عدة، قبل أن تقترن بمفردة أخرى: الرأي.
بعد ذلك -وبعد أن عرفنا كيف نقرأ- صرنا نستحلب عبارة “حرية الرأي” من ضرع النص إلى دلو الواقع، غير أننا عندما نحاول تذوُّقها نجد لها طعماً مختلفاً في كل مرة!
كان الطعم في الغالب إما حامضاً أو تُغلّله المرارة أو الملوحة، أما حلاوته اللذيذة فلم نتذوقها يوماً إلاَّ في أحلامنا التي كنا نعتقدها يوماً جزءاً حميماً من الواقع، فاذا بها تعاني انفصاماً حاداً مع الواقع.. أم تراه العكس صحيح؟
كان المهاتما غاندي يكتب – بأسماء مستعارة – مقالات تُخالِف آراءه واطروحاته، وينشرها، ليُعلِّم الناس أبجدية حرية الرأي وقواعد المعارضة الفكرية. ولم يكتشف أحد هذا السرّ إلاَّ بعد رحيله.
ويُنسَب الى فرانسوا فولتير القول: قد أختلف معك في الرأي، لكنني مستعد للتضحية بحياتي دفاعاً عن حقك في ابداء رأيك. وقلت إن هذا القول يُنسب إليه، فالقائل الحقيقي كاتبة تدعى ايفلين بياتريس هول، وقد حدث التباس بينهما في واقعة ليس هنا مجال سردها.
أما جورج برنارد شو فقد قال يوماً: إذا أردت معرفة ما في عقل شخصٍ ما، فاسمعه يُحاوِر من يختلف معه في الرأي.
وثقافة الاختلاف بضاعة غير متداولة في سوق العرب.
فالعربي -منذ القدم- لا يعرف الجدل أو الحوار في القضايا الخلافية. فهو يلجأ إلى السيف في حلّ هذا النوع من الأمور. وقد حلّت البندقية محل السيف في زمنٍ تالٍ. ثم حلت الدبابة محل الجميع.
غير أن الأدهى أن هذا المشهد ليس سائداً في أوساط العامة والدهماء فحسب، بل استشرى أيضاً في أوساط النخبة -أو ما يُفترَض أنهم نخبة- من أهل الفكر والسياسة على السواء.
ويومَ أن يتفق أهل الشأن في اقامة حالة حوار للبتِّ في أمرٍ ما ذي طبيعة خلافية بينهم، لا تُكتَب لهذه الحالة طول العمر، ناهيك عن النجاح والفلاَح.
وفي التاريخ نقرأ ونفهم ونوقن أن الحوار يعقب الخلاف الحاد الداعي أحياناً لاشتعال فتيل الحرب.. إلاَّ لدى العرب -واليمنيين بالذات- فأنهم يبدؤون بالحوار، لينتهي بهم المطاف إلى الخلاف، فالحرب!
ثم بعد ذلك يضطرون إلى تدشين حالة حوارية جديدة بعد أن تخمد نيران المعارك، غير أنها سرعان ما تستحيل إلى حالة خلافية أكثر حدَّة من سابقتها، وبالتالي خوض جولة أخرى من المعارك… وهكذا دواليك!
انظر إلى حروبنا اليمنية (في الشطرين قبل الوحدة، ثم في الدولة الواحدة) ستجد أنها أشتعلت بعد حوار أو جدل بُغية التفاهم والتناغم والاتفاق.. حتى أن الخصوم -في إحدى تلك الحروب- اتفقوا مبدئياً وأخلاقياً على عدم اللجوء إلى السلاح في حل الخلاف بينهم، بل اعتبروا من يطلق الرصاصة الأولى مداناً بالخيانة العظمى بالضرورة. وحين صحونا صباح يومئذٍ على حرب ضروس، لم نجد إجابة شافية عن السؤال الضروري: من الذي خان؟
والأمر ذاته -الحوار أولاً كمقدمة للحرب تالياً- حدث في حرب صيف 1994 بعد حوار أسفر عن وثيقة عهد واتفاق كانت يومها من أفضل مخرجات العقل السياسي اليمني، ثم انقلاب 2014 واستيلاده لحرب 2015 بعد حوار وطني شامل ، ثم وثيقة سلم وشراكة التهمتها النيران قبل أن يجف حبر التوقيع عليها من الأطراف كافة!
ومنذ هذه اللحظة ، احذروا أية دعوة لعقد حالة حوار لانهاء الأزمة اليمنية القائمة اليوم ، أي انهاء حالة الحرب تحديداً ، فمثل هذه الدعوة لن تكون سوى مسرحية هزلية هزيلة أخرى لانتاج حربي ضخم مشترك بين أطراف هذا الحوار المزعوم … احذروا عليكم اللعنة !
ما حيينا ، لن نفهم والله أن الحوار ضرورة لمنع الاحتراب ، وليس العكس . فاذا أردت أن تشعل حرباً ، أعد لها حواراً بمؤتمر أو ملتقى أو حتى مقيل .