تقارير وتحليلات

مَن يقود المعركة الأميركيّة ضد الصّين؟

كتب / مارك مجدي

بعد فرض رسوم جمركية على جميع السِلَع الصينيّة المُستوردة من الولايات المتحدة خلال الأعوام السابقة، يستعدّ دونالد ترامب لتحدّي بكين مرة أخرى. هذه المرة لم يعد الخلاف فقط حول السّيطرة على التجارة العالمية، بل حول وباء عالمي.

في 27 نيسان/أبريل الماضي فرضت الإدارة الأميركية قيوداً جديدة على صادِرات السِلَع الاستراتيجية إلى الصّين، بما في ذلك مكوّنات الطّائرات، ومواد كثيرة مُرتبطة بأشباه الموصلات، وأيّ من السِلَع التي من المُمكن أن يُساعد دخولها بطريقةٍ غير مباشرة في الصناعات العسكرية.

 ألقت الولايات المتحدة عدَّة اتهامات على الحزب الشيوعي الصيني الحاكِم، كإخفاء الوباء في المرحلة الأولية، وإخفاء المصدر الحقيقي لانتشاره، والتلميح إلى تسرّب مُحْتَمَل للفيروس من مختبر ووهان، وإجبار الأطباء الذين طالبوا برفع حال الطوارئ على التزام الصمت، وصولاً إلى إبلاغ منظمة الصحة العالمية عن انتشار وباء خطير في وقتٍ مُتأخّر، والتستّر على العدد الحقيقي من المُتوفّين والمُصابين في الصين.

هذه الاتهامات تمّ الردّ عليها بتلميحاتٍ مُماثِلة من قِبَل الصين، إذ لمَّح المُتحدِّث باسم الخارجية الصينية، زهاو ليجيانغ، عبر تغريدة على موقع التواصُل الاجتماعي “تويتر”، إلى إمكانيّة أن يكون الجيش الأميركيّ أحضر الفيروس إلى ووهان، وطالب الولايات المتحدة بالتحلّي بالشفافية.

يوم 29 نيسان/أبريل 2020، نشرت صحيفة “washington post” تقريراً عن شخصيّةٍ سياسيةٍ ترسم وتشكّل تصريحات الرئيس ترامب وتحرّكاته في مواجهة الصين، على غِرار انتشار وباء كورونا، وهو نائب مُستشار الأمن القومي، ماثيو بوتينغر، الذي كان يعمل مُراسلاً قبل 20 عاماً لوكالة “رويترز”، ثم لصحيفة “Wall Street Journal” في الصين، حيث سنحت له الفرصة لتغطية أخبار وباء السارس آنذاك.

في أحد مقالاته عام 2005، كتب عن قصّة القبض عليه من قِبَل الشرطة الصينية، حيث ألقى ملاحظاته الصحافية في المرحاض خوفاً من الشرطة، وذكر أنه تمّ الاعتداء عليه من قِبَل أحد أفراد الأمن في مقهى “ستاربكس” في بكين.

من الواضح أن عداء هذا الرجل للصين له تاريخ طويل، والآن هو الرجل الذي يُخطّط في واشنطن لاستراتيجيات جديدة لمواجهتها. ترك بوتينغر الصحافة في العام نفسه الذي انضمّ فيه إلى سلاح مُشاة البحرية الأميركية، حيث خدم في العراق وأفغانستان كضابط استخبارات.

وقد وصف بوتينغر الرئيس الصيني شي جين بينغ بأنه يأخذ النظام الاستبدادي في الصين نحو “شمولية” أكثر خطورة، ساعياً إلى تطبيق ضوابط على الطريقة الأورويلية (نسبة إلى جورج أورويل) على أغلب جوانب المجتمع.

وفي إحدى المقابلات لهربرت رايموند مكماستر، مُستشار الأمن القومي الأسبق لدونالد ترامب، تحدّث مكماستر واصفاً دور بوتينغر في الإدارة الأميركية بأنه دور محوري للتحوّل الكبير في السياسات الخارجية للولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب البارِدة في نهج التنافُس مع الصين.

حثّ بوتينغر ترامب وأعضاء آخرين في الإدارة الأميركية على البدء باستخدام مُصْطَلح “فيروس ووهان” أو “الفيروس الصيني”، وهو ما قاموا به بالفعل. ومنذ بداية الأزمة، أدى بوتينجر دوراً مهماً لتوطيد فكرة أن القادة الصينيين أخفوا مسؤولياتهم عن انتشار الوباء، وقاموا بنشر أخبار مُضلّلة لإلقاء أخطائهم على الآخرين. وكان من أول الداعمين لعدّة مبادرات، بدءاً من مَنْعِ الرحلات الجوية إلى الصين، وخفض التأشيرات للصحافيين الصينيين المُتّهمين بنشر أخبار مُضلّلة، وصولاً إلى وقف التمويل لمنظمة الصحة العالمية. وأيضاً هو أحد الأطراف التي تقوم بالضّغط على الاستخبارات الأميركية للعثور على أدلّة على أن سبب تفشّي وباء كورونا نشأ بسبب حادث في مختبر الفيروسات في ووهان.

وعن الأخبار المُضلّلة التي تحدّثت عنها الإدارة الأميركية مؤخراً، نشرت صحيفة “New York Times” الأميركية، نقلاً عن 6 مسؤولين يعملون في قطاعات استخباراتية أميركية، أن عملاء صينيين ساعدوا على نشر رسائل تُثير الذُعر من فيروس كورونا في الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وازدادت حدّة هذه الرسائل منذ مُنتصف آذار/مارس 2020.

وبحسب تصريحاتهم، فإن “الصين بدأت حملة تضليل في الولايات المتحدة بتقنية غير مسبوقة، تتمثّل في إرسال رسائل إنذار مباشرة إلى الهواتف المحمولة”، من خلال “SMS” و”WhatsApp” وغيرها من البرامج ومواقع التواصُل الاجتماعي، وأن كل هذا يسير وفقاً لخطّة استراتيجية وضعتها بكين لانطلاق “حملة عالمية” من المعلومات المُضلّلة.

من الأمثلة التي ذكرتها صحيفة “نيويورك تايمز” كانت عن أخبار مُزيّفة في مُنتصف آذار/مارس، مفادها أن “دونالد ترامب كان ينوي حماية البلاد بأكملها”، من خلال نشر “عسكريين في الشوارع لتجنّب النَهْب والاضطرابات”.

ويبدو أن الرسالة وصلت إلى نطاق واسع، إلى درجة أن وزارة الأمن الداخلي الأميركية اضطرت إلى تكذيب هذه الأخبار عبر قنواتها الرسمية من أجل تجنّب الفوضى الكاملة بين السكّان.

ومثال آخر من هذه الأخبار المُزيّفة، أن “مصادر صينية رسمية” تنظر إلى فرضيّة أن فيروس كورونا “أطلقه” بعض الجنود الأميركيين الذين شاركوا في أكتوبر/تشرين الأول في الألعاب العسكرية التي تقام في ووهان.

 وعلى صعيد آخر، يشعر بعض ضبّاط الاستخبارات الأميركية بالقلق بشكلٍ خاص إزاء المعلومات “المُضلّلة”، بحسب تعبيرهم، التي تستهدف الشعوب الأوروبية، والتي توطّد فكرة القطيعة بين الدول الأوروبية خلال الأزمة، وتُشيد بالمُساعدات الصينية.

هناك أيضاً حليف بارز لبوتينغر، وهو المُستشار التجاري بيتر نافارو، مؤلّف كتاب “The Coming China Wars”  أو “حروب الصين القادمة” في العام 2006، الذي يشرح في هذه الكتاب كيفيّة صعود الاقتصادي الصيني، وتأثيره السلبي في الاقتصاد الأميركي من خلال اقتحام الأسواق الأميركية، حيث حذَّر من إمكانية نشوب حرب تجارية مع الصين، بل وربما عسكرية في المستقبل.

وقد شارك أيضاً في تأليف كتاب “Death By China” أو “الموت بواسطة الصين” في العام 2011، وحذّر فيه من سياسات الصين التجارية المُهدّدة للاقتصاد والبيئة، وهو من أهم الكتب التي أثارت إعجاب رجل الأعمال دونالد ترامب آنذاك، وربما يكون أحد الدوافع لاختيار نافارو من ضمن صفوف مُستشاري حملته الانتخابية، إذ اتفق الاثنان على أن الحل الوحيد للضغط على الصين عالمياً يكمُن في فرض تعريفات جمركية على البضائع الصينية الوارِدة إلى الولايات المتحدة.

صرَّح نافارو أثناء مقابلة خاصة على “Fox News”، الشهر الماضي، بعدّة اتهامات للصين، أولها حصار سوق معدّات الحماية الشخصية الطبيّة خلال تفشّي الفيروس ومنع تصديرها إلى العالم. وخلال الأسابيع الستة الأولى لانتشار الفيروس، استغلّت الصين نفوذها في منظمة الصحة العالمية لإخفاء الفيروس، إذ كان من الممكن احتواء انتشار الفيروس في ووهان في هذه الفترة.

وعلى النقيض، بحسب قوله، خرج الملايين من ووهان، وقاموا بنشر الفيروس حول العالم. وتحوَّلت الصين في هذه الفترة من مصدر كبير لإنتاج المعدّات للحماية الشخصية الطبية وتصديرها، إلى مستورد لهذه المعدّات، إذ قاموا بتفريغ جميع معدّات الحماية الشخصية الطبية تقريباً من جميع أنحاء العالم، ما تسبَّب في عجز أغراض الحماية الطبية في مدن مثل نيويورك وميلانو.

ويتّفق مع هذه الاتهامات أيضاً وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، الذي استخدم مُصْطَلح “فيروس ووهان” من قبل. وقد صرّح في حديث إلى شبكة “ABC”، الأحد الماضي، عن وجود “أدلّة ضخمة” تشير إلى أنّ مختبر ووهان هو مصدر فيروس كورونا، وأنّ الحزب الشيوعي الصّيني لم يتعاون منذ البداية، بل قام بكل ما بوسعه لضمان عدم معرفة العالم بما يجري في الوقت المناسب، وأكّد أن هناك الكثير من الأدلّة على هذه الاتهامات.

لدى بوتينغر ونافارو وبومبيو نفوذ وتأثير كبيران داخل الإدارة الأميركية، وهناك أيضاً فريق له توجّهات مختلفة للتعامل مع هذه الأزمة، وهم يميلون إلى خلق فُرَص أكثر للتعاون مع الصين، مثل جاريد كوشنير صهر ترامب ومُستشاره، والمُستشار الاقتصادي لاري كودلو، ووزير الخزانة ستيفن منوشين، فهؤلاء لديهم قلق كبير إزاء العواقب الاقتصادية والسياسية لهذه المعركة، لكن من الواضح أن الفريق الأول سيتصدّر المشهد في الأيام والشهور القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى