سوء إدارة مراكز العزل بساحل حضرموت
حضرموت – وليد التميمي
“توفي والده وأدخل المحجر أربعة من الأبناء منهم محمد، ثم توفي عمه والد زوجته وهو بالمحجر، ثم أمه وهو بالمحجر، والآن توفي هو. لا حول ولا قوة إلا بالله”.
هذه الكلمات نشرها التربوي والرياضي الراحل عادل أحمد القحوم، في رسالة موثقة بتطبيق “واتساب”، قبل أكثر من عام، في معرض حديثه عن مأساة أسرة آل الحامد في المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، شرق اليمن.
كان عادل حينها يخشى على نفسه وعلى عائلته من تفشي فيروس كورونا في مدينة المكلا، بعدما أصيبت عائلة آل الحامد بالفيروس، وتوفي منهم 7 أشخاص.
لم يكن يدور بخلد عادل أنه هو وشقيقته المعلمة فائزة سيتوفاهما الله بالعدوى بكورونا، داخل مركز العزل في مستشفى ابن سينا، في حادثة شغلت الرأي العام، ووجهت أصابع الاتهام إلى إدارة المركز والمستشفى ومكتب الصحة بتعرضهما للموت بالإهمال.
تتصدر حضرموت قائمة كورونا في الإصابات والوفيات بـ3497 إصابة مسجلة، و858 وفاة، من إجمالي عدد الإصابات بالعدوى في المحافظات الواقعة تحت سلطة حكومة الرئيس عبد ربه هادي البالغ 9.111، والوفيات 1.729، حتى 2 أكتوبر الجاري. ما يعني أن حضرموت وحدها تشكل ما نسبته نحو 50% من إجمالي الوفيات بالفيروس المسجلة لدى وزارة الصحة في عدن.
المعلومات الميدانية التي جمعها معد هذا التقرير، تظهر أن سوء إدارة مراكز العزل في ساحل حضرموت يأتي على رأس أسباب ارتفاع عدد الوفيات في حضرموت. فبحسب حديث أحد الأطباء الذين تركوا العمل في مركز العزل احتجاجًا على سوء الإدارة، فقد تم استبدال الطاقم المستقيل بطاقم ليس له خبرة في إدارة حالات العدوى، مما تسبب في موت حالات مرضية في الحجر الصحي. لكن مسؤولي مكتب الصحة في المكلا ومكتب محافظ حضرموت تجاهلوا الرد على أسئلة المشاهد.
وقال طبيب عمل في أحد مراكز العزل بعدن فضل عدم ذكر اسمه، إن زيادة وفيات حالات كورونا في حضرموت قد تعود إلى قوة الرصد للحالات بخلاف المحافظات الأخرى. فبين مأساة آل الحامد وفاجعة آل القحوم، طابور طويل من الضحايا، لكن كليهما من أكثر الأسر التي خطف الوباء أرواح عدد كبير منها. 7 أشخاص من آل الحامد توفوا بكورونا، في فترة وجيزة، ما بين مايو ويونيو 2020.
ويوضح مصدر مقرب من الأسرة أن أول من أصيب بالوباء هو ابن محمد الحامد الذي كان يعاني من حمى شديدة، وتجاوزها بسلام، ثم أدخل والده الحجر، تلاه شقيقه شوقي، وقد أسعفهما شقيقهما صادق الذي أصيب بالفيروس أيضًا، ولكنه نجا واستقرت صحته.
نُقل محمد بعد إصابته بالحمى، من مستشفى ابن سينا إلى مركز العزل بفلك، لكنهم رفضوا استقباله لعدم وجود إشعار مسبق، ثم تمت إعادته إلى منزله، وأبلغ حينها بأنه غير مصاب بكورونا، فأشرق وجهه بالنور، وبدأ بالتحسن التدريجي، ولكن في اليوم التالي اتصلوا به ليخبروه بإصابته بكورونا، فانهار معنويًا وجسديًا.
المصدر ذاته يروي كيف تعرض هو للإصابة بالعدوى، ونقل برفقة ثلاثة من آل الحامد إلى المحجر في فلك، حيث تدهورت صحة محمد. وحين حاول محمد إقناع الأطباء بضرورة عرضه على طبيب المسالك البولية، رفضوا بحجة صعوبة النقل إلى مستشفى ابن سينا، حتى مات جراء تأثر كليتيه بالإصابة بالفيروس، واحتياجه لغسيل كلى سريع.
ويقول المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه خوفًا على حياته: بعدها توفي شوقي لانفجار الشرايين بضخ الأوكسجين بجرعة أكثر من اللازم، لعدم وجود متخصص فني لضبط معيار الأوكسجين.
وأكد أن محمد وشوقي توفيا نتيجة الفشل في إدارة حالتهما في مركز العزل، وهروب أهل الاختصاص، لخوفهم من الإصابة بالعدوى، وتقاعس السلطة المحلية في تأمين مستلزمات الوقاية من الفيروس.
ماذا يجري في مراكز العزل؟
وإذا كانت أسرة آل الحامد خسرت سبعة من أفرادها في معركتها غير المتكافئة مع كورونا، والإهمال في مركز العزل بفلك، فإن مصير أسرة آل القحوم لم يكن مختلفًا، في مركز ابن سينا. فقبل موت فائزة وعادل، توفي والدهما التربوي الرائد أحمد عوض القحوم، دون معرفة ما إذا كان مصابًا بكورونا أم لا، لكن الثابت أنهما قضيا بالفيروس.
ويروي طبيب سابق في مركز العزل ما جرى بداخله منذ أن قدم الأطباء المقيمون استقالاتهم، وأصبح وضعه صعبًا، بعد أن قررت السلطة المحلية عدم دفع مستحقاتهم، واستدعاء أطباء من المستشفى العسكري لتغطية المناوبات لفترة حوالي أسبوع، ثم توقفوا، لأنه لم يكن لديهم خبرة في إدارة حالات مرضى كورونا.
وتكررت الاستقالة للطاقم الطبي العامل في مركزي العزل مرتين، كانت الأولى في يوليو 2020 عندما قدم 19 طبيبًا استقالتهم، تبعتها استقالة أخرى في أبريل من العام الجاري.
لاحقًا، تم استقدام دكتور جراح يناوب في القسم، اسمه “ر.ب”، وهو أيضًا ليس لديه خبرة في إدارة مركز العزل، وهو نفسه كان المناوب في يوم إسعاف عادل القحوم، واستغرب حينها صديق مقرب من القحوم، هو “ي.ب”، من قبول ذلك الطبيب، كجراح، أن يعمل في مكان غير مكانه، وفي صباح اليوم التالي توفي عادل.
يقول الطبيب السابق في المركز إن الوضع بداخله مزرٍ، بخاصة بعدما استدعي طلاب من كلية الطب للمناوبة، وهم لم يكملوا دراستهم، مؤكدًا أنه تم إيقاف “ر.ب”، دون توضيح ما إذا كان قد أحيل إلى التحقيق أم لا.
وأوضح مصدر طبي أن المرضى يدفعون ضريبة فشل السلطة المحلية وفساد مكتب الصحة في إدارة مراكز العزل، “فمدير مكتب الصحة متخصص في العلاج الطبيعي، يرفض منح الأطباء مستحقاتهم كاملة، ومدير مركزي العزل في الفلك وابن سينا متقاعد، وهو فني أشعة، وكأن البلاد لا يوجد فيها كوادر متخصصة”.
طبيب قدم استقالته من إدارة مركز العزل، اعتبر أن الوضع الصحي بشكل عام مزعج في حضرموت، وهو ناتج عن تبعات غياب هيبة ومقومات الدولة. وبرر تنحيه “لأن الإمكانيات محدودة، ومهما تعمل لن تقدر”.
وقال: “طاقم العزل من أطباء وتمريض يعملون كخلية النحل، من غير أي اهتمام أو تقدير لهم، وآخر راتب صرف لهم شهر يونيو، ومعظم من رافق المرضى لا يوصل صوت الطاقم إلى السلطة، وإنما أحيانًا يكون ضدهم”.
وعما جرى للراحل القحوم قال: “لست متأكدًا من التفاصيل، لكن هناك شكوى بتعرضه للإهمال من الطبيب المناوب”، وذكر أن “الحالة كانت تعاني من كورونا مع وجود خثرة بالرئة، وحدها بحسب شدتها خطرة جدًا على الحياة، لأنه ينتج عنها فشل بالقلب إذا كانت شديدة، ووفاة مفاجئة إذا كان معها انسداد تام، زد على ذلك أنه كورونا، ولو يوجد مركز متقدم محتاج تدخله عملية مستعجلة”.
وأكمل: “أما بالنسبة لأخته فقد أشرفت على علاجها حين أضرب الأطباء وهم يطالبون برواتبهم المتأخرة، وكانت حالتها سيئة، وكانت دكتورة قريبتها ملازمة لها طول مدة ترقيدها وتوقف قلبها، وتم إنقاذها بحضوري، وتكرر ذلك عدة مرات لسوء حالتها الصحية، وليس للإهمال، حتى توفيت يرحمها الله”.
لكن شكوى تقدم بها طبيب مقرب من أسرة القحوم إلى مستشار محافظ حضرموت الصحي، الدكتور عبدالقادر بايزيد، تعارضت مع وجهة نظر المسؤول المستقيل من إدارة المركز.
ووصف طبيب الأسرة وفاة ابنها عادل “بالكارثة، التي دفع ثمنها لوجود فساد إداري وعبث في النظام، في ظل وجود دكتور يشرف على حالتها في العزل متخصص ماجستير جراحة، لا يفقه بالباطنية شيئًا، ناهيك عن العناية والحالات الحرجة”.
وحملت الأسرة مدير المستشفى الدكتور شيبان المسؤولية لأنه سمح لطبيب جراح بإدارة المركز والحالة تعاني من انسداد في الرئة.
وأكد أن “ر.ب” رد بكل برود على استغراب أسرة القحوم من وجوده في المناوبة أثناء إسعاف عادل، بأن “الأمر عادي، هو بروتوكول واضح وننفذه”.
واعتبر ما يحدث داخل المركز بـ”الجرائم”، وألمح إلى احتمالية “رفع أسرة القحوم قضية بالواقعة، حتى يتم إيقاف المهزلة وإحقاق الحق ووضع المتخصصين في أماكنهم”.
المخرج عبدالهادي التميمي، صديق الراحل عادل القحوم، هو الآخر يدعم موقف الطبيب المقرب من أسرته بمحاسبة من أهملوا وقصروا في معاينة حالته، ما أدى إلى وفاته.
وقال التميمي، إن من يناوب في العزل “متخصص جراحة وليس باطنية، قبل أن يكون طبيبًا مناوبًا في المركز من أجل الحافز، وقد أسهم في قتل مريض يحتاج إلى علاج بسيط”.
وأكد “أن من يدير العزل فني أشعة، وهو يتحكم في العاملين بداخله ويرهبهم لأنه يتمتع بحصانة من مدير المستشفى”. وأوضح أن “قيادة مكتب وزارة الصحة في ساحل حضرموت، تنوي إقالة قيادات في المستشفى وإيقاف “ر.ب” عن العمل، لامتصاص النقمة الشعبية ضدهم بعد موت القحوم”.
وفقًا لمعلومات خاصة، فإن شخصًا مقربًا من أسرة القحوم اتصل بوكيل المحافظة للشباب فهمي باضاوي، الذي كلفه المحافظ فرج سالمين البحسني بإدارة ملف الصحة، رغم عدم تخصصه، وأبلغه بأنه لا يوجد طبيب اختصاصي يداوم في مركز العزل، فأجاب بأنه سيتم “تركيب كاميرات مراقبة لمعرفة من يداوم ومن يتغيب”، وكأنه لا يدري أن الأطباء الاختصاصيين توقفوا عن المناوبة في المركز بعد رفض صرف السلطة المحلية لمستحقاتهم المالية منذ عدة أشهر.
كادر وحدة التشخيص الجزئية والمناعية يهددون بالإضراب
ومؤخرًا، لوَّح عمال وحدة التشخيص الجزئية والمناعية (تعتبر أول وحدة تشخيص لفيروس كورونا في البلاد)، بالإضراب، بعدما قرر وكيل محافظة حضرموت الشباب والرياضة، فهمي باضاوي، إيقاف صرف حوافز طاقم الوحدة.
التوجيه نص على “ضرورة تخفيض حوافز الطاقم، دون أي مبررات، وهو ما جعلهم يلوحون بالإضراب وتعطيل الوحدة المرتبطة بمكتب الصحة، وتتولى الفحوصات الكاملة لأمراض الفيروسات، والتشخيص للجميع، والترصد الوبائي للمسافرين”.
وأكد مصدر خاص في الوحدة أنها أصبحت “مؤسسة إيرادية، تفحص ما بين 80 و200 حالة، من 6 صباحًا إلى 12 ليلًا يوميًا”. مشيرًا إلى أن قيمة فحص كورونا في الوحدة للطالب الجامعي 19.000 ريال، والمريض 19.000، أي قرابة 20 دولارًا، والمسافر المرافق معه أو أي مسافر 29.000 ريال، أي حوالي 30 دولارًا، وحامل الجواز غير اليمني 39.000 ريال، قرابة 40 دولارًا، وأقل يوم تورد ما بين مليون ونصف مليون ريال و5 ملايين ريال، أي ما يقارب 5 آلاف دولار.
وأوضح المصدر أن “طاقم الوحدة يداوم يوميًا من الساعة 6 صباحًا حتى 12 ليلًا، براتب 32 ألف ريال لخريج الثانوية، و41 ألفًا للبكالوريوس، بينما الحوافز للفني 400 ألف، والإداري 200 ألف، ومدير الوحدة 650 ألفًا”.
وقال: “العمل في الوحدة منتظم، في انتظار ما بعد توجيه باضاوي بإيقاف صرف الحوافز”. مشيرًا إلى “تحفظ الوكيل الأول في المحافظة عمرو بن حبريش، على التوجيه، الذي صدر مع خروج التظاهرات في مدينة المكلا ومعظم حضرموت، احتجاجًا على تدهور الخدمات في المحافظة، في انتظار التوقيت المناسب لتمريره”، بحسب المشاهد.