الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

الرأي العام يحاكم قتلة السنباني في عدن

حيروت – عدن

“أنا يمني… لماذا تحققون معي؟”، كانت هذه الكلمات جزءاً من التفاصيل التي خرجت عن الحادثة الأليمة التي تصدرت اهتمامات الرأي العام اليمني، إذ أطلقها الشاب اليمني المغدور به عبدالملك أنور السنبناني، ضمن ملابسات انتهت بمقتله على أيدي أفراد نقطة أمنية تتبع القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي جنوب البلاد. الجريمة سلطت الضوء مجدداً على الممارسات التعسفية وانتهاكات القوات والميليشيات متعددة الولاءات، بحق المدنيين.

وكتبت صفية مهدي لموقع درج، أنه إلى ما قبل ساعات من وصوله إلى بلاده، عبر مطار عدن الدولي، كان عبدالملك أنور الشاب العشريني، يوثق لحظات فرحه بالعودة إلى الوطن بعد سبع سنوات أمضاها في الولايات المتحدة الأميركية، ليقرر أخيراً العودة لعناق والدته التي أبكت لاحقاً مئات آلاف اليمنيين، وهي تسأل عما حل بابنها، الذي تأخر عن موعد الوصول. وكجميع اليمنيين المحرومين بإغلاق معظم المنفذ الجوي الأهم المتمثل بمطار صنعاء الدولي، فإن الجزء الأصعب في رحلته يبدأ من لحظة الوصول إلى مطاري عدن أو سيئون جنوب البلاد وشرقها، ليبدأ الرحلة المحفوفة بالمخاطر بالتنقل ساعات طويلة تمر بعشرات حواجز التفتيش.

السنباني وهو العائد تواً من سنوات الغربة، استقبل بالممارسات التعسفية، التي يواجهها المسافرون في نقاط التفتيش الأمنية. وبعد عشرات الكيلومترات هي الفاصل بين عدن ومنطقة “طور الباحة” في لحج، وقف أمام النقطة التي أثارت الشبهات بشأنه. وعلى رغم من تفتيش أغراضه واستعراض وثائقه الشخصية، إلا أن أفراد النقطة التابعة للواء التاسع- صاعقة (الموالي للانتقالي)، أصروا على التحقيق معه. وهو ما واجهه بالرفض مردداً “أنا يمني… لماذا تحققون معي”، وفقاً للرواية المسربة لسائق سيارة قدم تفاصيل حول الملابسات التي انتهت بمقتل الشاب.

وبصرف النظر عن التفاصيل التي ما زال الغموض يلفها، أحدث الخبر عاصفة من ردود الفعل الساخطة، من بشاعة الحادثة وما تسرب من معلومات وتسجيلات بشأنها، علماً أنها ليست استثناء، لكنها الأحدث في سلسلة الانتهاكات والممارسات التعسفية التي يواجهها اليمنيون يومياً، خصوصاً أثناء الانتقال بين مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين) ومناطق سيطرة “الانتقالي الجنوبي” والقوات الحكومية المعترف بها دولياً.

وفي هذا السياق، سلطت القضية الضوء مجدداً على إغلاق مطار صنعاء منذ سنوات، باعتبار أن الضحية- عبدالملك، الذي يسكن في العاصمة صنعاء، اضطر للمرور عبر عدن، بسبب إغلاق مطار المدينة، وهو واحد من كثيرين يجبرون على قطع مسافات طويلة من مطاري عدن أو سيئون حضرموت وإليهما.

هذه الرحلة إضافة إلى التكاليف والخطورة التي تشكلها خصوصاً على حياة المرضى المضطرين للعلاج خارج البلاد، قد تنتهي بالموت، كما هو حال السنباني، وفي مرات أخرى بالاعتقال وصنوف الانتهاكات من هذا الطرف أو ذاك.

قضية رأي عام
كما هو حال عدد محدود من القضايا، التي أثرت فيها المشاهد المسربة لتجعل منها قضية رأي عام، مثل قضية الشاب عبدالله الأغبري التي انتهت بإعدام قاتليه مؤخراً، يمثل تفاعل اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي مسألة محورية في محاولة البحث عن إنصاف ضحايا الانتهاكات.

وعلى رغم أن شبكات مثل “فايسبوك” و”تيك توك”، لا تزال الأوسع انتشاراً يمنياً، بدا التفاعل ملحوظاً على موقع “تويتر”، حيث رصد “درج”، أكثر من 11500 تغريدة مزيّلة بهاشتاغ “#عبدالملك_السبناني في 10 و11 أيلول/ سبتمبر، وأكثر من من 9 آلاف و300 إعادة تغريد من 665 حساباً. وتركزت الآراء على إدانة الجريمة والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عنها، وصولاً إلى توجيه انتقادات لـ”الانتقالي”.

ضحية الانقسام
يقول الإعلامي فخري العرشي والذي عرف السنباني شخصياً، إنه “ضحية الظروف الأمنية السيئة والانقسام الحاد في اليمن”، مشدداً على دور “الرأي العام المندد بالجريمة النكراء التي استهدفته كما استُهدف الكثير من الأبرياء في اليمن، بدواعي التشكيك أو الخيانة الوطنية أو كيل التهم للأفراد بصورة مناطقية لا ترتقي إلى مستوى الصدقية أو الآدمية في التعامل الإنساني”. وأكد أنها “قد تحدث أثراً في معالجة قضايا مخلة وقد تسمح بتغيير الحال ومسار المسافرين بصورة أفضل”.

ويضيف: “عرفت عبدالملك انور السنباني في أواخر عام 2016، عندما انضم للعمل الطوعي والتدريبي كمصور صحافي في صحيفة (يمن اوبزرفر)، وقد عُرف بحبه للعمل ولمن حوله، كان ودوداً سريع التعلم طموحاً، ويحمل أفكاراً إيجابية، على رغم صغر سنه في تلك الفترة”.

فيض من غيض
الناشط اليمني عادل الحسني، أشار إلى أن السبناني كان ضحية “عصابة تنتمي للمجلس الانتقالي”، المدعوم من الإمارات، طمعاً بالمال، “عذبوه حتى فارق الحياة”، ويضيف “هذا يضعنا أمام صورة سوداء تدور في المناطق التي يسيطر عليها التحالف السعودي- الإماراتي”.

وفيما يشدد الحسني على طبيعة القوات الموالية للانتقالي “تحت مسميات الحزام الأمني والنخبة والصاعقة والعاصفة”، مشيراً إلى أنها “لا تخضع لوزارة الدفاع أو وزارة الداخلية ولا للدستور اليمني ولا للقانون اليمني ولا للعلم اليمني”، يرى أن جريمة قتل السنباني ما هي “إلا فيض من غيض وواحدة من آلاف الحالات التي حصلت في عدن وفي لحج وأبين وشبوة وفي حضرموت”.

إدانة ولجنة تحقيق الانتقالي
“المجلس الانتقالي” من جانبه، ووسط موجة ردود الفعل، أعلن عن تشكيل لجنة تحقيق في “ملابسات”، ما تعرض له السنباني، وقال في بيان نشر على موقعه إن رئيس المجلس عيدروس الزبيدي وجه أيضاً بـ”توقيف أفراد النقطة المعنية وإحالتهم إلى المساءلة أمام الجهات المختصة في النيابة العسكرية”، كما شدد على أن “القوات الجنوبية تدين بأشد العبارات ما تعرض له”، وترفض “أي إجراءات خارج القانون”.

يشار إلى أن عبدالملك السنباني، مواليد عام 1990، غادر اليمن عام 2014 للدراسة خارج البلاد، وعمل مصوراً مع صحيفة “يمن أوبزرفر”، الناطقة بالإنكليزية والتي يملكها ابن عمه، الصحافي فارس السنباني. وتشير بعض المصادر، منها رواية السائق المثيرة للجدل، إلى أن ظروفه النفسية لعبت دوراً في مفاقمة التوتر مع أفراد النقطة، وتتباين المعلومات الأولية، بين أنباء عن إصابة بطلقة نارية على الأقل، وبين أخرى مفادها أنه قتل نتيجة تقييده في “بودي الطقم”، أو في المركبة العسكرية التي نقلته إلى مقر قيادة القوة بعدما انهار وسقط على الأرض مرتين خلال الموقف. وحتى لحظة تحرير هذا التقرير، لم تتوفر أي رواية رسمية موثقة بشأن ملابسات الجريمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى