ماهي الأسباب لوجود الطاقة المستأجرة بقلم| حاتـم عثمان الشَّعبي
بقلم| حاتـم عثمان الشَّعبي
يؤسفنا بأننا دائماً نعزف على وتر ماضينا الجميل حيث كنا أول من أدخل السينما وأول من فتح التلفزيون والإذاعة وأول من كان لديه محطات كهرباء وأول… وأول… وأول… طبعاً على مستوى الشرق الأوسط والوطن العربي وننسى المقولة التي نقولها لفلذات أكبادنا تشجيعاً لهم بأن يشقوا طريقهم ويبنوا مستقبلهم بالعلم والمعرفة وتعلم المهارات وصقل شخصياتهم والتزامهم بدينهم وفهم سنة رسولنا الكريم محمد ﷺ والتي تقول ليس الفتى من يقول كان أبي ولكن الفتى من قال ها أنا ذا.
ولكننا للأسف لم نتعلمها نحن كآباء في بناء دولتنا وتحصينها وسد كافة الثغرات التي نرى منها الكثير والتي ربما ستغرقنا جميعاً لنكون اللعنة التي سيلعننا بها أحفادنا لأننا لم نترك لهم دولة ولا حتى جزء من مقومات الدولة بل تركنا لهم أطلالها.
فهل هذا يعني بأننا دمرنا ما كان موجود والذي كان موجود هل هو عبارة عن أساس متين للدولة بالحقيقة للأسف لم نعرف ما معنى الدولة سوى من خلال ما كان يحدثنا به آباؤنا ومن الصور التي نراها هنا وهناك وبعض المقاطع التلفزيونية وما تم تدوينه من قبل المستعمر الذي تركها وكإنها قطعة من بلده.
في منتصف الأسبوع الماضي كنت مع صديق فقال لي ما رأيك نشرب ليم بارد وكان الوقت بالظهر فأوقفنا سيارته بالشارع الرئيسي بعد نزلة العقبة ودخلنا من إحدى الطرق الفرعية مشياً على الأقدام ليخبرني بأن هذا المبنى كان سجن وهذا المبنى وبنفس التصميم موجود في لندن ومومباي والطرق بنفس المساحات والإتجاهات وهذا محل الساعات ذات الماركات العالمية وهذه صيدلية تعمل على مدار الأربعة وعشرون ساعة وأي علاج تبحث عنه لن تجده سوى بأرففها وهذه مقهاية زكو يجتمع بها كل شرائح المجتمع ليتبادلو الحديث وكان أمامها حواجز خشبية تتميز بها وهذا محل ابو الليم والزنجبيل الذي حافظ على مكانة ومذاقة رغم مرور عقود من الزمن وتجد الناس يتوجهون إليه من كل إتجاه.
وبعدما بردنا على قلوبنا لأفتح عيناي وأستعيد نشاطي وأركز وأتخيل كل ما قاله لي صديقي من كلام وأقارنه كيف كان بذاك الزمان من ترتيب وتنظيم ونظافة وسلوك وقانون يطبق على الكبير والمسئول قبل الصغير والمواطن بسبب ذلك شيدت الدولة وظهرت معالمها وقامت أركانها ولكن بعدما خرج المستعمر رافعاً رأسه بدأت مقومات الدولة بالإختفاء والتغير والإنحلال وكأنه لم يكن لها وجود فهل كان سراب والمشهد الذي عشناه ورأيناه غير حقيقي.
لنصل لتوابع إختفاء الدولة فلم نبني أو نشيد أي مشروع جديد ولم نحافظ على القديم والمتهالك حتى نتفاجأ بطريقة جديدة لتفريغ الدولة من مقوماتها والتي استخدمت في أهم خدمة يحتاجها الوطن والمواطن ألا وهي توليد الطاقة الكهربائية بدءاً من عدم بناء محطات كهربائية جديدة أو قيام الدولة باستئجار محطة توليد كهربائية عائمة بالبحر من شركات عالمية لفترة زمنية محددة ولكنها قامت بطريقة لا تخطر على بال أحد لديه “ضمير حي” واستأجرت محطات كهربائية تم بناؤها على الأرض من قبل القطاع الخاص فمن الذي سمح لهم بإنشائها وإذا الظروف هي من أجبرتنا على ذلك فلماذا لم تكن فترة السماح لهم بالعمل محددة وتعود ملكيتها للدولة والعديد من الأسئلة…؟! ولكن لن نجد إجابة عليها والحقيقة أنه كما نسمع المواطن البسيط بكل شارع وحافة يقول من لديهم السلطة والقرار يتفننون بتعذيب المواطن ليجبر على أن ينسى همومه ويقبل بأقل حقوقه لفترة بسيطة من الزمن لتعود الكرة من جديد ويفقد هذه الحقوق ويتأمل أن يحصل على أي شيء منها مهما صغر حجمه.
ومن خلال معاناة المواطن اليومية فتجده بالحافة والجامع والباص والمقهاية يقول لن نتفاءل ولن نفرح بمحطة الرئيس لأنها لن تعمل وإذا عملت لن تستمر ستة أشهر بالكثير لأن أصحاب المصالح لن يقبلوا بتوقف المحطات المستأجرة عن عملها ويستمر المواطنون بحديثهم ليضعو لنا حلاً وهو تأميم كافة المحطات المستأجرة قبل تشغيل محطة الرئيس وعمل تقييم لها من قبل محاسبين قانونيين عبر شركة محاسبة عالمية لمعرفة قيمتها الحالية مع إضافة كافة المبالغ التي لم تدفع لأصحابها ويتم سدادها لهم بمدة زمنية تكون نصف عدد السنين التي اشتغلت بها على أن تكون القيمة كاملة بسعر الصرف ليوم صدور قانون التأميم لها وبالعملة المحلية وليس بالدولار وهنا ستجد أصحاب المصالح هم من يتجرعون الألم وليس أصحاب المحطات فهل سنجد رجال دولة يرحموا الشعب المكلوم على أمره ونبدأ ببناء دولة تعمل لخدمة المواطن ونعيد ذكريات المستعمر ليس باضطهاده له بل بقوانينه التي تطبق بالحق على الجميع وبناءه للدولة وحفاظه عليها الكرة الآن بملعبنا ولم يتبقى أمامنا سوى صافرة الحكم لتبدأ اللعبة وفق خطة مدروسة مسبقاً.
وكما يعلم الجميع بأن الكهرباء أصبحت هي عصب الحياة الرئيسي الذي إن وجدت توفرت كافة الخدمات وتظهر الإبداعات وتفجر الطاقات لبناء الوطن إنما بما نعيشه اليوم فهذا هو الموت البطيء للتنمية وعدم بناء الوطن قبل أن يكون القبر الذي يدفن من خلاله أبناءه.