مقالات

زومبي.. القائد البرازيلي المسلم الذي شوهته هوليوود

بقلم / نسرين نعيم البرغوثي 
تستخدم كلمة زومبي في الإشارة إلى الموتى الأحياء، أو الجثث المتحركة في أفلام الرعب الأمريكية، والتي تتحرك بفعل عوامل السحر الأسود، وهو كناية عن شخص خيالي نصف ميت ومتحرك، يقوم ببث الرعب في ارجاء المكان، وقد ينقل الأمراض أو يسبب القتل.
وقد ظهر الزومبي لأول مرة في فيلم “ليلة الحي الميت” الذي أُنتج عام 1968. وتلته المئات من أفلام الرعب والخيال العلمي، التي تتخذ من الزومبي ثيمةً لها. بالإضافة لظهورها في عدد من الألعاب كان آخرها في لعبة الببجي. كما أن مصطلح الزومبي موجود في الثقافة الهاييتية وديانة الفودو. حيث تشير إلى موتى أُعيد إحياءهم، من خلال عملية استحضار الأرواح. لكن هل فكرت يوماً من أين أتى هذا الاسم؟
  جانجا زومبي هو قائد أفريقي مسلم أسس دولة إسلامية في البرازيل، وكان له دور كبير في حركة نضال العبيد نحو التحرر. تبدأ حكاية القائد جينجا زومبي مع بداية الاستعمار البرتغالي للبرازيل، والحاجة لأيدي عاملة لبناء المستعمرة الجديدة. فتوجهوا لشواطئ إفريقيا، مثل غيرهم من الدول الأوروبية، لجلب الرقيق واستعبادهم للعمل في المستعمرات.
كانت أفريقيا هي المنبع الذي يستمد منه الغرب العبيد لبناء مستعمراتهم، نظراً لكونها أكبر مستعمرات أوروبا. وقد وصل عدد الأفارقة المستعبدين الذين تم نقلهم إلى أوروبا أو أمريكا اللاتينية إلى عدة ملايين. وفي البرازيل وصل عدد الرقيق الذين تم جلبهم في فترة الاستعمار البرتغالي إلى نصف مليون إفريقي، وفي أمريكا اللاتينية عموماً وصلت أعدادهم إلى ثلاثة عشرة مليوناً. وإن كان هناك بعض المؤرخين يقدرون العدد بأكثر من ذلك بكثير.
ازدهرت تجارة الرقيق في الفترة بين القرن السادس عشر والقرن التاسع عشر. حيث ازدادت الحاجة للأيدي العاملة في فترة اكتشاف الأمريكيتين، من أجل العمل في مزارع البن والقطن والكاكاو وقصب السكر، ومناجم الذهب والفضة، والبناء والتشييد، والخدمة في المنازل، وغيرها. واستطاع بعض العبيد الأفارقة تعليم أسيادهم البيض عدد من المهارات التي لم يكن السيد يعرف عنها شيئاً، خصوصاً في مجالي الزراعة والبناء.
وفي تلك الفترة أصبحت تجارة العبيد أحد أهم عناصر الاقتصاد في أوروبا والأمريكيتين، ذلك الاقتصاد الذي اعتمد على (سواعد السود وعقول البيض). وانتشر ما سمي بحملات صيد العبيد في افريقيا، وتمت صفقات تجارية بين وكلاء افارقة وتجار أوروبيين. بحيث يقوم الوكلاء الأفريقيين بالهجوم على القرى، واصطياد عدد من سكانها ونقلهم للسواحل الافريقية، حيث تنتظرهم السفن الأوروبية لعقد الصفقات.
وكان يتم نقلهم في قاع السفن، مكبلين بالحديد فيموت منهم الكثير قبل وصولهم إلى مقصدهم. أما من بقي على قيد الحياة منهم، فقد عاش في ظروف معيشية لا إنسانية وقاسية جداً، حيث منعوا من التعليم لحرمانهم من التحرر الفكري، كما حرموا من العلاج الطبي إلا من قبل أقرانهم ممن هم على علم بأساليب العلاج الإفريقي، حتى أنهم منعوا من ممارسة شعائرهم الدينية، وقد أجبر بعضهم على التنصر. وتؤكد أغلب الوثائق التاريخية المحفوظة في متاحف البرازيل، أن معظم الأفارقة الذين جيء بهم كعبيد هم من المسلمين، وقد كانوا يقرأون القرآن باللغة العربية. واستمر رجال الدين منهم في تعليمهم مبادئ الدين الإسلامي. وقد استخدمت ضد العبيد بسبب تمردهم، أو حتى دون سبب في بعض الأحيان، عقوبات وحشية من قبيل الجلد والحرق والتشويه، بالإضافة للاعتداء الجنسي.
في ظل هذه الظروف القاسية، بدأ بعض العبيد يلجؤون للهرب في الغابات والأدغال. ويعملون على بناء مجتمعاتهم الخاصة بهم، والتي أطلق عليها اسم “أحراش الزنوج”، من أجل التمرد على السيد الأبيض. واندلعت بينهم وبين البرتغاليين معارك كثيرة، كان فيها على الأغلب الانتصار للأقوى، وهم الأسياد البيض بالطبع، وذلك بسبب توفر الإمكانيات العسكرية لديهم. وفي بالماراس إحدى هذه المستوطنات التي بناها العبيد، ولد بطلنا جانجا زومبي، وكبر ليحولها لمملكة تقف في وجه الاستعمار والاستعباد البرتغالي.
كانت بالماراس والتي تقع حالياً في ولاية ألاغواس في البرازيل، عبارة عن عدة مدن محصنة يقطنها ما يقارب 30 ألفاً بحسب بعض التقديرات، أغلبهم من دولتي أنغولا والكونغو الأفريقيتين، ثم انضم إليهم عدد من الهنود وهم السكان الأصليين، وبعض البيض الفقراء. وكانت بالماراس ذات تنظيم سياسي مشابه لممالك أفريقيا النائية، حيث طبقت قوانينها الخاصة، وأقامت نقاط حدودية، وتكلموا لغتهم الخاصة، وأنجبوا الكثير من الأطفال، والذين شكلوا نواة لحركات التحرر في البرازيل فيما بعد.
وقد عاشت بالماراس اكتفاء ذاتي قل نظيره. حيث اعتمدت في اقتصادها على نظام المقايضة مع المستوطنات المجاورة، خصوصاً في السلع الزراعية. فقد قاموا بزراعة التبغ، والفاصولياء، وقصب السكر، والبطاطا. كما قاموا بتربية الدجاج وبعض المواشي، والتي استبدلوها بالسلع المصنعة من جيرانهم. كما فرضت الضرائب من أجل الخدمة الاجتماعية، وفرضت عقوبات منظمة للحياة اليومية، مثل فرض عقوبة الإعدام على الزنا والسرقة. وأسسوا جيشاً قوياً منظماً، وأقاموا الأبراج العالية من أجل الدفاع عن أنفسهم ضد أي هجوم.
ولد زومبي حراً في بالماراس عام 1655 (هناك اختلاف بين المؤرخين على سنة ولادته)، كان خاله زومبا هو قائد المستوطنة، وخاض عدة حروب مع المستعمر البرتغالي شارك فيها زومبي الشاب، إلى أن عقد زومبا معاهدة مع البرتغاليين، تنص على تحرير العبيد الهاربين إلى بالماراس، مقابل أن تخضع للسلطة البرتغالية. فما كان من زومبي الشاب إلا أن رفض هذه الاتفاقية وقاد انقلاباً على خاله، الذي قيل انه مات مسموماً فيما بعد على أيدي أتباعه الرافضين للمعاهدة.
قاد زومبي بالماراس وحارب البرتغاليين سنين طويلة، ودعا إلى اتباع العقيدة الصحيحة، وعاشت بالماراس في عهده أزهى أيامها. وتوسع في عصره المد الإسلامي في البرازيل. فقد ساهم في تنوير مواطنيه بالشريعة الاسلامية الحقة، وشجع رجال الدين على نشر الوعظ والارشاد بينهم، وعمل على تذكيرهم بأصولهم الاسلامية. ومن ثم أعلن عن قيام “دولة البرازيل الإسلامية”.
وهكذا بدأت معارك زومبي ضد البرتغاليين والتي امتدت لفترة طويلة بين عام 1678 وعام 1694. وتوالت انتصاراته فاحتل أكثر من 20 موقعاً من ولاية باهاية البرازيلية، وضمها لدولته الوليدة. لكن كثرة الحملات التي قام بها البرتغاليين تسببت في ضعف دولته، إلا أن ذلك لم يثنه عن متابعة المقاومة. حتى بعد أن أصيب في إحدى معاركه الأخيرة إصابة بليغة في قدمه، وسقطت بعدها بالماراس.
سميت عاصمة زومبي بـ”ماكاكوس” وتعني بالبرتغالية القرود، ويعتقد انها سميت بذلك بقصد السخرية من قبل المستعمر البرتغالي. نظراً لأن معظم أخبار زومبي ودولته بالماراس وصلت إلينا من خلال أعدائهم البرتغاليين. وكانت ماكاكوس محصنة بجدار طيني متين مما دفع بالسلطات الاستعمارية إلى استخدام المدافع لاقتحامها، وهو ما نجحوا فيه بالنهاية بعد أن قاومت طويلاً.
وفي 20 تشرين ثاني من عام 1695، تم القبض على زومبي نتيجة خيانة أحد أتباعه، والذي تم تهديده بالقتل إن لم يبلغ عن مكان قائده. قتل جنجا زومبي بعد أن اعتقل، وقطع رأسه وأعضاؤه التناسلية، كما تم التمثيل بجثته، ومن ثم تم عرضها في المدن الكبرى لتخويف كل من تسول له نفسه بالثورة على المستعمر.
استمرت الإبادة لكل مواطني بالماراس لمدة تجاوزت العقدين من الزمن، فقتل منهم من قتل، وتم أسر وبيع بعضهم الآخر، وذلك لمنع أي محاولة للم شملهم من جديد. وتلا ذلك حملة واسعة لتجويع العبيد، وأكبر عملية سلب ونهب سجلت في تلك الفترة. كما دُمِّرت وفُقِدت كل الوثائق المتعلقة بالحركة الثورية التي قادها زومبي في البرازيل، إما سهواً أو عمداً، لذا فإنَّ كل ما وصل لنا من أرقام عبارة عن تقديرات، فقد تلاحظ اختلاف الأعداد والتواريخ من كاتب لآخر، بسبب افتقارنا إلى احصاءات دقيقة.
لم تكن ثورة زومبي هي الثورة الوحيدة في تاريخ البرازيل ضد المستعمر، قام بها المسلمون وغيرهم طوال قرون، إلا أنها قُمعت بوحشية وتم اخمادها واجبارهم على ترك دينهم، وتغيير أسماءهم. إلا أن زومبي كان أكثرهم شهرة نظراً لقوة وامتداد ثورته، فقد أصبح شخصية تاريخية عظيمة في تاريخ البرازيل، كما صنعت الأفلام حوله في السينما البرازيلية، وله تمثال من البرونز لتخليد نضاله الطويل.
جاء قرار منع الرق في البرازيل عام 1888 متأخراً، بعد أن بذلت الكثير من الأرواح لنيل هذه الحرية، وبعد أن نسي الكثير من أحفاد هؤلاء الأفارقة الأبطال هويتهم الإسلامية. تحتفل البرازيل في 13 أيار من كل عام بيوم الوعي الأفرو-برازيلي. ولكن البرازيليين من أصول افريقية يصرون على الاحتفال به يوم 20 تشرين ثاني، لإحياء ذكرى زومبي ومقاومته البطولية للاستعمار والعبودية.
مهتمة بالتاريخ – الجزيرة 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى