تصحيح مفاهيم ” 36 ” .. رمال المتحركة ( الجيوسياسية ) اليمنية السعودية !! بقلم / أزال الجاوي
بقلم / أزال الجاوي
ترتبط اليمن بالسعودية بروابط تتجاوز الجغرافيا والروابط الإجتماعية التاريخية إلى علاقة تفاعلية تدخل في صلب الادارة السياسية ليس الإستراتيجية فحسب بل حتى التفصيلية اليومية بشكل دقيق دقة شعرة معاوية في التعامل ، وهذا ماحافظ عليه السعوديون منذ تأسيس المملكة وتم تكريسه بتركيز وحرص أكثر بعد قيام ثورة ال26 من سبتمبر حتى معاهدة جدة عام 2000 م .
بعد حرب أهلية في شمال الوطن دامت لسبع سنوات توصل الجمهوريون والملكيون إلى اتفاق شراكة برعاية المملكة العربية السعودية والتي أدركت بشكل قطعي أن مؤخرتها الحيوية لايمكن تركها دون رعاية حتى لايتم العبث بها كما حدث أثناء مرحلة الحرب الاهلية ( الثورة ) وهذا ماجعلها ترعى الطرفين الجمهوري والملكي في مرحلة مابعد الحرب وإغداق العطايا والهبات والمرتبات التي اصبحت ظاهرة للعيان ولم تعد سراً أو من تحت الطاولة ، بل حتى ميزانية الدولة بمجملها صارت معتمدة اعتمادا كليا على الشقيقة الكبرى .
كان من بين من يتم دعمهم كبار فقهاء المذهب الزيدي الذين اصطفوا في حينها مع الملكيين وكان من ضمنهم آل الحوثي ، إلا أنه وبعد الاتفاق بين الجمهوريين والملكيين تقلص ذلك الدعم عن الملكيين لصالح المشايخ الجمهوريين وعلى رأسهم آل الأحمر .
كذلك حدث هذا في الشطر الجنوبي من الوطن حيث تبنت المملكة العربية السعودية السلاطين الفارين إليها والمعارضة الجنوبية التي كانت نتاج كل صراع سياسي إلى حرب صيف 1994 ، إذ فر غالبية الكادر الجنوبي وقامت المملكة بتبنيهم والصرف عليهم لتصبح كل مفاتيح الواجهات السياسية والإجتماعية بل مفاتيح كل اليمن بأيدي السعودية حصرا .
في تلك الفترة ظل موضوع الحدود اليمنية السعودية دون حل مع توسع دائم للمملكة على حساب السيادة اليمنية حتى العام 2000 م ، وخلاله تم حسم موضوع الحدود وترسيمها ومن أهم نتائج ذلك الإتفاق أن تخلت السعودية عن كل من كانت تدعمهم باستثناء كبار رجالات النظام تماماً كما تخلت عن فقهاء المذهب الزيدي من قبلهم ، وهذا ماأفسح المجال لدول أخرى في الإقليم لتلعب دوراً في مابعد ضمن المحيط الجغرافي اليمني ذو التعقيدات المتراكمة خلال فترة الخمسة عقود الأخيرة ، والذي يحمل في طياته ايضاً ابعادا تاريخية .
كان من أهم نتائج تخلي السعودية ، عودة مئات الكوادر الجنوبية التي كانت قد فرت خارج الوطن لتساهم وتدفع بعجلة الحراك ، وبحكم التعبئة نحو الإنفصال من العام 94 إلى العام 2000 من خلال ماكان يسمى ب ( موج) ارتفع سقف الحراك نحو الانفصال وكان لتلك الكوادر التي نزحت في العام 94م دور محوري فاعل في ماحدث .
في الضفة الأخرى أي في الشمال كان التململ الزيدي قد بلغ مداه وترجم ذلك من خلال حروب صعدة التي بدأت تتوسع رقعتها لتطل برأسها إلى خارج صعدة ونحو بقية المحافظات ذات المذهب الزيدية .
إلا أن النتيجة الأهم كانت السير بعملية التوريث بعد أن ضمن النظام اليمني رضا الشقيقة الكبرى وهذا ماجعل بعض أقطاب النظام نفسه وتحديدا آل الأحمر يشعرون بالغضب والخوف على مستقبلهم كقطب حاكم أساسي في المعادلة السياسية منذ عقود خاصة مع تقلص الدعم السياسي وربما المالي السعودي لهم عقب وفاة الشيخ عبدالله الأحمر، مما جعل الأبناء يفتحون أيديهم للحفاظ على المعادلة السابقة تارة لليبيا وتارة أخرى لدولة قطر دون أن يغلقوا الباب مع الشقيقة الكبرى إلى أن بدأ مايسمى بالربيع العربي .
لايخفى على أحد أن تركيبة التجمع اليمني للإصلاح يضم فرقاء يجمعهم هدف واحد هو الشراكة في السلطة ودعمها منذ التأسيس، فقد قام حزب الإصلاح على فسيفساء غريبة متباعدة جذرياً عن بعضها البعض ، إذ تكون من تجمع القبائل وعلى رأسها حاشد – والجمع بين القبائل في اليمن موضوع شائك ذو شجون – والمجموعة الثانية كانت العسكر وقد غلب جانب ضباط الأمن على ضباط الجيش الذين احتفظوا بولاء مزدوج بين الرئيس والتجمع والمجموعة الثالثة هي الدينية ورغم أنها في الأساس ” إخوان مسلمون ” إلا أن طابع السلفية التي ترتبط بمشايخ السعودية كان غالباً على ارتباطها بحركة الإخوان المسلمين العالمية، وقد تجلى ذلك الإرتباط بصورة واضحة خلال فترة حرب الإتحاد السوفيتي في أفغانستان ، وحتى ثورات الربيع العربي فقد حصل تحول ما لم يحسم أمره بشكل قطعي لصالح حركة الإخوان العالمية وبقي مرتبطا إلى حد كبير بالسعودية وما حرب آل الأحمر التي قادها الشيخ حسين في عمران وارتباطها بالتشكيلات السلفية إلا خير شاهد على ذلك .
يعتقد الكثيرون أن هزائم الإصلاح الأخيرة على يد أنصار الله ( الحوثيين ) في عمران وغيرها ناتجة عن ضوء أخضر سعودي في إطار حربها على الإخوان المسلمين بينما يقول الواقع على الأرض غير ذلك ، فالذي هزم على الأرض هو التيار القبلي وكذا العسكري وهما الحلفاء التقليديون الدائمون للمملكة في الوقت الذي لم يمس فيه التيار الديني في الإصلاح عموماً وبشكل أخص تيار الاخوان المسلمين ، وهذا يفسر ايضاً الخبر الذي تداولته كثير من المواقع الإخبارية حول وساطة سعودية لخلق أو إعادة التحالف بين المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للاصلاح ، بل إن بعض الصحف شبه الرسمية كالشرق الأوسط بقلم رئيس تحريرها عبدالرحمن الراشد ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير ليفسر لنا طبيعة ذلك المسعى لإعادة التحالف بين المؤتمر والاصلاح لمواجهة ليس حركة أنصارالله فقط بل وايضاً الرئيس هادي وابناؤه والذين لم يكونوا ذوي إرتباطات بالمملكة في مختلف الحقب المعاصرة .
يبدو أن المملكة العربية السعودية أدركت مؤخراً فداحة تخليها عن حلفائها السياسيين وكذا الوجاهات الإجتماعية في سبيل كعكة ترسيم الحدود وما نتج عن ذلك من وقائع على الأرض اصبحت فيه المملكة أحد اللاعبين بعد أن كانت اللاعب الوحيد والحصري في اليمن ، بيد أن ذلك الإدراك المتأخر ومحاولة إعادة الإمساك بالخيوط كلها قد يعيد الامور إلى ماقبل اتفاقية ترسيم الحدود في عام 2000م ، خصوصا أن المملكة خلال السنوات القليلة القادمة ستكون مشغولة بترتيب وضعها الداخلي في ظل مايحدث داخل الأسرة الحاكمة ذاتها ، ومن ناحية أخرى أصبحت أقدام اللاعبين الاقليميين والدوليين أكثر ثباتا ورسوخا وبعضهم يمتلك مصلحة مباشرة في تحرك الرمال الجيوسياسية المتحركة اصلاً إذا أخذنا بعين الإعتبار اللعب على وتر المذهبية الذي تحركه السعودية وغيرها من دول الإقليم .
إن النتيجة الأهم في اتفاقية ترسيم الحدود 2000 م والتي لم تكن مقصودة من قبل المملكة هي قطع شعرة معاوية ورفع اليد عن اليمن ، فإما أن تقبل المملكة تلك النتيجة وتنأى بنفسها عن الصراعات اليمنية الداخلية وإما ستسقط في الرمال المتحركة الجيوسياسية التي ستغير خريطة البلدين اليمن والسعودية ربما إلى ماقبل عام 2000م بقرون .
من حساب الأستاذ أزال الجاوي، نشرت بتاريخ 20 يوليو 2014 م .