تقارير وتحليلات

هل تستطيع “السعودية 2020” العيش بدون نفط؟

كتب / عباس الزين

عندما أطلق ولي العهد السعودي ما يعرف بـ”رؤية 2030″ في نيسان/أبريل عام 2016 لم يكن يبحث عن الأرضية السياسية والاقتصادية والاجتماعية اللازمة لتحقيق تلك الرؤية، بمقدار ما كان همه في حينها الوصول إلى العرش. والأمر لا يتعلق بتحليل الخلفيات والدوافع التي انطلق منها ابن سلمان، بل بقراءة الاقتصاد السعودي، الذي سجّل خلال السنوات الأخيرة تراجعاً يخالف ما هو مطلوب من الرؤية.

ابن سلمان الذي كان في تلك الفترة ولياً لـ ولي العهد محمد بن نايف، وضع تصورات في مجالات عديدة، مطلقاً برنامجاً اقتصادياً واجتماعياً يقوم عماده على الاستغناء عن النفط كمصدرٍ أساسي لواردات الدولة، فأبرز ما تضمنته الرؤية هو أن السعودية يجب أن تكون قادرة على التكيف مع اقتصاد لا يعتمد على القطاع النفطي.

وهذا ما ذكره ابن سلمان في أول مقابلةٍ تلفزيونية له على قناة “العربية” السعودية، بتاريخ 25 نيسان/أبريل عام 2016 أي في اليوم الذي أطلق فيه الرؤية، واضعاً خطة زمنية لتحقيق ذلك. ولي العهد قال حرفياً آنذاك: “أنا أعتقد أنه في عام 2020 لو توقف النفط، فسنستطيع أن نعيش.. نحن نحتاج إليه، لكن أعتقد في عام 2020 نستطيع أن نعيش من دون نفط”.

تصريحات ولي العهد السعودي عام 2016، مستشرفاً -استناداً إلى رؤيته- حال المملكة في العام 2020، تكشف الفشل في تحقيقها بالدرجة الأولى ميزانية عام 2020 الصادرة عن وزارة المالية السعودية، إذ توقعت الوزارة أنه في العام الحالي سيرتفع عجز الميزانية إلى 49.86 مليار دولار من 34.93 مليار دولار في عام 2019. والسبب، هو تضرر الإيرادات المالية نتيجة تراجع أسعار النفط، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تلك التوقعات لميزانية عام 2020 صدرت قبل تأثير جائحة “كورونا” على أسعار النفط التي وصلت خلال الأسابيع الماضية إلى أقل من 25 دولاراً للبرميل.

ليس هذا فقط، بل إن السعودية تستهدف في توقعاتها للعجز سعر 55 دولاراً للبرميل، أي أن عجزها الآن سيتجاوز التوقعات بكثير مع الأسعار الحالية، في حين أنّ الحكومة السعودية تقدّر سعر 80 دولاراً للبرميل وما فوق للخروج من عجز ميزانيتها، ما يعني أن إيراداتها المالية لا تزال تعتمد بشكلٍ أساسي على النفط، بحيث أن الميزانية العامة ستبقى في عجزها طالما استمرت أسعار النفط تحت السعر المتوقع.

على هذا النحو، تتحول رؤية “2030” في أوّل امتحانٍ زمني لها إلى مجرّد أوهام. وإذا كان الاقتصاد السعودي لا يزال عماده الأساسي هو النفط، على عكس ما تقول الرؤية، فإن القطاعات غير النفطية التي تحدث عنها ابن سلمان، وروّج لها، لا تزال هي الأخرى بعيدة عن التأثير وهذا ما يفسّر عجز تلك القطاعات على النهوض بالاقتصاد السعودي والتقليل من خسائره والتأثير على الميزانية.

وتشير الأرقام الصادرة عن ميزانية العام الحالي في السعودية إلى أنه من أصل مجموع إيرادات مقدرة يبلغ 222.1 مليار دولار في عام 2020، فإن الإيرادات غير النفطية تقدّر بـ 85 مليار دولار بزيادة قدرها 1.6% فقط عن العام الماضي، حيث بلغت هذه الإيرادات في عام 2019، 84 مليار دولار، كما من المتوقع أن يصل مبلغ الإيرادات النفطية خلال عام 2020 وفق الميزانية ومن دون احتساب تأثير جائحة “كورونا”، إلى 163.8 مليار دولار، بينما من المرجّح أن تكون الإيرادات النفطية أقل من ذلك بكثير، مع تأثير الجائحة على سوق النفط العالمي.

لكن وبعيداً عن تأثير الجائحة، فإن الأرقام الواردة توضح أن الإيرادات النفطية لا تزال تشكل النسبة الأكبر من الإيرادات العامة بنسبة تصل إلى 62%، في حين أن الإيرادات غير النفطية لا تتجاوز 38%. والجدير ذكره، أن جزءاً أساسياً من الإيرادات غير النفطية لا يعتمد على الاستثمارات الحكومية في مجالات أخرى غير النفط، بل على سياسية فرض الضرائب التي بدأت منذ عام 2017، إذ أنه من أصل 85 مليار دولار من الإيرادات غير النفطية، هناك حوالي 53 مليار دولار مقدّرة في عام 2020، إيرادات مالية من الضرائب، أي أنّ المواطن السعودي هو من يتحمّل النسبة الأكبر من الإيرادات غير النفطية، التي تعتبر أحد أبرز أهداف رؤية ابن سلمان.

ورغم أن الإيرادات النفطية للسعودية تتجاوز النصف من مجمل الإيرادات، فإن عجز الخزينة لا يزال سنوياً يسجل ارتفاعاً، وذلك منذ إطلاق محمد بن سلمان لرؤيته. ومع عدم قدرة القطاعات غير النفطية على تعويض العجز، كما تنص “رؤية 2030″، فإنّ المملكة تلجأ إلى الاستدانة وهذا ما كشفته أزمة أسعار النفط الأخيرة، حيث ذكرت وكالة “رويترز” الإثنين الماضي، أن “السعودية ستبيع على الأرجح سندات دولية جديدة بمجرد أن يتسبب اتفاق خفض الإنتاج في مزيد من الضغوط على الإيرادات المتضررة بالفعل من انهيار أسعار الخام”.

وبالعودة إلى أرقام السنوات الأخيرة، فإن ارتفاع الدين العام السعودي من 84.4 مليار دولار أميركي نهاية عام 2016 (العام الذي أعلن فيه عن الرؤية) إلى 181 مليار دولار نهاية 2019، وفق أرقامٍ رسمية، يوضح أن المملكة كانت تعتمد بشكلٍ أساسي على الاستدانة طوال السنوات الماضية للتقليل من عجز ميزانيتها في ظلّ انخفاض أسعار النفط، لا على القطاعات غير النفطية، التي باتت هي الأخرى تتأثر باعتماد الاقتصاد السعودي على القطاع النفطي، لا العكس، وذلك مع إلغاء أو تأجيل العديد من المشاريع الاستثمارية في ظلِّ الاضطرابات السياسية والأمنية التي لا تزال تعيشها المملكة.

بناءً على ما تقدّم، فإنَّ السعودية تسير بعكس تصريحات محمد بن سلمان، هذا واضح! لكنها ليست فقط غير قادرة على “العيش بدون نفط” مع وصولنا إلى عام 2020، بل إنّ اقتصادها غير قادرٍ أيضاً على النمو حتى مع وجود النفط، كمصدرٍ أساسي للإيرادات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى