الخلاف السعودي الإماراتي.. هل بات الزواج السياسي لدولتي “التحالف” على المحك؟
صنعاء – محمد علي محروس
لا يبدو النفط مصدر الخلاف الوحيد بين الإمارات والسعودية، كما اتضح مؤخرًا؛ فالزواج السياسي بين البلدين الحليفين في المنطقة يأخذ منحى آخر بعد سنوات من توافق الرؤى تجاه مختلف القضايا الإقليمية السياسية والاقتصادية، من بينها حرب اليمن التي اتخذت قرارها السعودية ضمن تحالف عسكريّ عربيّ لم تصمد فيه سوى الإمارات قبل أن تُعلن انسحابها في يوليو/ تموز 2019.
الدولتان اللتان كانتا بصدد اتحاد سياسي، وصلت علاقتهما مطلع يوليو/ تموز الجاري إلى مستوى تباين غير مسبوق، تضمّن خلافًا علنيًّا لم يحدث بينهما من قبل.
ولا تخرج اليمن من نطاق الخلافات غير المعلنة بين البلدين، التي أججها إصرار الإمارات على زيادة حصتها من إنتاج النفط اليومي ضمن منظمة أوبك، التي أجلت اجتماعًا بهذا الخصوص بسبب ما اعتبرته تعنتًا إماراتيًّا يُقابل برفضٍ سعودي شديد، ما يعني أن المسار التوافقي بين البلدين لم يعد سائدًا، كما جرت العادة خلال السنوات الماضية.
الحلفاء الأنداد في اليمن
في يوليو/ تموز سنة 2019، أعلنت الإمارات سحب قواتها من اليمن، والبقاء ضمن مهام محددة في سياق ما اعتبرته إعادة نشر لقواتها، بعد هذه الخطوة بشهر كانت فصائل موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًّا، تخوض مواجهات مسلحة شديدة مع قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا، انتهت بسيطرة الفصائل الجنوبية على العاصمة المؤقتة للحكومة ومحافظات أخرى مجاورة.
كان هذا الصدام بمثابة اختبار حقيقي للبلدين الحليفين، إذ تعترف الإمارات بدعمها للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بانفصال جنوب اليمن، فيما تُعرف السعودية بدعمها السياسي والعسكري للحكومة المعترف بها دوليًّا، وهو ما استوجب تحركًا لاحتواء الموقف الذي توصّل في نهاية المطاف إلى ما عُرف بـ”اتفاق الرياض” الذي وُقّع في نوفمبر سنة 2019، بحضور ولي العهد السعوديّ ونظيره الإماراتيّ بعد أشهر من المباحثات التي احتضنتها العاصمة السعودية الرياض.
الاتفاق الذي نُظِر إليه بأنه يؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة في الحكم بين المجلس الانتقالي والحكومة المعترف بها دوليًّا، تمخضت عنه حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب ما زالت غير قادرة على ممارسة أعمالها كاملة من عدن، وسط اتهامات متبادلة بعدم تنفيذ بنود الاتفاق مصحوبة بمناوشات مسلحة في محافظة أبين التي باتت مسرحًا عسكريًّا لمواجهات بين الطرفين، ما حدا بالسعودية لاحتواء الموقف والعمل على إعادة إحياء الاتفاق المبرم قبل ثلاث سنوات بين الحين والآخر، فيما تكتفي الإمارات ببيانات دعم لمساعي السعودية دون أي تحركات جدية، لإثناء الموالين لها من تخفيف حدّة التوتر القائم، كما يقول مراقبون.
سباق السيطرة
تتعامل الدولتان الحليفتان مع اليمن كأرض مستباحة، ووفق هذا المُعطى تخوضان سباقًا بلا معالم للسيطرة على محافظات ومناطق يمنية حيوية وغنية بالنفط والغاز والثروات المعدنية، وأخرى تمثل أهمية جيوسياسية، وهذا ما تنبّهت له الإمارات مبكرًا بسيطرتها على الموانئ اليمنية المهمّة، بما في ذلك جزيرة ميون القريبة من الممر البحري الاستراتيجي مضيق “باب المندب”، وإنشائها مدرجًا للطيران والتأسيس لقاعدة عسكرية، كما أظهرت الأقمار الاصطناعية ذلك في مايو/ أيار الماضي، وأكدته وكالة الأسوشتيد برس الأمريكية في تقرير لها.
إضافة إلى الجزيرة ميون، تسيطر قوات موالية للإمارات على كلٍّ من ميناءَي المخا وعدن الاستراتيجيين وجزيرة سقطرى الواقعة في المحيط الهندي.
في المقابل، ركزت السعودية اهتمامها بشكل محوري على محافظة المهرة شرقي اليمن المجاورة لسلطنة عمان والمطلة على بحر العرب، وسط تكهنات عن نية السعودية إنشاء أنبوب نفطيّ يُسهّل عملية تصدير نفطها؛ تحسبًا لأي مشكلة تتسبب في إغلاق مضيق هرمز في ظل التجاذبات المستمرة مع إيران.
لم تبدِ السعودية موقفًا واضحًا إزاء الأدوار الإماراتية في اليمن، لكن المواجهات المتقطعة من حين لآخر في أبين، تُبيّن الفجوة الحاصلة، خصوصًا في الأسابيع القليلة الماضية مع عودة رئيس المجلس الانتقالي إلى عدن وخروج رئيس الحكومة المعترف بها دوليًّا، معين عبدالملك مع أغلب وزرائه من العاصمة المؤقتة صوب الرياض.
في هذا السياق، قال الناشط والصحفي، عادل الكثيري: “كل صراع إقليمي بلا أدنى شك سينعكس على الوضع الداخلي لليمن، وما سيحدث للأطراف التي ترتبط بعلاقة مع الدولتين اللتان تقودان التحالف، يحكمه معيار الوطنية؛ إما أن تكون مع الوطن وتُغلّب المصلحة الوطنية على مصلحتها، أو أن تتحول إلى أدوات يستخدمها كل طرف ضد الآخر، وهنا يزيد الوضع تعقيدًا، وبالتالي فإن ما يحدث في الوقت الحالي جنوبًا من تداعيات وتصعيد هو مؤشر لتلك الارتباطات ومدى تأثير الأطراف الخارجية فيها”، في إشارة إلى تأثير السعودية والإمارات على الوضع الداخلي في اليمن، بحسب خيوط.
وبالنظر إلى الواقع اليوم، يؤكد الكثيري أن الأطراف تتصرف وفقًا لأجندات غير وطنية، وهذا معناه إطالة أمد الحرب جرّاء هذا الانسياق خلف حسابات الخارج، ما يهدد أمن وسلامة ووحدة اليمن، بل ويؤسس لصراعات مستقبلية تزيد من الفرقة والشتات، بحسب الكثيري.
شوكة الميزان
تشترك الإمارات والسعودية في تشكيل ودعم فصائل عسكرية يمنية بنزعات وخلفيات مختلفة، لدرجة أن الحكومة المعترف بها دوليًّا والمسنودة بدعم سعودي تعيش في إطار فصائل عدة تدعمها السعودية بشكل متباين، أما الإمارات فبالإضافة إلى التشكيلات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي هناك القوات المشتركة المتواجدة في الساحل الغربي والمشكلة من “ألوية العمالقة” والقوات التي يقودها طارق صالح وتشكيلات عسكرية أخرى.
ويربط محللون بين مدى التأثير الحقيقي على الأرض للمدى البعيد، وبين من بيده مقاليد السيطرة الفعلية، وهذا ما يذهب إليه الدكتور، علي العبسي، باحث ومحلل سياسي، إذ يرى أن الإمارات تعتمد بشكل أساسي على النفوذ المناطقي دون استناد إلى أي خبرة سياسية ميدانية، بينما تملك السعودية تحالفات مع القوى الاجتماعية والسياسية ورجالات الدولة؛ وبالتالي فالنفوذ السعودي هو الأعمق والأكثر فاعلية.
وتوقع الدكتور العبسي، بأن الخلاف السعودي الإماراتي سيؤدي حتمًا إلى تراجع الدور الإماراتي؛ لأن السعودية هي صاحبة اليد العليا في اليمن؛ إذ لا تتحرك الإمارات والجماعات الموالية لها دون موافقة وتغطية سعودية.
ويضيف العبسي: “أن الخلاف قد يعطي فرصة للحكومة المعترف بها دوليًّا؛ لاستعادة سيطرتها وسيادتها على أهم المناطق اليمنية كعدن وسقطرى ومحافظات أخرى، إذا تعاملت مع الموقف بشكل مناسب وذكي”.
ويقرأ العبسي المشهد من قبيل أن هذا الخلاف سينعكس إيجابًا على الوضع في اليمن؛ فالسعودية تريد نفوذًا مُغلّفًا، على النقيض من الإمارات التي تسعى للنفوذ المُطلق، إضافة إلى كون هذا التباين بين السعودية والإمارات سيحد من التأثير السلبي الإماراتي الأكثر عدوانية على البلاد، حد تعبير العبسي.
هذا ويراقب اليمنيون باهتمام مآلات الخلافات الحاصلة بين الحليفين الإقليميين البارزين، وتأثيرها المباشر على الوضع في اليمن، في ظل التطورات السياسية والعسكرية المتلاحقة التي تشهدها البلاد، سواء في البيضاء ومأرب بين الحكومة المعترف بها دوليًّا وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، أو بين الحكومة المعترف بها دوليًّا والمجلس الانتقالي الجنوبي في أبين، ومدى ارتباط ذلك بالمتغيرات التي طرأت في علاقة أبو ظبي والرياض.