مقالات

الرياض لصنعاء: اطلبوا ما أردتم واحفظوا لنا “ماء وجهنا” بقلم| علي ظافر

بقلم| علي ظافر

في ظلِّ الغموض الّذي يلفّ موقف النظام السعودي من تصورات صنعاء لوقف الحرب وإنهاء الحصار، والتي حملها الوفد العماني، أفادت وكالة الأنباء العمانية، مساء الإثنين، بأنّ السّلطان هيثم بن طارق تلقّى رسالة شفوية من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، نقلها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في زيارة خاطفة، من دون ذكر فحواها، وعلى الأرجح أنّها متّصلة باليمن، فيما أشارت بعض وسائل الإعلام السعودية إلى وجود وفد سعودي في مسقط، واحتمال توجه وفد عماني قريباً إلى الرياض، من دون ذكر المزيد من التفاصيل.

بموازاة ذلك، لم تتطرَّق وكالة الأنباء الرسمية العمانية إلى نتائج الجهود التي بذلها المكتب السلطاني، سواء ما يتعلق منها بالوفد الَّذي زار صنعاء الأسبوع الماضي أو التواصل العماني مع المملكة. كما أنَّ الوفد العماني نفسه لم يكشف بعد عن نتائج زيارته منذ أن غادر الجمعة الماضية، بعد أن قضى قرابة أسبوع من المباحثات “الجدية” مع قيادات صنعاء.

خلال الأسبوع المنصرم، ساد في الأوساط السياسية والإعلامية الكثير من التكهّنات والانطباعات، والتي تنوعت بين التفاؤل المفرط (من دون مؤشرات) والتفاؤل الحذر، ولا سيما ما يخصّ الجانب الإنساني، والتشاؤم بإمكانية تحقيق اختراق في جدار الأزمة.

وتصوَّر البعض أنَّ الوفد السلطاني العماني جاء بضوء أخضر من واشنطن والرياض، حاملاً مفاتيح الحل لأزمة معقدة، أقلّها فتح مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة المغلقين في وجه ملايين اليمنيين، بفعل الحصار المفروض من دول تحالف العدوان منذ سنوات. وقد عزز هذه التكهنات ما نشر من أخبار عن أعمال صيانة وترتيبات في حرم مطار صنعاء الدولي، لكنَّ الأمور لم تكن كذلك.

صحيح أنَّ الوفد جاء بطلب من واشنطن ورغبة من الرياض، لكنه لم يأتِ بوصفة سحرية أو يحمل مبادرة عمانية، وخصوصاً لحل الأزمة، حتى يقال عنه إنه وسيط، رغم أنه يحظى بقبول الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وإنما اقتصرت مهمته، بحسب مصادر دبلوماسية، على نقل أفكار الطرف الآخر وتصوراته، وتحديداً الأميركي والسعودي، والاستماع إلى رد صنعاء وتقييمها للوضع الراهن، وبالتالي تصوراتها لـ”وقف الحرب وفك الحصار”، وسط أجواء سادتها الجدية والإيجابية والتقدير العالي للجهود العمانية الطيبة.

وقد علمنا من مصادر خاصَّة أنَّ الوفد العماني، في أحد لقاءات الأسبوع الماضي، قدم رسالة بالنيابة عن التحالف، جاء في مضمونها أنَّ التحالف الأميركي السعودي يطلب من صنعاء “أن تطرح ما تريد”، فيما لم يطرحوا عليها أيّ طلب سوى “حفظ ماء الوجه” وتخفيف الخطاب الإعلامي، ولا سيما شبكة “المسيرة”، من دون ذكر المزيد من التفاصيل.

في تفاصيل اللقاءات والمباحثات، إلى جانب لقاء السيد عبد الملك والرئيس مهدي المشاط، كشف رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبد السلام قبيل مغادرته مطار صنعاء الدولي برفقة الوفد السلطاني، أنّ الأخير التقى شخصيات سياسية واجتماعية من مأرب، كما التقى لجنة النسيق وإعادة الانتشار في الحديدة.

هذه الاجتماعات والمباحثات مع هذه الشخصيات تكشف بطبيعة الحال الملفات التي تمت مناقشتها وسماع تصورات صنعاء حولها، أوّلها ما يرتبط بالملفّ الإنساني، وتحديداً ما يخصّ مطار صنعاء وميناء الحديدة، إضافةً إلى مأرب، وإلا لماذا التقى الوفد شخصيات من مأرب؟ كما أنه، بطبيعة الحال، سيناقش مع لجنة التنسيق وإعادة الانتشار في الحديدة أسباب تعثّر اتفاق ستوكهولم، وعدم التزام الطرف الآخر به، وتصعيده ضد المدنيين، وموضوع ميناء الحديدة والمرتبات، وغيرها من المواضيع التي شملها الاتفاق.

على كلّ حال، إنّ وصول الوفد العماني إلى صنعاء واستماعه مباشرة إلى القيادات الثورية والسياسية والعسكرية والأمنية، وحتى القبلية، يعدّ تطوّراً ومكسباً سياسياً مهماً لصنعاء، كما أنه من ناحية أخرى يعد اعترافاً أميركياً سعودياً بفشل الخيار العسكري في إرغام اليمنيين على الاستسلام. وبات الطرفان الأميركي والسعودي يبحثان عن مخارج تحفظ ماء الوجه، تمهيداً للنزول عن الشجرة.

تستطيع صنعاء أن تؤمّن لهم ذلك، ولكن من دون المساس بالمبادئ الثلاثة التي طرحها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطاب الصرخة. وقد كرر ذلك المجلس السياسي الأعلى في اجتماع الأربعاء المنصرم، إذ أكَّد أنه “لا يمكن الحياد عن المبادئ الثلاثة”، وهي “وقف العدوان، ورفع الحصار، وإنهاء الاحتلال وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”، وأضاف أن “فتح مطار صنعاء الدولي استحقاق إنساني لا يخضع للمقايضة والمساومة، وليس مكرمة من أحد”.

تلك هي أهم ملامح تصورات صنعاء التي حملها الوفد السلطاني في حقيبته، وربما وُضع السلطان هيثم بن طارق في أجواء تصوّر صنعاء قبيل المغادرة. بدوره، أرسل الأخير رسالة إلى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز مع وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي الثلاثاء الماضي (بعد يومين من لقاء الوفد السلطاني السيد عبد الملك).

صنعاء جادة في الحلّ، ولكنَّها تريد حلاً مشرفاً وعادلاً لا ينتقص من تضحيات الشعب على مدى قرابة 7 سنوات، ولا يمسّ السيادة اليمنية. يبدو أنَّ هناك خلافاً حاداً حول الكثير من التفاصيل، ولا سيَّما ما يتعلَّق بالمطار، ومنها أن الطرف الآخر يقول إنَّه “لن يسمح بأن يتحوّل مطار صنعاء إلى منفذ خاص لتقديم الخدمات الأمنية والعسكرية واستقدام الخبراء”، ويشترط بالتالي أن تصدر جوازات المسافرين والموافقة على قائماتهم من الرياض، وأن تخضع الطائرات للتفتيش، كما كان يحصل سابقاً في مطار بيشة، وتوريد إيرادات المطار لحساب الطرف الآخر، لكن صنعاء في المقابل تعتبر ذلك مساساً خطيراً بالسيادة الوطنية، واعترافاً بالوصاية الأجنبية، وهي محقَّة في ذلك، فضلاً عن تفاصيل مرتبطة بميناء الحديدة، وخصوصاً ما يرتبط منها بالإيرادات…

أما ملف إطلاق النار، فلم ترشح إلينا تفاصيل عنه، غير أنَّ موقف صنعاء ومطلبها هو الوقف الشامل والدائم، وعدم السماح لأيّ طرف خارجي بانتهاك السيادة الوطنية مستقبلاً، وضرورة خروج كلّ القوات الأجنبية.

مقابل موضوعية صنعاء وعدالة قضيّتها وحرصها على تهيئة الأجواء للسلام المشرف والعادل، واصلت الرياض غاراتها وجرائمها بحق المدنيين، ولا سيما في المناطق الحدودية شمالي اليمن، رغم ادعائها إيقاف العمليات حرصاً على “تهيئة الأجواء السياسية للمسار السلمي في اليمن”، فيما بعثت واشنطن عدداً من الرسائل السلبية التي تعطّل مسار السلام.

الرسالة الأولى هي اعتراف الرئيس الأميركي جو بايدن بوجود قوات أميركية في اليمن. وقد ترددت معلومات من مصادر محلية عن توسيع قاعدة عسكرية مشتركة (أميركية – بريطانية – سعودية) في مطار الغيضة في محافظة المهرة، البوابة الشرقية لليمن، والشروع في إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في جزيرة ميون وسط منطقة باب المندب.

أما الرسالة الثانية، فجاءت من البنتاغون الذي أعلن استمرار الدعم العسكري للسعودية، وقال: “لا توجد أي تغييرات بشأن وقف الدعم العسكري الأميركي للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن”. والرسالة الثالثة، وهي الأخطر، تتمثل في إدراج وزارة الخزانة الأميركية عدداً من الشخصيات اليمنية والتجار اليمنيين ضمن قائمة العقوبات، في خطوة لا تنسجم مع الدعوات الدبلوماسية الأميركية للسلام، بل تشكّل “عائقاً للسلام من دون جدوائية، وجريمةً تستهدف القطاع الخاص بعد استهداف البنك المركزي، وإيقاف تصدير النفط، وضرب المصانع، وتجويع اليمنيين بالحصار، وإيقاف المرتبات، وفق خطة ممنهجة للقضاء على الاقتصاد”، كما جاء في تغريدة لعضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، مضيفاً أنّ أميركا تضع خيار الحرب أولاً، في حين تتظاهر بالسلام.

ختاماً، وفي ضوء ما سبق من معطيات، نقدّر – نتمنّى أن يكون تقديرناً في غير محله – أن لا أرضية مشتركة، ولا تقارب حتى اللحظة بين أطراف الحرب، ولا طاقة لأيّ وسيط بأن يحقّق “معجزة تقريب وجهات النظر”، ما لم تعدّل دول العدوان سلوكها العدوانيّ تجاه اليمن، وتترك لليمنيين شأنهم وبلادهم وقرارهم ومشاكلهم، وترفع يدها فوراً عن اليمن، بوقف العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال، وإلا فإن ما هو مطروح اليوم قد لا يكون مطروحاً في المستقبل، وذلك ما أثبتته التجربة منذ العام 2015 وإلى اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى