تفاهم نووي وشيك.. وهذه أبرز تقاطعات طهران والرياض بقلم| حسين أيوب
بقلم| حسين أيوب
لم تمض ساعات قليلة على تصريح بنياميبن نتنياهو الذي قال فيه “إذا احتجنا إلى الاختيار، بين الاحتكاك مع صديقتنا العظيمة الولايات المتحدة، وإزالة التهديد الوجودي (الإيراني)، فإن إزالة التهديد الوجودي هي التي تتغلب”، حتى كان وزير دفاعه بني غانتس يتوجه إلى واشنطن ويلتقي عدداً من المسؤولين الأميركيين.
لا يقارب هذا النص العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية، لكن رصد المواقف الأميركية في أعقاب حرب غزة الأخيرة، يشي بمناخ جديد مضمونه إنتهاء “موسم الدلال” الذي عاشه اليمين الإسرائيلي في حقبة دونالد ترامب وإستفاد منه نتنياهو إلى الحد الذي جعل إدارة جو بايدن تذكّره بأن إسرائيل تعمل عند أميركا وليس العكس! كأن زيارة الوفد العسكري والأمني الإسرائيلي الأخيرة إلى واشنطن وتتويجها بإستقبال رئيس “الموساد” يوسي كوهين في البيت الأبيض لم تكن كافية لإعطاء إشارات إلى تل أبيب بأن الولايات المتحدة ماضية في التفاهم النووي مع إيران. الأمر نفسه كرّره الأميركيون على مسامع بني غانتس. طبعاً يريد الإسرائيليون ضمان تفوقهم العسكري، وهذا الإلتزام لا تحيد عنه إدارة أميركية. بيان وزارة الأمن الإسرائيلية كان واضحاً لجهة أن غانتس أجرى حواراً إستراتيجياً مع الولايات المتحدة حول الإتفاقية “التي يتم بلورتها مع إيران، والحفاظ على التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي والاستقرار في الشرق الأوسط”. “الإتفاقية التي تتم بلورتها” عبارة تشي بتسليم تل أبيب بحتمية التوصل إلى إتفاق إيراني أميركي. صار النقاش الإسرائيلي مُصوّباً على ما بعد الإتفاق. ما يُقلق تل أبيب هو موضوع الصواريخ الدقيقة. تجربة حرب غزة الأخيرة تزيد الإسرائيليين يقيناً أن المعادلة الصاروخية لا يمكن كسرها. عينهم باتت مفتوحة على ترسانة حزب الله في الشمال. مخاوفهم تتعاظم. مطالبهم الأميركية ستتضاعف (الحصول على أسلحة إستراتيجية كاسرة للتوازن).
في فيينا، بلغت الأمور نقطة متقدمة. روبرت مالي، الديبلوماسي الأميركي المعني بالملف الإيراني، بات موجوداً على مقربة من طاولة المفاوضات في جولتها الخامسة. ثمة تقديرات، مصدرها العاصمة السويسرية، بأن روبرت مالي إجتمع مباشرة بمسؤولين إيرانيين، وتمحور البحث بين الجانبين حول المبادرات التي يمكن أن تواكب المسار التفاوضي، ولا سيما تلك المتصلة بملف السجناء والمعتقلين لدى الجانبين.
يجري الحديث، وفق المصادر نفسها، عن تفاهم أميركي إيراني في الملف النووي “قطع شوطاً كبيراً ولم يبق إلا تحديد التوقيت”، في إشارة إلى أن الطرفين يريدان إختيار التوقيت المناسب لإعلان التفاهم النووي.
جرى تحديد ثلاثة أنواع من العقوبات يمكن التعامل معها، أولها العقوبات التي يتم رفعها مباشرة، وهذه تحتاج فقط إلى توقيع الرئيس الأميركي جو بادين، وتتعلق بقطاعين حيويين للإيرانيين هما البترول والمصارف، وتقول شخصية لبنانية عادت مؤخراً من واشنطن إن هذين القطاعين كافيان لإحداث إنفراج إقتصادي ومالي لدى الإيرانيين. أما ثاني نوع من العقوبات، فهو الذي سيقترن بمهل زمنية ومعايير بحيث تتناسب وتتزامن الخطوات الأميركية (رفع العقوبات) مع الإيرانية (العودة الكاملة إلى إتفاق العام 2015). أما ثالث نوع من العقوبات، فلا يقترن نهائياً بالإتفاق النووي، بل بالنقطتين اللتين إتفق الجانبان الأميركي والإيراني على تأجيل البحث بهما وهما قضية النفوذ الإيراني (الأذرعة) والصواريخ الدقيقة.
في هذه النقطة، تقترن العقوبات الأميركية بملفات تتصل إما بـ”الإرهاب” أو “حقوق الإنسان” ولها آلياتها وستبقى قائمة وربما تتصاعد في المرحلة التي تلي التوصل إلى إتفاق أميركي ـ إيراني. وفق المعلومات إياها، فإن واشنطن وطهران لا تنويان إعلان الإتفاق قبل إنتهاء الإنتخابات الرئاسية الإيرانية في الثامن عشر من الجاري، “وربما نشهد إعلاناً متدرجاً عنه خلال الفترة الممتدة ما بين صدور نتائج الإنتخابات (فوز إبراهيم رئيسي مرشح فريق المحافظين) وموعد التسلم والتسليم في الأسبوع الأول من آب/ أغسطس 2021”.
في موازاة ذلك، تمضي المفاوضات السعودية ـ الإيرانية، وهي جزء لا يتجزأ من مسار مفاوضات فيينا (طلبها الأميركيون من السعوديين)، على أرض العاصمة العراقية، برعاية رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. وعلم أن جولة ثالثة من المحادثات قد عقدت في النصف الثاني من أيار/ مايو الماضي، وستعقد جولة رابعة خلال النصف الأول من الشهر الحالي. ووفق مصادر دبلوماسية عربية في جنيف، فإن الوفدين الإيراني والسعودي يحظيان بتغطية من أعلى رأس الهرم في البلدين، وعبّرا عن إرادة سياسية بالتوصل إلى تفاهمات مشتركة.
وإذا كان ملف حرب اليمن هو الشغل الشاغل للسعوديين على مدى الجولات الثلاث، فإن ذلك لم يمنع من إحداث خرق سيترجم في الأسابيع المقبلة، وباكورته إتخاذ قرار بعودة ممثل إيران إلى منظمة التعاون الإسلامي في جدة؛ إعادة فتح القنصليتين السعوديتين في كل من طهران ومشهد؛ إعادة فتح القنصليتين الإيرانيتين في كل من الرياض والمنطقة الشرقية؛ قيام وفود ديبلوماسية بتفقد السفارتين السعودية في طهران والإيرانية في الرياض.. وصولاً إلى التحضير لإعادة فتحهما في أقرب فرصة ممكنة؛ التفاهم على أعداد الحجاج الإيرانيين في موسم الحج المقبل.
وبينما كان لافتاً للإنتباه مبادرة الإيرانيين إلى تقديم إعتذار رسمي إلى السعوديين عن حرق مقر السفارة السعودية في طهران ومقر القنصلية في مشهد في العام 2016 إثر قرار إعدام رجل الدين السعودي نمر النمر.
وفي المقابل، أعطى السعوديون إشارات واضحة إلى الإيرانيين حول نيتهم تجميد مسار التطبيع مع إسرائيل، وقال المصدر الديبلوماسي في جنيف إن مسار مفاوضات بغداد يشي بتقارب سعودي إيراني إزاء القضية الفلسطينية، لا سيما في ضوء تطورات حرب غزة الأخيرة. وبينما يراهن السعوديون والإيرانيون على خرق كبير في ملف حرب اليمن، في ضوء التوصل إلى تفاهم نووي جديد، يسعى الطرفان إلى تبريد الساحات المشتركة، ولا سيما العراق، حيث تزداد حظوظ الكاظمي في الحصول على ولاية ثانية، سواء أجريت الإنتخابات المبكرة في موعدها في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل أو في موعدها الدستوري في ربيع العام 2022. يسري ذلك على سوريا، بعدما قرر السعوديون فتح قنواتهم مع الحكومة السورية والسعي جدياً إلى إعادة سوريا إلى الجامعة العربية قبل نهاية العام الحالي.
في المقابل، يحاول الإيرانيون ضبط حلفاءهم في الساحة العراقية، وذلك مخافة أن تؤدي أية دعسة ناقصة إلى تعثر مسار مفاوضاتهم مع الأميركيين. ولعل ما جرى مؤخراً من محاصرة للمنطقة الخضراء في العاصمة العراقية، إثر توقيف قائد عمليات “الحشد الشعبي” في قاطع الأنبار، قاسم مصلح، بتهم “الإرهاب والفساد” (بينها قتل ناشطين ضمن الحراك المدني)، جعل الإيرانيين يعيدون النظر في آليات ضبط الفصائل الحليفة، خاصة وأن الأميركيين وجهوا رسائل تحذير واضحة إلى حكومة الكاظمي غداة استهدافات متعددة طالت تواجد قواتها في أربيل وعين الأسد. ويمكن القول أن بغداد إجتازت قطوعاً سياسياً صعباً في السابع والعشرين من أيار/ مايو المنصرم، والسبب، حسب المصادر الديبلوماسية العربية، أن الأمور “كان يمكن أن تذهب نحو حمام دم عراقي يعيد بلاد الرافدين عقوداً إلى الوراء”، من دون الخوض أكثر في تفاصيل هذا الإستنتاج.