تقارير وتحليلات

ماذا يُعيق اتفاق النفط بين موسكو والرياض؟

كتب /قاسم عز الدين

في لقائه مع رؤساء الشركات النفطية وبعض أعضاء الحكومة، حرص الرئيس بوتين على تحميل السعودية مسؤولية حرب الأسعار نتيجة رفضها تمديد الاتفاق الذي استمرّ ثلاث سنوات وثلاث أشهر وإصرارها على ذريعة تخفيض الانتاج من أجل المحافظة على الحصة الأكبر في سوق النفط على حساب الدول المنتجة الأصغر وعلى حساب حصة روسيا على المدى الأبعد. وفي إشارة دبلوماسية غير بريئة لزيادة الشرخ بين أميركا والسعودية، ألمح بوتين إلى مسؤولية السعودية عن انهيار النفط الصخري الأميركي في تأييد غير مباشر لمسعى الكونغرس الأميركي الذي هدّد السعودية على لسان أعضاء تكساس الجمهوريين تيد كروز وكيفين كريمر بإعادة النظر بالحماية الأميركية للسعودية منذ روزفلت ــ عبد العزيز.

وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ووزير الطاقة عبد العزيز بن سلمان، ردّا كل من جانبه على بوتين في إعادة السردية السعودية عن فشل الاتفاق مع روسيا. لكنهما حرصا على تبرئة السعودية من انهيار النفط الصخري الأميركي. وهو تباين ليس عرَضياً، يدلّ عليه تأجيل الاجتماع الطارىء الذي دعت إليه السعودية تجاوباً مع طلب ترامب ولم ترفضه روسيا من حيث المبدأ إيحاء بالتجاوب مع ترامب. أمّا بشأن التأجيل لإيام معدودة كما ذكرت المتحدثة باسم وزارة الطاقة الكازاخستانية زامينيا علييفا، أوضحت أن كازاخستان لا علم لها بالأسباب وتوقعت بأن يكون التأجيل من أجل المشاورات. وهو أمر ربما يعني أن بوتين يصرّ على تراجع ابن سلمان بقبوله العودة إلى الاتفاقية السابقة. وإذا كان لا بدّ من تخفيض الانتاج بسبب إغراق السوق وجائحة كورونا، يشترط بوتين أن يكون التخفيض جماعياً بما يؤدي إلى خفض حصة السعودية وإزاحتها عن المرتبة الأولى.

حين سرى الاتفاق السابق بين السعودية وروسيا في مطلع العام 2017، وافق بوتين على احتفاظ السعودية بالحصة الأكبر بحوالي 12 مليون برميل في اليوم على الرغم مما وُصف حينها بأنها “تُلقي منتجي النفط الأصغر في أوبك إلى الذئاب”. وقد راهن بوتين على التقارب مع السعودية لإزاحتها عن أميركا، في مشاريع الاستثمارات بحسب رؤية ابن سلمان عشرين ــ ثلاثين وفي مشاريع الطاقة النووية ومنظومة الصواريخ أس 400. لكن ابن سلمان انقلب على هذا التقارب تحت ضغط ترامب، فقام بتعيين أخيه غير الشقيق عبد العزيز بن سلمان وزيراً للطاقة، محل المفاوض الخبير خالد الفالح. وفي هذا السياق رأت موسكو التراجع السعودي عن الاتفاقية السابقة، تراجعاً عن التقارب برمته تحت ضغط ترامب الذي يسعى إلى تدمير الاقتصاد الروسي بحسب تعبيره وإلى تجفيف منابع الاقتصاد الفنزويلي والاقتصاد الإيراني في المقاوم الأول. وقد أثبتت السعودية في رفع الانتاج وحرب الأسعار المخاوف الروسية، ما رفع سقف التحدّي إلى حافة الهاوية في معركة عنوانها من يصرخ أولاً.

الإجتماع الموعود من أجل خفض عشرة ملايين برميل في اليوم بحسب طلب ترامب والتوقعات المأمولة، تواجهه أزمة الاتفاق على الحصص بين روسيا والسعودية والاتفاق على العودة إلى التقارب في المسائل الأخرى. ولا تشي الأجواء المتوترة بما يفيد ذلك. بل لعل بوتين يرى مصلحة استراتيجية بالقضاء على النفط الصخري الأميركي، وفي حثّ الكونغرس على المضي بتهديداته ضد السعودية أملاً بأن تحتل روسيا موقع تصدير الغاز من السيل الشمالي والقطب الشمالي إلى كندا والولايات المتحدة في وقت لاحق ليس ببعيد. وما يزيد من جدّية هذه المراهنة أن إنتاج النفط بمجمله أصبح موضع تشكيك بحسب “غولدمان ساكس” الخبيرة في الانتاج والتسويق، بعدما نفدت مساحات التخزين وأصبحت السفن المحمّلة بالنفط مجرّد “غالونات” ولا يمكن تقدير حاجة عجلة الاقتصاد في المدى المنظور بعد كورونا إلى حجم كميات الفائضة. وفي هذا السياق يقول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية إذا انخفضت كميات الانتاج بحوالي 10 مليون برميل في اليوم ستبقى مخزونات النفط تزيد بواقع 15 مليون برميل في اليوم.

“كاتب لبناني وباحث في الشؤون الدولية والإقليمية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى