برغم كل شيء.. لا نزال بخير بقلم/ عبدالرحمن بجاش
بقلم/ عبدالرحمن بجاش
تضج لحظة اليمني بالتعب مرتين، إضافة إلى كل المرات.
أن تفكر أو تضطر إلى السفر إلى تعز، الطرف الآخر! أو إلى عدن، حيث تأتيك طائرة اليمنية لتذهب بك إلى القاهرة، ثم من هناك “دوّر” لك على وجهة تولي وجهك صوبها، بشرط أن يقبل جوازك الصنعاني أو العدني! ولا حول ولا قوة إلا بالله، صرنا مثل ورق القمار “على الأحمر تحصل”، عليك أن تفكر ألف مرة.
أن تفكر في زيارة أمك إلى تعز، فعليك أن تهيئ نفسك وتستعد نفسيًّا وبدنيًّا؛ نفسيًّا فأنت سترى كما قال صاحبي دمارًا لا يخطر لك على بال داخل المدينة، وهيئ نفسك لأن تفاجأ بأن ذكرياتك قتلت، والأماكن التي تعرفك لم يعد لها وجود، والوجوه التي ستراها وتقابلها ليست الوجوه، ولم يعد لك بها صلة!
هي الحرب التي أطالت المسافة من نقطة الحوبان إلى وسط المدينة، ساعات وساعات تقضيها متأرجحًا؛ تارة قرب السماء، وأخرى هابطًا إلى قاع الأرض!
طريق جبلية وعرة تذكرك بتعب آبائك وأجدادك يوم أن كانوا يظلون أسابيع يسافرون بين مدينة وأخرى، يومها لم يكن اليمني منزل يعرف من مطلع إلا العسكري والعكفي وما بينهما! -رحم الله النعمان- ويمني مطلع لا يدري أين صاحب منزل، إلا عندما يذهب إليه منفذًا من عامل أو حاكم المنطقة!
أن تضطر إلى الذهاب إلى عدن بسبب مرض أو عمل أو ظرف قاهر، فعليك أن تستعد لـ15 ساعة كنت تختصرها بين صنعاء وعدن في 5 ساعات! هي الحرب التي أكلت الأعمار وأعادتنا إلى نقطة بداية البداية، طريق طويل طول ما سيأتي، تصل في نهايته إلى حيث الطيارة.
في العودة يكون عليك أن تستعيد الشريط المتعرج لتقف على عذابات اليمنيين بسبب هذه الحرب التي تأكل أخضرها ويابسها.
قال حسام: من لحظة أن لامست إطارات اليمنية أرضية مطار عدن، وأنا أفكر في الطريق الطويل حيث ابتعدت عدن عن صنعاء كثيرًا!
من المطار مباشرة ركبنا سيارة كبيرة، وقلنا لن نظل في عدن التي لم تعد بجمال عدن الذي كان يومًا. وأسأله: ألم يقفوا على حالكم بما يتعلق بالكورونا، قال: كنا قد عملنا فحصًا قبل أن نغادر القاهرة. ثبت به أنه والزوجة سلِيمان، عرض النتيجة منه في مطار عدن، كان بالي هناك على الطريق.
وقت الفطور حل ونحن في الصبيحة، فوجئنا بأناس يعترضون السيارة، فقلت: يا الله خارجنا، اعتراض وطريق طويل، فوجئت والحديث لحسام بمن يقرع الزجاج، توقف السائق، أنزل الزجاج، يفاجئني الشاب الواقف، وهو يمد يديه بتمر وصحن آخر بيده: “أسألكم بالله تنزلوا تفطروا معنا”، قسمًا إن عيني دمعت، كان هناك شباب آخرون يقولون للسيارات الأخرى ما قالوه لنا، تحركنا وإذا بشبان آخرين يمدون بما في أيديهم إلينا ونحن نشير: خيركم سبق!
في القبيطة تكرر الحال، كان نجلي يحدثني متأثرًا بما حصل وخفف عنه وزوجته تعب الطريق، وفي النقاط كل النقاط لكل الأطراف، قال: كل نقطة كانوا فقط يسألونا: فطرتم؟
هذا هو الشعب اليمني، هذا هو معدنه برغم كل القذائف والرصاص وحملات التحريض، ومحاولات التطييف والتمذهب والاصطفاف -إن صح التعبير- لم ينسَ قيمه الجميلة.
قيم الناس هي الضمانة الحقيقية لهذا الوطن الممزق لما بعد الحرب، فقط سنخذل كما نخذل كما خذلنا من النخب.