الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

شباب اليمن فريسة لمكاتب توظيف وهمية.. استغلال العاطلين عن العمل بلا رقابة

حيروت

لم تعد “الوساطة” هي العائق الوحيد أمام الباحثين عن فرص عمل، لمغادرة حالة البطالة المستشرية في اليمن. فمع ظهور وسائل الاتصال الجديدة من شبكات ومواقع تواصل اجتماعي، والتي تتيح بطريقة سريعة، كل المعلومات سواء الصحيحة أو الخاطئة أو المشكوك فيها، بات الشباب الباحثين عن عمل، متخوفين من أن يتم الإيقاع بهم في أحد فخاخ الاحتيال والتزوير.

استمرار نيران الحرب بالاشتعال في اليمن وفرض الحصار وارتفاع خط الفقر، جعلت من الشباب لقمة سهلة لشركات توظيف وهمية تعمل في صنعاء ومناطق أخرى، ضمن شركات أخرى تعمل بشكل قانوني.

يعد الفقر السبب الأول لانجراف الشباب نحو فخاخ الاحتيال والوظائف الوهمية، فقد بلغت نسبة الفقر في اليمن 75% مقارنة بـ47 % قبل بدء الحرب في العام 2014، حسب دراسة أعلن عنها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن. وتوقعت الدراسة أن يصبح اليمن افقر بلد في العالم “إذا استمرت الحرب حتى العام 2022”. فاستمرار الحرب والحصار، أفقد آلاف اليمنيين عملهم، وجعلهم عرضة لأدنى درجات الفقر، وعرضة للاحتيال أيضاً حتى وهم يحاولون انتشال أنفسهم وعائلاتهم من حالة العوز والبطالة المتزايدة. وفي حين، يتوجب على طالب العمل دفع مبلغ مالي لشركة التوظيف التي يقصدها، يقول بعضهم إن الحصول على فرص عمل عبر هذه الشركات، يعتمد أيضاً على معيار “الوساطة” والمحسوبية.

بحسب إحصائية لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فإن عدد مكاتب التوظيف الموجودة في اليمن وصلت 115 مكتباً، بينما 37 مكتب فقط، تعمل وفقاً لترخيص قانوني من الوزارة.

وساطة واستغلال

محمد خالد ، خريج كلية الحاسوب جامعة صنعاء، بتقدير جيد جدا، ولا يزال بعد خمسة أعوام من تخرجه بلا عمل. يُرجع محمد ركض الشباب ذوي المؤهلات الجامعية وراء إعلانات شركات التوظيف بغض النظر عن صحتها، إلى العراقيل التي يضعها معيار “الوساطة” في طريقهم. ما يعني- حسب محمد- أنه ما لم يكن لدى الشاب المتخرج وسيط يدعم استحقاقه للوظيفة، فإنه “سيبقى حبيس البطالة حتى إشعار آخر”.

دفع مبالغ لمكاتب التوظيف يساعد في الحصول على وظيفة بشكل أسرع. هكذا يصف يحيى نصر، أحد الخريجين المتقدمين لمكاتب التوظيف، عند تقديمه ملفه لمكتب توظيف في صنعاء. يقول يحيى: “نصحتني إحدى السكرتيرات بدفع مبلغ مالي لها، علاوة على ثمن الاستمارة، لكي تساعدني على الحصول على الوظيفة بزمن قياسي”.

من زاوية أخرى لاستغلال حاجة الناس، يبرز النازحون في الفئة الأكثر تضرراً من عمليات الاحتيال على طالبي الوظائف. سلوى (اسم مستعار) نازحة من الحديدة، قالت إنها فقدت والدها بغارة جوية لطيران التحالف على الحديدة، بحسب خيوط، وقد كان عائل الأسرة الوحيد. تروي سلوى، قصة نجاتها من إحدى عمليات الاحتيال هذه.

تقول سلوى إنها قدمت إلى صنعاء، مع إخوتها الأربعة وأمها، وليس لهم عائل. عبر إعلان وظيفة في تطبيق “الواتساب” لعمل غير مشروط الخبرة وبمرتب شهري جيد، سارعت للاتصال بالرقم الذي ذيل به الإعلان. “هنا بدأ الفخ؛ حيث بدأ أحدهم يسألني عن اسمي وعمري ومن أي منطقة.” تضيف.

السؤال الأهم الخاص بمؤهلها غاب عن أسئلة الموظف في الطرف الآخر من الهاتف، وهو ما أثار استغراب سلوى. تقول: “بعد تأكده من كوني نازحة وبحاجة ماسة للعمل، طلب مني الحضور إلى مكتب الشركة عند الساعة الخامسة عصراً، لكن اتضح فيما بعد أنه لا وجود للشركة”.

تضيف سلوى: “كنت مترددة في البداية، لكن حاجتي الماسة دفعتني للخروج والذهاب أملاً في أن أوفق في الحصول على العمل. وعند ذهابي للمقابلة، اتصلت لنفس الرقم المذكور في إعلان الوظيفة، لكي أسأله عن مكان العمل، كوني نازحة ولا أعرف الأماكن في صنعاء”. غير أن الموظف أرشدها للدخول إلى شقة في عمارة قال لها إنها “مقر الشركة المؤقت”. بالمصادفة التقت سلوى فتاة في نفس الشارع، فسألتها عن العنوان. وتتابع: “كان يبدو عليّ القلق والضياع، فنصحتني الفتاة بعد مواصلة مشوار البحث عن العنوان. أخبرتني أنه لا يوجد شركات توظيف في ذلك الشارع، ونبهتني إلى أنه لا توجد شركة تطلب إجراء مقابلات توظيف في ذلك الوقت المتأخر من النهار. نبهتني أيضاً إلى أخذ الحيطة والحذر، بسبب وجود عمليات احتيال واستغلال باسم التوظيف.”

الابتزاز الإلكتروني

بعد انكشاف بعض عمليات الاحتيال باسم مكاتب التوظيف، ظهرت إعلانات ممولة على مواقع التواصل الاجتماعي، لجذب أكبر عدد من الضحايا، عبر عروض خيالية تقدم في الإعلان للباحثين عن وظائف. تقوم هذه العملية على انتحال لأسماء شركات كبرى عبر صفحات مزورة في “فيسبوك” أو “واتساب”، يتضمن الإعلان حاجة هذه الشركات لشباب وشابات للعمل لديها، وترفق ذلك برابط لتعبية بيانات المتقدم، فيفاجأ المتقدمون برابط وهمي، أو “هاكر”، فتبدأ بالتالي عملية الابتزاز.

نوال (اسم مستعار) هي إحدى ضحايا الابتزاز الالكتروني. تقول إنها قدمت على وظيفة عبر رابط لموقع في “فيسبوك”، لإحدى الشركات المعروفة، لذلك لم تشك بأن قرصاناً يختبئ خلف الرابط المنتحل. “حالما فتحت الرابط، تهكّر جهازي، وبدأت تردني اتصالات من أرقام غريبة تطالبني بمبالغ مالية وإلا سينشروا بيانتي الشخصية وصوري”.

ويؤكد مهندس الشبكات، عبدالله أحمد الكبسي، أن هذه المواقع المزيفة هدفها فقط القرصنة واختراق المعلومات الشخصية لمتقدمي الوظائف، ولذلك، تعلن المزايا الوظيفية المغرية للشباب والشابات العاطلين عن العمل، ما يجعل كثيرين يسارعون للوقوع في الفخ.

ويضيف الكبسي أن الشركات والمنظمات التي تريد تقديم خدمات التوظيف، لا تحتاج لوضع رابط، بل تكتفي بكتابة “إيميل” الشركة أو المنظمة ليتواصل المتقدمون عبره.

في الجانب القانوني، يشير القاضي عبدالرحمن جار الله، قاضٍ بالمحكمة الابتدائية في صنعاء، إلى وجود نصوص قانونية “تجرّم مرتكبي النصب والاحتيال والتدليس، إذ حددت المادة (310) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني، الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو بالغرامة، لكل من توصل بغير حق إلى الحصول على فائدة مادية لنفسه أو لغيره، وذلك بالاستعانة بطرق احتيالية (نصب) أو اتخذ اسماً كاذباً أو صفة غير صحيحة”. وحذر جار الله الشباب الباحثين عن فرص عمل، من التساهل في اتخاذ الحيطة والحذر والتأكد من مكاتب التوظيف غير المتعمدة والمشكوك في أمرها، وكذلك من المواقع المزيفة، “حتى لا يقعوا فريسة للنصب والاحتيال”.

وتنص المادة (310) من القانون المذكور: “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة، من توصل بغير حق إلى الحصول على فائدة مادية لنفسه أو لغيره، وذلك بالاستعانة بطرق احتيالية (نصب) أو اتخذ اسماً كاذباً أو صفه غير صحيحة”.

على الرغم من عدد مكاتب التوظيف المرخصة التي تعمل بشكل خدمي ومنظم، لتقديم فرص عمل للشباب، إلا أن مكاتب التوظيف الاحتيالية زعزعت الثقة في نفوس الشباب منها، من خلال استئجارها لشقق في بنايات، كمكاتب توظيف، لمدة معينة، ثم تختفي كونها غير مرخصة، ما يتيح لها التنقل. هذا ما قاله أحد العاملين في أحد مكاتب التوظيف المرخصة، مطالباً وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بضبط مكاتب التوظيف الوهمية، كونها تسيء لسمعة بقية المكاتب الخدمية.

عجز مؤسسات الدولة عن استقبال موظفين جدد، هو ما جعل الشباب يلجؤون إلى هذه المكاتب، فقد حددت الخدمة المدنية عدد الوظائف المقدمة للشباب المتخرجين بـ13 ألف وظيفة سنوياً، قبيل 2014، إلا أن اتساع رقعة الحرب في اليمن، أدى إلى تشتيت مؤسسات الدولة بين الحكومة المعترف بها دولياً، وسلطة أنصار الله (الحوثيين)، وهو ما جعل مسؤولية التوظيف مباحة لغير الجهات الرسمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى