السعوديون يأملون بإنتهاء حرب إستنزافهم في اليمن بقلم/ سليمان نمر
بقلم/ سليمان نمر
يتمنى السعوديون قبل غيرهم أن تنتهي حرب الاستنزاف التي تخوضها دولتهم في اليمن منذ اكثر من ست سنوات دون ان يلوح في الافق اي بصيص امل لإنتهائها.
من يحاول جس نبض المواطن السعودي يستنتج وجع الشارع من نتائج الحرب اليمنية. حرب لا تستنزف دولتهم فقط بل كل السعوديين. بسبب هذه الحرب، اصبحوا يواجهون ظروفاً اقتصادية، هي بأقل توصيف ممكن “غير مريحة”. فقد إنتهى زمن “البحبوحة” الاقتصادية التي عاشها السعوديون في عهود سابقة واصبحت المملكة ـ برغم دخلها الكبير من موارد النفط ـ تعيش في حالة كساد اقتصادي واضح. لم تجد الدولة السعودية مفراً من تحميل المواطن السعودي جزءاً من أكلاف الواقع الإقتصادي والمالي الصعب. فرضت الدولة على شعبها المزيد من الرسوم والضرائب؛ وفي المقابل، لم يعد يحصل المواطن على العلاوات والبدلات التي كانت الدولة تصرفها بكرم على موظفيها وبالتالي على مواطنيها في العهود السابقة، يوم كانت الدولة تتولى تقديم الرعاية للمواطنين. وعلى سبيل المثال لا الحصر، زادت “ضريبة المبيعات” من 5% الى 15% – تبلغ هذه الضريبة في بقية دول الخليج، حتى الاقل ثراء من السعودية، 5% فقط – كما زادت رسوم الخدمات الحكومية والبلدية بشكل اصبحت تشكل عبئاً كبيراً على المواطن بالاضافة الى فرض رسوم “غريبة”، مثل رسوم المحافظة على البيئة، ورسوم التخلص من المواد الخطرة!
والاهم من ذلك رفع الدعم عن اسعار الوقود والكهرباء والمياه وعن الكثير من المواد والخدمات الاساسية، فالسعودي الذي كان يدفع 10 سنتات اميركية لليتر البنزين الواحد اصبح يدفع الان نحو خمسين سنتاً، بالاضافة الى ذلك، فإن الكثير من مشاريع البنية التحتية يتأخر تنفيذها. مثلاً مشروع مترو الرياض الذي كان من المفروض ان ينتهي في نهاية عام 2019 ما زال قيد الانشاء، من دون تقديم مبررات مقنعة لتمديد ورشة تنفيذه، عدا ظروف كورونا الصعبة التي طالت العالم بأسره. يسمع المواطن السعودي عن مشاريع بقيمة عشرات لا بل مئات مليارات الدولارات يُعلن عنها بين حين وآخر، مثل مشروع “نيوم” وآخرها مشروع منطقة “العلا” الأثرية التي قال الاعلام السعودي انها ستكلف حوالي 20 مليار دولار على مدى عشر سنوات وان المشروع سيوفر 38 الف فرصة عمل للسعوديين، وأيضاً مبادرة “السعودية الخضراء” و”الشرق الاوسط الاخضر”، وهذه كلها تصب في خانة رزمة المشاريع الطموحة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ولم تقتصر زيادة الاعباء المعيشية والاقتصادية ـ بسبب حرب اليمن ـ على السعوديين فقط، بل شملت المقيمين العاملين وغير العاملين في المملكة – (غادر حوالي المليوني مقيم منهم خلال السنوات الخمس الماضية بسبب سياسة توطين أو “سعودة” الوظائف)، فالمقيم فرضت عليه رسوم اقامة على افراد الأسرة تبلغ 4800 ريال سعودي، أي نحو 1600 دولار سنوياً على كل فرد في الأسرة الواحدة، الامر الذي ادى الى رحيل عشرات الالاف من عوائل العاملين غير السعوديين، وهذا ساهم في زيادة الركود التجاري، وتم فرض مبلغ 9800 ريال – نحو 3200 دولار – سنويا رسوم رخصة عمل و750 ريالا – نحو 200 دولار- رسم اقامة على كل مقيم عامل في السعودية. وقد أدت زيادة رسوم الخدمات المفروضة على المواطن والمقيم إلى زيادة نسبة العوائد غير البترولية في ميزانية الدولة.
وما يبحث عنه السعودي الآن ليس الحصول على وظيفة فقط بقدر ما يريد ان يعيش ظروفا اقتصادية ومعيشية افضل وان تخفف الدولة الاعباء التي يتكبدها سنوياً والتي تزايدت خلال السنوات الست الاخيرة، وهو يعلم ان هذا لن يتحقق قبل انهاء حرب الاستزاف في اليمن. فالسعودي ليس مهتماً بمعرفة من المسؤول عن تورط المملكة فيها بقدر ما يفكر ويرجو ان تنتهي الآن. الشارع السعودي كان قد تفاعل مع الآمال التي تعاظمت بإمكان إنهاء حرب اليمن حين أعلنت الإدارة الأميركية الجديدة عن تعيين المبعوث الخاص تيموثي ليندركينغ لهذه المهمة، فسارع الأخير إلى إجراء إتصالات مع الحوثيين في مسقط بغية التوصل الى حل سياسي، ولكن آمال السعوديين هذه سرعان ما تبددت. هم يرون ان خصمهم في الحرب في اليمن، يصعّد الحرب داخل الاراضي اليمنية وبهجمات صاروخية وطائرات مسيرة، من دون أن يعبأ بالمبادرة السعودية وبالمساعي الاميركية والدولية لوقف الحرب وجمع الاطراف المتحاربة للتفاوض بشأن تسوية سياسية تضمن للجميع حقوقه. هذا الرفض الحوثي يؤكد للمواطن السعودي بالملموس أن إيران هي صاحبة القرار في اليمن. لذا ما يأمله السعودي هو تسوية يمنية بمشاركة إيرانية. ما يأمله المواطن السعودي أن تؤدي تسوية إقليمية ودولية إلى إنهاء حرب اليمن بأسرع وقت ممكن. هم يتذكرون مقولة الملك المؤسس الراحل عبد العزيز “خيركم من اليمن وشرّكم منه”.. وما يشهده السعودي حاليا هو “الشر من اليمن”، على حد تعبير أحد السياسيين السعوديين المتقاعدين. السياسي نفسه يستذكر في هذه الايام، كيف ان الامير الراحل سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد ووزير الدفاع السابق، اوجد للسعودية – من بعيد ومن دون أي تدخل مباشر او خوض حروب – نفوذاً في اليمن، من خلال المساعدات والمعونات الاقتصادية ليس للحكومة في صنعاء فقط بل للقبائل التي كانت تحرص على عدم اغضاب السعودية.