الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

أسواق “العطارة” في اليمن.. الأعشاب بين العادات والتحصين من الأوبئة

حيروت

في أحد محلات سوق “الشنيني”وسط مدينة تعز، تقف سامية الحمادي ربة بيت لشراء احتياجاتها من التوابل ومواد العطارة والحبوب لتوفير كل مستلزمات الأطباق المُتعارف عليها خلال الشهر الفضيل، وفي سوق الشنيني حيث تُعرض فيه مختلف مواد العطارة، والحبوب بجميع أنواعها، تجد الحمادي غايتها لتحضير الأكلات الخاصة والمتنوعة التي تعودتْ عليها أُسَرتها وارتبط حضورها بقدوم رمضان وإعداد أطباقٍ معينة لا تحضر في سواه.

المطبخ اليمني في رمضان كالعادة يتميز بأكلاته المتنوعة باختلاف العادات والطقوس المتواجدة في أكثر من محافظة يمنية، لكن هذه الأكلات لا تخلو من التوابل أو الحبوب التي تدخل ضمن المكونات الأساسية للعديد من المأكولات المشهورة في رمضان والتي اعتاد عليها اليمنيون كعادة رمضانية لا تخلو مائدة الإفطار منها.

على سيرة الإقبال المتزايد لشراء البهارات والحبوب، تقول سامية إن هذا الأمر متوقع وخاصة مع حاجة البيت اليمني لإعداد أطباق المائدة الرمضانية كالشوربة والشفوت والسمبوسة وغيرها من الأكلات التي تتوقف عملية تحضيرها على مواد العطارة أو الحبوب بأنواعها كما هو الحال بالنسبة لطبق “الباجية”، وهي مصنوعة من اللوبيا، حيث تٌنقع بالماء الساخن من اليوم الأول ثم تطحن وتقلى بالزيت، والبعض يتناولها مع “البسباس” المطحون.

في المقابل يرى موسى أحد المواطنين في محافظة عدن، أن السبب وراء إقبال الناس هناك على أسواق العطارة والتوابل يعود إلى احتياج الأسرة لتحضير المأكولات التي تشتهر بها عدن في رمضان ومنها :”التعر” وهو عبارة عن العدس مع بطاط مخلوط بـ”الحُمَر” (التمر الهندي)، بالإضافة إلى أطباق مثل “الشوربة” و”الشفوت” و”الزربيان” و”اللبَنية”، وغيرها من الأكلات التي تكون حاضرة على مائدة الإفطار في رمضان.

علاج لـ”كورونا”
بالتزامن مع تفشي الموجة الثانية لفيروس كورونا في اليمن، عادت الحياة من جديد في أسواق العطارة والبهارات في معظم المدن اليمنية، إذ شهدت إقبالاً واسعاً من قبل المواطنين، لاسيما في ظل ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، الأمر الذي دفع الكثير من المواطنين إلى التداوي بالأعشاب، وهو ما زاد الحركة في”أسواق العطارة”وإقبال المواطنين على شراء أصناف عديدة منها للوقاية من المرض.

في السياق تحدث حسين النجار، وهو مالك محل للبهارات والعطارة في سوق الشنيني بتعز، مؤكداً إقبال المواطنين على شراء الأعشاب والبهارات، ويأتي الثوم والعسل والكركم والحبة السوداء واللوز وأنواع أخرى من البهارات في المرتبة الأولى من حيث السلع التي يتم البحث عنها، بحسب “المصدر”.

وبحسب النجار فإنه رغم تراجع حركة السوق الناتجة عن الحرب وتبعاتها، إلا أنه وبالتزامن مع عودة كورونا فإنه يشهد إقبالا كبيراً لشراء أصناف عديدة من البهارات، مضيفاً أن الأوضاع المعيشية الصعبة للناس وتأخر وصول اللقاح المخصص لكورونا، هو ما يدفعهم إلى اللجوء لشراء هذه المنتجات الطبيعية للتداوي بها.

في عدن تحدث بائع مواد العطارة ياسر أبو عمار، قائلاً: “يوجد ارتفاع في الطلب على أصناف محددة من البهارات ومواد العطارة وخصوصا مع انتشار الحميات”.

ويشير التاجر أبو عمار إلى وجود إقبال كبير على منتجات معينة كالحبة السوداء والثوم والتمر الهندي، وأن زيادة الطلب على هذه الأصناف من السلع يأتي ضمن الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا وكذلك الحميات المنتشرة في المدينة.

على غرار الاعتقاد الذي يحمله غالبية المجتمع اليمني بأن التوابل تحميهم من معظم الأمراض التي يعانون منها كثيراً، وأنها الوسيلة المناسبة في مكافحة الأوبئة، عدّد تاجر عطارة في سوق الملح بصنعاء، مجموعة من الأصناف التي يقبل الناس على شرائها وفي مقدمتها الثوم، بالإضافة إلى سلع أخرى مثل الكركم والقرفة والحبة السوداء وغيرها من التوابل التي يعتقدون بأنها الأداة الأفضل والأقل سعراً لمواجهة الوباء.

إلى ذلك يؤكد مجدي الطيار الذي عانى لفترة من أعراض كورونا في حديثه، أنه حرِص على شراء بعض التوابل التي سمع بأنها مفيدة لتقوية المناعة ضد الفيروسات، وهناك سبب آخر مهم يلعب دورا كبيرا في إقبال المواطنين على مواد العطارة بحسب حديث الطيار، يتمثل في الوضع المعيشي الذي لا يسمح لكثير من الناس بتلبية احتياجاتهم من الأدوية وخصوصا مع ارتفاع أسعارها في اليمن.

ارتفاع الأسعار
مؤخراً زادت حركة أسواق العطارة في أغلب مُدن اليمن، غير أن أمور التسوق فيها لا تسير بالتوافق مع القدرة الشرائية التي تراجعت لدى أغلب اليمنيين بفعل الحرب وفقدان الكثير لوظائفهم ومصادر دخلهم، الأمر الذي يشكو منه المواطنون نتيجة ارتفاع الأسعار بشكل مفاجئ بين فترة وأخرى، وبمجرد عمل مقارنة بين السعر الحالي لسلعة معينة مع سعرها قبل الحرب مثلاً، ستجد فارقاً كبيراً وخصوصاً مع تدهور العملة المحلية وتجاوزها حاجز الـ800 ريال في عدن والـ596 ريال في صنعاء أمام الدولار في سعر الصرف.

وبحسب تقديرات التاجر حسين النجار، فقد زادت حركة سوق الشنيني بنسبة 70% عن الأيام العادية، ويعزو ذلك إلى موسم شهر رمضان الذي يٌعيد الحياة للسوق التاريخي في كل عام رغم تأثره بالحرب المستمرة وتبعاتها، ويضيف: “تراجع إقبال الناس على منتجاتنا بسبب الحرب لذلك نظل منتظرين موسم رمضان والأعياد بفارغ الصبر، لتنتعش حركة السوق ومواد العطارة من جديد في معظم أسواق العطارة داخل اليمن”.

في المقابل يعاني المواطنون في اليمن نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد، حيث تفاقمت معاناتهم بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة كبيرة مع اقتراب شهر رمضان هذا العام، حول هذا الأمر يٌعلق وفيق صالح – صحفي مهتم بالشؤون الاقتصادية، قائلاً: “إن استمرار تدهور الريال اليمني في ظل عدم وجود إصلاحات حكومية ومعالجات حقيقية على الأرض تضمن تحقيق الاستقرار في سعر الصرف بشكل مستدام، فإن ارتفاع أسعار السلع الغذائية بشكل طردي هو أمر متوقع لاسيما وأن البلاد تستورد 90% من احتياجاتها الغذائية من الخارج”.

وأدّت الحرب في اليمن خلال السنوات الماضية إلى عجزٍ وتدهور في الوضع الاقتصادي للبلد، ووصلت نسبة الاستيراد إلى ما يقارب 90% من أساسيات المواد الغذائية، حيث تعتمد اليمن بشكلٍ كاملٍ تقريباً على الواردات، وتشير بيانات التجارة الخارجية إلى أن واردات الحبوب تأتي في المرتبة الأولى بالنسبة لقيمة الواردات، وتأتي الحبوب في المرتبة الأولى في قيمة الواردات حيث تستورد القمح والدّقيق، وبلغت قيمة الواردات في عام 2015م للحبوب 1،1 مليار دولار، بينما استوردت اليمن في ذات العام منتجات عطرية وتوابل وبهارات بنحو 10 مليارات ريال، يأتي ذلك رغم تراجع الإنفاق على هذه السلع في السنوات الأخيرة التي تلت الحرب في البلاد وتزامناً مع تدهور الأوضاع الاقتصادية جراء الحرب وانخفاض القدرة الشرائية لدى المستهلكين في البلاد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى