استطلاعات وتحقيقاتالأخبارمحليات

من خلف الجدران: كورونا وأوبئة أخرى تفتك بحياة نزلاء السجن المركزي في تعز.. والعشرات تحولوا إلى مرضى نفسانيين “تحقيق”

حيروت – تعز

قال مسؤول الترصد الوبائي بتعز “خمس حالات مؤكدة في السجن، تم نقلهم إلى مركز العزل بالجمهوري”.

“المصابون بكورونا كثير.. رجموا بنا خلف هذه الزنزانات، بلا علاج، ولا رعاية” هكذا رد السجين “وجدي العاقل” على سؤال وجه له عن حالة نزلاء السجن المركزي بتعز.

مُضيفاً: “في العام الماضي كان محمد الزير مصاباً بكورونا.. ولأنه كبير بالسن، تقريباً عمره 82 عام، قضى عليه الفيروس، بعد أربعة أيام من إصابته.. القائمون على السجن لم يعالجوه، فمات في قسم المُتهمين (أ)”.

في الموجة الأولى من كورونا بدأ الفيروس ينتشر بين النزلاء بشكل كبير، لأن من طرق انتقاله هي التواصل المُباشر مع المُصاب، لذا فإن ضيق المسافات في السجن يُعتبر بيئة خصبة لانتقال الأمراض المُعدية خصوصاً مع غياب التطبيب، وضعف المناعة لدى السجناء نتيجة نقص الطعام وغياب النظافة بشكل كُلّي.

قُرابة الألف سجين يقطنون في هذا السجن، ويتوزعون بين ستة أقسام رئيسية وهي قسما المُتهمين (أ، ب) وقسم المعمل، وقسم الشريعة، وقسم الأحداث، والقسم الخاص بالنساء. بالإضافة إلى قسم المُلحق الذي يضم أسرى من المقاتلين الحوثيين.

ويضم قسم الأحداث السجناء الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 16 عام وحتى الـ 21 عام. وتتنوع قضاياهم بين قتل وسرقات وغير ذلك من التُهم.

تزدحم أقسام السجن ويتكدس السجناء في أماكن ضيقة تفتقر لأدنى المُتطلبات الصحية من نظافة وتهوية، هذا ما يجعل النزلاء أكثر عرضة للإصابة بالفيروس، وبحسب تأكيدات بعض السجناء، فإن القسم الواحد يضم ما بين 100 إلى 150 سجين فأكثر كما هو الحال في قسم المُتهمين (أ) والذي يضم 280 سجيناً، مما يسهل انتقال العديد من الأمراض المُعدية كالأمراض الجلدية، وهذا ما حدث ويحدث، وكل يوم يزداد الأمر سوءً.

يقول السجين (م. ر): “السجن بلا عيادة.. تصور سجناً فيه المئات من السجناء، كل ما يوجد هو صيدلي يدعى عرفات الصوفي.. إذا مرض واحد يجيبوا له إبر مُهدئة أو مغذية”. مشيراً إلى أن “في كثير من الأحيان نضطر أن نشتري العلاجات التي نحتاجها من خارج، نرسل عسكري ونعطيه الفين ريال حق المشوار”.

المعلومات التي حصلنا عليها تفيد بأن عدداً من السجناء أصيبوا بفيروس كورونا في موجته الثانية، وأنهم يعيشون أسوأ الظروف من دون علاج أو عناية.

يقول ياسين الشريحي، مسؤول الترصد الوبائي بتعز “بشكل مفاجئ نزلنا إلى السجن المركزي لتقصي النزلاء وفحصهم، وهناك أجرينا الفحوصات على بعض الحالات وتفاجأنا بالنتيجة إيجابية، وعددها خمس حالات مؤكدة بالإصابة وتم نقلهم إلى مركز العزل بالجمهوري”.

وأضاف الشريحي: “عدد السجناء الكبير، ووضعهم المزدحم يزيد من عدد المصابين، لذلك قمنا بإنزال فريق مُتكامل لتعقيم كل مرافق السجن، وصرفنا بعض الأدوية والمعقمات ووسائل الحماية”.

وعن الإجراءات التي اتخذتها إدارة السجن، يقول مدير السجن المركزي، عصام الكامل “منعنا زيارة السجناء كي لا تزداد عدد الإصابات مع دخول أهالي النزلاء.. ونكثف من عملية النظافة داخل أقسام الإصلاحية بشكل متواصل مع عملية رش المعقمات والمطهرات”.

وأكد الكامل قيام إدارة السجن بعزل الحالات التي تم الاشتباه بها، وعددها 17 حالة، وإجراء الفحوصات الطبية لها.

كورونا، كوليرا، حمى الضنك، طفح جلدي، اسهالات غير معروف طبيعتها.. كلها اسماء لأمراض تنتشر في أوساط السجناء ناهيك عن الأمراض الجلدية التي تصيب العشرات منهم بشكل كبير ومستمر، حد قولهم، ويرجعون السبب إلى خزانات المياه الخاصة بالسجن لأنها غير مُعقمة والمياه ملوثة أيضاً.. وينعدم علاج الفطريات في السجن بشكل نهائي.

سوء التغذية.. عقوبة مزدوجة للسجناء

حبتين خبز.. هي وجبة السجين
من تفشي الوباء إلى غياب الأدوية والرعاية الصحية إلى الطعام الفاسد والملوث.. حال السجناء حال “المعذبون في الأرض”، ثياب مُعلقة على الجدران، حقائب الكريستال ترافق كل سجين، وتحتفظ بثيابه من الضياع..

سجناء فوق أسِرّة نومهم داخل غرف مُتفرقة في القسم الواحد، وآخرون يفترشون صالات الأقسام كما يبدو في الصورة، وذلك نتيجة لزيادة أعدادهم يوماً بعد يوم.

“كلنا بلا أكل، بلا شرب، الفطور رز وبطاط، والسحور فاصوليا وحبتين خبز” بهذه المُفردات يختزل السجين محمد عبدالله، ذو الملامح الشاحبة الظروف المعيشية والحياة القاسية والمعاناة التي يعيشها الكثير في السجن المركزي بتعز.

ويضيف محمد: “في بقية الأيام يجيبوا لنا 3 حبات رغيف وقليل فاصوليا، قلك هذا صبوح.. وحبتين رغيف على العشاء مع فاصوليا”.

غذاء في أدنى مستوياته يقدم لهؤلاء، بل يكون فاسداً في بعض الأحيان كما قال سجين آخر بجوار محمد.

الشاي أو كما يسموه السجناء بـ “عصير المساجين” كمية لتر واحد يخصص لعشرة سجناء، حيث أوضح (ع. م): “لتر واحد من الشاي لا يكفي عشرة سجناء في وجبة الإفطار ومثلها وجبة العشاء.. لا نعرف كيف نتقاسمه؛ لذلك بعضهم يلجؤون إلى استخدام الأكياس الفارغة”.

ليس هذه المعاناة والعذابات التي تواجه النزلاء فحسب، بل هناك ما هو أشد قسوة.. بعض السجناء من أماكن بعيدة، ذمار، إب، التربة، هؤلاء ليس لديهم أهالي في تعز.

يشرح “رسيان”، وهو أحد نزلاء السجن، الوضع قائلاً “بعض السجناء مافيش معاهم أهل في المدينة، عشان يزودوهم بأكل من البيوت؛ وما عندهم مصاريف أيضاً.. يضطروا يغسلوا الملابس للسجناء الآخرين، القطعة بـ 50 ريال، ويشتروا لهم أكل بجانب أكل السجن، لأنه لا يكفي”.

عشرات السجناء تحولوا إلى مرضى نفسانيين ولا وجود لأي تطبيب

مصحة السجن مغلقة منذ بداية الحرب!
يمر السجناء بحالة من الإحباط واليأس، والإنهيار النفسي.. غياب الإهتمام الصحي والمعيشي، وتكدسهم بين أربعة حيطان، لا يدرون ما العمل، سوى أنه لا مخرج لهم من هذا السجن. السجن الذي يبدو قد ساء كثيراً في سنوات الحرب، أثر على نفسياتهم بشكل كبير.

ملامح السجناء وتصرفاتهم توضح أن كثيراً منهم قد فقدوا اتزانهم النفسي.. فيما القليل تطورت حالاتهم وساء وضعهم إلى أن دخلوا بأزمة نفسية. وتؤكد المعلومات التي حصلنا عليها من داخل السجن بأن الكثير من نزلاء السجن تحولوا إلى مرضى نفسانيين، نتيجة لبقائهم دون معرفة مصيرهم المجهول، كما ضاعف عودة فيروس كورونا من الخوف الذي يسكن نفوسهم.

العشرات من المتهمين تحولوا إلى مرضى نفسانيين.. وجميعهم يفتقرون لأدنى أشكال الرعاية التي كانت تقدم للمرضى في السابق، وتحديداً في قسمهم الخاص المعروف بـ “المصحة”. اليوم وقد تغير الحال منذ بداية الحرب، لم يعد النفسانيون يقيمون في مصحة السجن، بل صاروا مختلطين في أقسام السجن.. ربما الجميع بداخل السجن يعيشون أوضاعاً نفسية مُتفاوتة، والجميع بحاجة إلى دعم نفسي بحسب الدكتور عادل مُلهي، مدير مُستشفى الأمراض النفسية والعصبية بتعز.

وتابع مُلهي: “السجن يتبع المُستشفى من حيث الإشراف الطبي، وتوزيع العلاجات للنفسانيين”. سألنا: كم عددهم؟ أجاب الرجل: “العدد الفعلي للمرضى النفسانيين في السجن غير معروف، نظراً لأنهم مُدمجون بين النزلاء.. لكنهم بالعشرات”.

عراقيل تقف أمام إفراج بعض السجناء

مطلع العام الماضي، وعند انتشار وباء كورونا أصدرت توجيهات رسمية بدءً من رئاسة الجمهورية ومجلس القضاء الأعلى والسلطات القضائية المحلية في مدينة تعز تقضي بتشكيل لجان قضائية خاصة بالنظر في هذه المساعي، مساعي الإفراج عن السجناء والتعامل مع هذا الأمر من زاوية قانونية وإنسانية أيضاً.. وذلك ضمن الإجراءات الاحترازية لمواجهة الفيروس.

وبحسب حديث “علي الصراري”، محامي، فإنه تم الإفراج عن العشرات من السجناء في أكبر عملية إفراج، نظراً للظروف الاستثنائية، وحرصاً على ” حقوق الضحايا” وعلى حقوق السجناء في عدم التعرض للهلاك في حال انتشر الوباء بشكل أوسع”.

السجناء أكدوا من جهتهم بأن الإفراج شمل 100 مُحتجزاً وسجيناً في قضايا غير جسيمة؛ فيما آخرون تم عرقلتهم ومُنِعوا من التوقيع والإفراج، وحتى اليوم ومعاملاتهم تقابل بالرفض.

الجانب المُظلم في السجن..
المُعسرون.. هكذا يوصف السجناء الذين على ذمّتهم مَديونية أو غرامات مالية. يقبعون في زاوية خاصة من السجن، تلك الزاوية المظلمة التي لا يجدون حلاً للخروج منها.

(و. ه) أحد السجناء المُعسرين، حبيس جدارين في مركزي تعز، لأكثر من سنتين ونصف بتهمة سرقة 173 جرام ذهب.. لم يستطع هذا السجين دفع ما على ذمته من مديونية، حد قوله، سوى بيعه إحدى كليتيه، “أشتي أبيع كليتي وأخرج من هذا الضيق، أنا تعبت”.

واستطرد: “غريمي قال يشتي 3 مليون و 900 الف ريال مقابل الـ 173 جرام ذهب، على حساب الجرام بـ 22500 بسعر تلك الفترة؛ لكن القاضي رفض وحكم بالذهب لا بالقيمة.. هذا ظلم أنا ما بقدر أدفع 7 مليون ونصف”.

هذا السجين واحد ضمن ما يقارب 25 سجيناً.. عام تلو آخر يمر وهؤلاء صفر اليدين. جميعهم غير قادرين على الدفع. ودور التجار وفاعلي الخير الذين كانوا بالأمس (تحديداً قبل سنوات الحرب) يتكفلون بإخراج العديد منهم.. اليوم يظل المُعسرون في زنازينهم دون منقذ.

(أ. ص) سجين مُعسر يقول: ” قبل الحرب كان الناس يجمعوا فلوس والتجار يتعاونوا وفاعلين خير يدفعوا الغرامة على سجناء معسرين ويخرجوهم؛ لكن الآن اختلف الأمر كل واحد يهم نفسه”.

يعيش السجناء وضعاً مُزرياً في سجن يبدو بمثابة قفص صغير لا يوجد فيه سوى أوكسجين مُتعفّن، والمكان بأكمله مليء بالنفايات التي تتوزع في محيط السجن دون أي اهتمام يذكر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى