في يومهم العالمي: عذاباتهم تتضاعف والرعاية بهم تتضاءل في اليمن!
حيروت
في اليوم العالمي للتوحد، والذي يوافق 2 أبريل/ نيسان من كل سنة، تتزايد أعداد الأطفال المصابين بهذا المرض، وتتفاقم معاناتهم في اليمن.
“لا تستهن بقدراتي” لافتة معلقة في إحدى زوايا مركز الأمل لعلاج أطفال التوحد في مدينة تعز. ما إن تجتاز هذه العبارة ويقع ناظريك على أطفال المركز حتى ترى سلوكًا لم تعهده من قبل، فلا ملامح وجوههم البريئة قادرة على الاستغراب والدهشة، ولا اللغة قادرة على إعطائهم بعض الكلمات ليتحدثوا بها، فقط أصوات غير مألوفة وردود أفعال غير اعتيادية هي جزء من مؤشرات إصابتهم بمرض التوحد.
على الرغم من تأثير الحرب على مختلف شرائح المجتمع اليمني، لا سيما ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم من الفئات المتضررة جراء تدهور الأوضاع المعيشية في اليمن، إلا أن مرضى التوحد بتعز أخذوا نصيب الأسد من الإهمال والمعاناة، فكانوا الحلقة الأضعف نتيجة توقف المركز الوحيد في المدينة، على مدى ثلاثة أعوام بسبب الحرب، قبل أن يتعافى من جديد مطلع العام 2018. قصص عديدة يضمها مركز الأمل، معظمها خلفتها الحرب وتداعياتها، مما فاقم الأزمة على العديد من الأُسر.
قصص ماثلة
والدة الطفل عبدالقوي -عبدالقوي طفل مصاب بالتوحد- كغيرها من الأمهات اللاتي عانين كثيرًا لعدم فهم التصرفات الغريبة التي بدت على أولادهن، فبعد أن فقد زوجها مصدر دخلهم الوحيد بسبب الحرب، وجدت نفسها وحيدة في البحث عن العلاج لطفلها ومساندة زوجها في توفير لقمة العيش إثر توقفه عن العمل.
في حديثها تقول والدة عبدالقوي، إنها لاقت صعوبة في التعامل مع طفلها منذ ظهور أعراض التوحد وهو في عمر ثلاث سنوات، لكنها لم تدرك طبيعة المرض إلى أن نصحوها أشخاص بالذهاب إلى مركز الأمل، وهناك تحسن الطفل وتعلم الكثير من المهارات على يد المدربات في المركز.
في المقابل تحكي والدة الطفل أحمد معمر، قصتها بصوت مخنوق وملامح حزينة باهتة قائلة: “ظروفنا صعبة للغاية والحرب شردتنا، وزوجي مصاب بالفشل الكلوي، وأحيانًا لا أستطيع توفير قيمة العلاجات لابني أو دفع قيمة الإيجار”.
هكذا اختصرت الأم الأربعينية معاناتها إلى جانب العديد من النساء ممن تقطعت بهن السُّبل وساءت حالتهن جراء الحرب والحصار الذي تشهده المدينة منذ أعوام.
تتذكر والدة أحمد كيف عانت في بداية ظهور الأعراض على طفلها، حتى وصل بها الأمر إلى الذهاب للمشعوذين، كل ذلك بعد أن ساورها الشك بأن الجن يسكنون جسد الطفل.
وتضيف قائلة: “قال الأطباء بأن أحمد مصاب بشحنات كهربائية في الدماغ، وصرفوا له علاج فتحسن قليلَا، لكنه انتكس من جديد، وبعد معاناة طويلة التقيت بإحدى الأخوات ووجدت أن لديها طفلًا يعاني نفس الأعراض التي يعاني منها ابني، ونصحتني بهذا المركز”.
تحسن أحمد بفعل التدريبات التي خضع لها داخل المركز، كغيره من الأطفال الذين يخضعون لعلاج الاضطرابات في السلوك الاجتماعي وصعوبة التواصل مع الآخرين، ودخلت والدته المركز كمتطوعة تتعلم كيفية مساعدته في المنزل، لكنهم يعانون ظروفًا معيشية صعبة فاقمتها الحرب وكبّدتهم ألوانًا مختلفة من الألم والمعاناة، بحسب ما نقلت “خيوط.
قصة إنسانية أخرى
بيدين مرتعشتين وملامح شاحبة مليئة بالتعب، تحكي الأم الأربعينية “نعمة” كيف كانت تحمل طفلها ذا الثلاثة أعوام وتطوف به مختلف مشافي المدينة، بحثاً عن علاج يخلص ولدها من دائِه العصي على التفسير.
استمرت معاناة الأم حتى وصل بها الأمر للذهاب إلى أحد المشائخ حينما ساورها الشك بأن الجن قد سكنوا جسد الطفل، لكن محاولاتها في خلاص ولدها من محنته، قد أحنت كاهلها وأضعفت همتها في الحياة، دون شفاء طفلها في ذلك الوقت.
ألقت الحرب بظلالها على حياة الأم وأطفالها فضلاً عن الظروف الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد، وأصبحت والدة أحمد وحيدة في مواجهة متطلبات الأسرة، لاسيما بعد فقدان زوجها للعمل وإصابته بمرض الفشل الكلوي، لتزداد معاناتها إلى جانب الاعتناء بطفلها أحمد وإخوانه الذين أصبحوا بلا عائل.
في حديثها تصف والدة أحمد حالة طفلها قائلة: “بدأت أرى طفلي يقوم بحركات غريبة، لا ينام ولا يهدأ، وكانت حركته مُفرطة حتى أنه لا يرتدي الملابس”.
وتضيف الأم قائلة: “ذهبنا به كل المستشفيات لكنهم لم يعرفوا طبيعة المرض، واستمر على حاله إلى أن لقيتٌ إحدى الأمهات التي أوصتني بمركز الأمل للتوحد” مضيفة أن عمره الآن عشر سنوات، ومنذ عامين وأحمد في مركز الأمل للتوحد يتلقى التدريب في المركز.
وتتابع حديثها قائلة:” أطفال التوحد يفتقدون للأجواء التي يعيشها الطفل الطبيعي، وقد كان للمبادرات والمنظمات دور كبير في توفير بعض الأدوات التعليمية والألعاب الترفيهية وتعريف المجتمع بهذه الفئة”. مشيرة إلى أن المركز يعمل جاهدا لمساعدة الأطفال على تجاوز الظروف الصعبة التي يعيشونها بسبب الحرب.
توقف النفقات التشغيلية
في مدينة تعز يوجد مركز وحيد لاستقبال حالات التوحد من الأطفال، وهو مركز الأمل الذي تأسس عام 2007، بشكل بسيط للغاية على يد رئيسة المركز سميرة الباشا بحسب مديرته الحالية، أمل السقاف، وتطور تدريجيًّا إلى أن أصبح يضم حوالي 81 طفلًا وطفلة من مرضى التوحد، إلا أن ذلك العدد تقلص مع نقص الإمكانيات وضيق المكان؛ الأمر الذي دفع المركز لاستقبال عدد أقل مما كان عليه في السابق.
وتشير السقاف في حديثها إلى وجود صعوبات كثيرة تواجه المركز، كان آخرها توقف معظم النفقات التشغيلية من قبل الجهة الوحيدة الداعمة للمركز والمتمثلة بصندوق رعاية وتأهيل المعاقين في صنعاء، وبقاء النفقات الأساسية. وتشكو السقاف من عدم توفر الوسائل التعليمية ووسائل المواصلات للمركز قائلة: “النفقات قليلة جدًّا، ولا نملك وسائل مواصلات للأطفال والمعلمين، في مقابل أن ظروفهم المعيشية متردية جدًّا، فيما المعلمات شبه متطوعات، يتقاضين 19 ألف بالشهر، لكنها تُصرف كل ثلاثة أشهر، وأحيانا تزيد تلك المدة”.
ونظرًا لوقوع المقر الرئيسي للمركز سابقًا في منطقة الاشتباكات، وتحديدًا جوار فندق سوفتل شرق المدينة، الأمر الذي أدى إلى إنشاء فرع وسط المدينة وآخر في الحوبان نظرًا لصعوبة التنقل بين الحوبان ومدينة تعز.
نجاح رغم الصعوبات
استطاع مركز الأمل للتوحد رغم الصعوبات والتحديات التي أحدثتها الحرب، أن يدمج عددًا من الطلاب الذين خضعوا للبرامج التأهيلية وإلحاقهم بالمدارس، بعد أن تحسنت سلوكياتهم الحياتية بفعل التدريبات التي خضعوا لها، وهناك أكثر من 10 طلاب تم دمجهم مؤخرًا مع أقرانهم في المدارس كما تؤكد ذلك الأستاذة فايزة الأصبحي إحدى المدربات في المركز لـ”المصدر”.
وتتابع الأصبحي حديثها قائلة: “أطفال التوحد يفتقدون للأجواء التي يعيشها الطفل الطبيعي، لا سيما في ظل استمرار الحرب وسقوط القذائف بين الحين والآخر في الأحياء السكنية، وقد كان للمبادرات والمنظمات دور كبير في توفير بعض الأدوات التعليمية والألعاب الترفيهية وتعريف المجتمع بهذه الفئة”، مؤكدة أن المركز يعمل جاهدًا لمساعدة الأطفال على تجاوز الظروف الصعبة التي يعيشونها بسبب الحرب.
هذا ويواصل مركز الأمل تقديم بعض الخدمات الصحية من خلال التنسيق مع المستشفيات الحكومية، أو مختبرات صحية من أجل عمل فحوصات بالمجان، ويقوم بتنفيذ أنشطة ترفيهية حسب الإمكانيات المتوفرة للمركز، بحسب الأصبحي.
وفقا للقائمين على المركز، يخضع 60 من الأطفال المصابين بالتوحد لبرامج تعديل السلوك وتنمية المهارات الاجتماعية واللغوية وكذلك القدرات العقلية وتطويرها، بالإضافة إلى تعليمهم المهارات الحركية والاستثارة الحسية والتخاطب، فضلا عن وجود 40 ممن تتجاوزت أعمارهم سن الثامن عشرة يستفيدون من باقي الخدمات خارج إطار التعليم داخل المركز.