الجنوب المحتل : نجح الخليجي فيما لم تفلح به بريطانيا العظمى ” 2 – 1 ” !! بقلم / نصر صالح
بقلم/ نصر صالح
نجح الخليجي في ما لم تنجح فيه بريطانيا العظمى التي اشتهرت تاريخيا بسياسة «فرق تسد» Divide and conquer..
وكما هو معروف، فإن «فرق تسد»، سياسة ماكرة قديمة أستخدمها الغزاة منذ القدم، غير ان بريطانيا اشتهرت بها في التاريخ المعاصر. وهي «مصطلح سياسي، عسكري، اقتصادي واجتماعي، يعني تفريق قوة الخصم الكبيرة إلى أقسام صغيرة متفرقة لتصبح أقل قوة وغير متماسكة، ليسهل السيطرة عليها. كذلك يعني منع القوى المستهدفة من أن تتحد وتشكل قوة كبيرة يصعب السيطرة عليها او ترويضها».
.. وبالنظر إلى ما هو قائم في الجنوب اليمني المحتل، فيُعترف للخليجي بنجاحه في تطبيق «سياسة فرق تسد».. فقد تمكن من بث الفرقة والكراهية والبغضاء في دواخل اليمنيين ضد بعضهم البعض.
نعم للأسف؛ نجح في تفريقنا عن بعضنا وفي افتراقنا حتى عن أصل هويتنا اليمنية، بخاصة نحن أهل الجنوبي المحتل.
.. نجح الخليجي حيث تعثرت كثيرا بريطانيا العظمى في سياستها «فرق تسد» مع الجنوبيين، بخاصة بعد الصحوة الثورية التحررية التي ايقضتها ثورة 23 يوليو 1952 والزعيم الراحل جمال عبد الناصر. ويتعجب المرء كيف تمكن الإحتلال الإماراتي/ السعودي من التأثير على الجنوبي وجعله يبغض الشمالي ويسبه وإعتبار الشمالي محتل لأرضه يغتصب ثرواته وهو (أي الخليجي) إنما جاء ليحرره من ذاك الإحتلال المفترض، كما نجح -عبر ادوات محلية- في جعل الشمالي يكيل للجنوبي نفس القبح بالمقابل.. بل ونجح -أيضا- في نبش ثارات 13 يناير 1986م التي كادت أن تنسى تماما، واشتغل على تحفيز ما كان يطلق عليهم «الطغمة» لمقاتلة ما كانوا يُسمون «الزمرة» من جديد في عدن وابين وشبوة. وسلح ومول «جماعة الزبيدي» ضد «جماعة هادي»، كما سلح ومول «جماعة هادي»، وحفزها -بالمقابل- لأن تفعل ذات الشبء بجماعة الزبيدي.. ولم يقف عند هذا، بل نجح في توجيه الجماعات السلفية لتذبح غير السلفي، وجماعة الأخوان لتقتل غير الأخواني.. والأدهى أنه نجح في توحيد كل هؤلاء المتناقضين المقتتلون ليقاتلوا معه جماعة أنصار الله والجيش اليمني (أو ما تبقى منه).
واللافت؛ أنه فيما نجح في بسط إحتلاله للجنوب بالعسكر وبسياسة «فرق تسد»، فشل في الشمال وخسر حربه على اليمن أمام «الحوثي» الذي أُشعلت هذه الحرب شبه العالمية خصيصا لسحقه (كما كانوا يأملون). وفيما نحن منبطحين للإماراتي وللسعودي وللقطري يفعلون بنا ما يشاؤون، نجد الحوثي ومن معه يمرغون أنوف جيوشهم في الوحل على امتداد السنوات الست للحرب.. وذلك على الرغم من القوة الباطشة التي جُمعت من نخب جيوش 15 دولة تحالفت لدمير اليمن، وبرغم تجنيد أكثر من 34 لواء من المرتزقة المحليين، فضلا عن تجنيد عناصر القاعدة وداعش وغيرهما من السلفيين والأخوان، وبرغم ما أنفقته السعودية ومعها الإمارات من أموال طائلة على الحرب؛ لشراء أحد أسلحة أمريكا الفتاكة، ولإستئجار مرتزقة طيارين، ولاستئجار مرتزقة محاربين أرضيين، ولشراء ذمم وصمت «العالمين» على مخازيه وجرائمه.. برغم كل ذلك تمت هزيمة الخليجي المعتدي وهزيمة من شاركوه في الحرب من قبل اليمنيين بقيادة الحوثي.
والمؤسف.. والمحزن؛ أن ثمة أخطاء ارتكبها أهلنا في الشمال اسهمت في نجاح الإحتلال الخليجي في الجنوب، لعل أبرزها «غزوة» صالح/ الحوثي لعدن وتعز.
ولعلها كانت السبب في كل هذا الكم من الإنبطاح الجنوبي للغازي الخليجي.. كانت بنظري خطأ إستراتيجي فادح ارتكبها صالح والحوثي (معا) عندما وجها قواتهما صوب الجنوب، في وقت ملتبس، كانت تقرع فيه طبول حرب خارجية على البلاد، ويُستدعى فيه من قبل الداخل -لأول مرة في التاريخ- جيوش دول اجنبية لتحارب الداخل.. بل واستمرا في التقدم نحو عدن رغم بدء السعودية وتحالفها قصف صنعاء بأطنان من القنابل الأمريكية.
وكان يفترض أن يستدركا الخطأ سريعا، ويعيدان مراجعة الخطة، ويوجهان تلك القوات شمالا باتجاه اراضي 34 اليمنية المحتلة: نجران وعسير وجيزان للرد على العدوان الجديد من ناحية، ولاهتبال الفرصة لبدء تحريرها.
ولعل خطأ تلك «المغامرة» في توقيتها وفي هدفها «الملتبس»، هو ما دفع اللاوعي الشعبي في عدن وما حولها وتعز وما حولها إلى «الاستنجاد» بالغزو الخارجي لانقاذهما من «الغزو الداخلي» المفاجئ. فكما هو معروف، فإن الحراك السلمي في الجنوب والذي منذ 2007 ينظم الإحتجاجات والإعتصامات والمسيرات بسبب ما لحق بهم من قبل سلطة الرئيس علي عبد الله صالح ومن حوله من المتنفذين المستبدين والناهبين. يشكون طول السنين من سيطرة وظلم القوى الشمالية المتنفذة التابعة للمرحوم صالح ولحزب الإصلاح وهادي، والذي ظفعهم إلى المطالبة بفك الإرتباط مع الشمال. وفي تعز وما حولها، لأن الكثير من الناس هناك واقعين تحت سيطرة أحزاب المشترك وتحت تأثير الأخوان المسلمين اصحاب شعار «تخليص الشوافع من سيطرة حكم الزيود».
(وللموضوع تتمة)