حيروت
تمتلك محافظة المهرة (شرق اليمن) موروثًا شعبيًّا متفردًا وضاربًا جذوره في التاريخ، فهي تعتبر متحفًا طبيعيًّا لجميع الموروثات اليمن؛ كونها أرضًا لحضارة الأحقاف وموطن عاد وثمود وسبأ وحميَر.
وتختلف التقاليد المرتبطة بهذا الموروث باختلاف جغرافيا المنطقة، وبيئة القبيلة، لكنها تجتمع في طقوس الذبائح والأهازيج والرقصات، كما أن البعض له طابع خاص يتمايز به من منطقة إلى أخرى.
يقول سالم لحيمر القميري، وهو باحث ومؤلف، إن “المجتمع المهري له عاداته وتقاليده، بل وطقوسه، وخصوصًا بالزواج”.
ويرجع القميري ذلك إلى “مكونات البيئة وتضاريسها، وإلى العادات والتقاليد التي تطبع النشاط البشري بكل وجوهه، ويغلب عليه التعصب أحيانًا، حيث لا يتزوج المهري إلا من امرأة “ذات أصل” ومن قبيلة مشهورة، وذات صفات حميدة ومن أسرة كريمة وذات صفات طيبة، مهما كانت الظروف، وإلا يظل عزوبيًّا حتى يموت”.
وللتعرف أكثر على طابع إقامة هذه المناسبات في المهرة، تبدأ المراسيم بالآتي:
الخطوبة (الربط)
وتبدأ هذه المرحلة بذهاب الشاب وعدد من أفراد أسرته إلى أهل الفتاة، وتسمى بليلة الربط، حيث يأتي والد الفتاة المخطوبة أو ولي أمرها، ويرمي على رأسها بشكل مباغت ثوب أو مئزر (فوطة)، قائلًا لها: “أنتِ مربوطة على فلان ابن فلان”.
ثم تلي هذه الخطوة، ما يسمى بالمهري “السدود” (الخطوبة)، ويتم فيها الاتفاق بين أهل الخطيب والمخطوبة على تحديد المهر، ومن العيب أن يتراجع أي منهما مهما كانت الشروط. ويختلف المهر في المهرة من منطقة إلى أخرى، بحسب العادات السائدة.
وفي نفس اللقاء تتم ما تسمى بالمهري “قبضوت”؛ أي إن أهل الخطيب يعطون قبضة (عربون) لأهل المخطوبة، ليقدموه لابنتهم، وهو عبارة عن خاتم يطلق عليه “مرتجيت”، وإذا لم يتم تقديم خاتم، فيتم استبداله بمبلغ مالي معين كعربون يسمى “قبشات”.
مُوْنَة (مهجريت):
ويكون بعد السدود (الخطوبة) بيوم واحد فقط، وهو عبارة عن قائمة ببعض الأشياء والاحتياجات التي يقدمها الخطيب لأهل خطيبته، وغالبًا ما تتكون من الملابس التي تهديها العروس لقريباتها وجيرانها، ولشراء تموين غذائي كامل لبيت العروس وحاجيات “الطلاء”؛ أي أعشاب تفتيح البشرة.
فترة الخطوبة (غيفين –كّنّ):
خلال هذه الفترة، تلزم البنت المخطوبة المكوث في زاوية أو حجرة مخصصة للعروس، وفي الغالب يتم استخدام حصيرة مصنوعة من سعف النخيل، ليجعلون منها حاجبًا للضوء والهواء ولمؤثرات أخرى، من خلال شد طرفيها بخيوط وجعلها كحائط.
بعد ذلك يتم تغذية الفتاة بأفضل الأغذية، ولا تخرج من بيتها إلا يوم الزفاف، وكذلك قريباتها وجيرانها ممن عليهن أن يرقصن يوم الزفاف، وتسمى الراقصات “نحجوتن”، وخلال هذه الفترة تستخدم العروس المهرية المنتظرة الطلاء للوجه والجسم، وتستخدم المساحيق اللونية الطبيعية وبعض النباتات العطرية وغير العطرية، منها: النيل، الزعفران، القلياف، العلب الأحمر، الهرد، المحلب، المر، الصبر، الورس، وتلبس ثوب يسمى “مدّة”.
هدايا الزوجة (معاتب):
والمعاتب؛ عندما تتزوج المرأة البكر تهدي شيئًا تحبه إلى شخص، سواء كان من الأعمام أو الأخوال أو الأقارب أو كبار القبيلة، نظير معروف يكون قد أسداه لها أو لأمها يوم ولادتها، حتى لو كان سقى أمها شيئًا من اللبن أو أعطاها شيئًا من الثياب أو بنى لها مهدًا.
تمر السنين، وينسى صاحب المعروف معروفه، حتى تأتيه المعاتب (الهدية)، من فلانة بنت فلان مقابل كذا وكذا، وذلك جزاء للمعروف الذي قمت به. والمعاتب أنواع مختلفة من الهداية، وتكون عادة ذات قيمة، مثل السلاح أو الثياب أو المال، وعلى العريس دفعها فورًا قبل الزواج وقبل المهر.
يوم الزفاف (شرح/ ظيفت):
تتعدد أوقات الزفاف، فمنهم من يحدد الزفاف من الصباح إلى المساء، والبعض يفضل أن يكون في المساء، وفي كلتا الفترتين تكون المراسيم والعادات والتقاليد نفسها. وفي العادة يقام حفل زفاف البنت البكر بالنهار، فيما يقام حفل زفاف المطلقة (خلّيت) في المساء، وهذه العادة بدأت تختفي بعد الأصوات الاجتماعية المطالبة بإنهاء التمييز، علمًا أن المطلقات مرغوبات بشدة للزواج قديمًا وحديثًا في المجتمع المهري.
حاج دعكون باقي، وهو شاعر ومؤلف، تحدث لـ”خيوط” عن ألوان الغناء والرقصات:
“تبدأ مراسيم الزفاف بـ”رجزيت” الدان دان وزامل “الهبوت”، ويتضمن ترحيب قبيلة الزوجة بالضيوف باللغتين العربية والمهرية، وتستقبل كل قبيلة ضيوفها بشاعرها، ومعه يرفع أفراد القبيلة زامل الدان دان، وهو شعر ترحيبي مهري قد يستمر حوالي الساعتين”.
ويضيف حاج دعكون: “في الماضي كان يتقابل الرجال بالنساء في الدان دان، ويرقصون في دائرة على موقد نار، وتقوم النساء بنفش شعر رؤوسهن، ويتمايلن بما يسمى بـ”النويش”. أما في الوقت الراهن فلم تعد هذه الرقصة موجودة بحكم منع اختلاط الرجال والنساء”.
الألوان الغنائية:
للألوان الغنائية في الزفاف المهري مسمياتها وقواعدها وتصنيفاتها، سواء كانت جماعية أو فردية، وبحسب “خيوط” فإن أشهرها: “الرجزيت”، “الدان دان”، “الهبلوت”، “كريم كريم”.
لون (الرجزيت):
وهو لون من ألوان الغناء المهري الجماعي، وتتكون قصيدته من بيتين فقط، فبكل بيت ثلاث أشطر. يؤدى هذا اللون في مناسبات الأعياد والأعراس والمؤتمرات القبلية، ويقوم بأدائه صف من الرجال مقسم إلى مجموعتين، كل مجموعة تؤدي بيتًا من قصيدته، وتصحب هذا اللون رقصة تسمى “زفنيت”.
- البيت الأول
هيدان ادان چما ذڛكويا كل ** هيدان ادان بچسيد ذمخليڨ
هيدان ادان فڨه هيسن وطبوب
ويعني البيت بالعربية: “كل الأمراض في جسم الإنسان لها عرف وعلاج”.
- البيت الثاني:
هيدان ادان اد غاشم وطبات **هيدان ادان اديوسن طهيم
هيدان ادان موه شريب ولا كتوب
ويعني البيت بالعربية: “إلا الغشم والطباع، ما لها علاج، حتی وإن حاولوا بالطب التقليدي أو الشعبي”.
لون (الدان دان):
لون آخر من ألوان الغناء المهري الجماعي الخاص بالرجال، ويلقى هذا اللون في الفترات الليلية فقط، وتسمى فقرته بـ”المحراس”، وتتكون قصيدة الدان دان من بيتين، وكل بيت من شطرين:
دان ادان حوم لشكف طنك لا **دان ادان وأيني غمڞوت
دان ادان اس اهۇما دان ادان ** دان ادان وڛرڨي ڨلۇب اڝوت
ويعني البيت بالعربية: “بودي أن أنام، ولكن عيني لم تغمض، عندما أسمع الزوامل والشرقي”. ويقصد الشاعر بـ(الشرقي/ حوف) غير اللحن.
لون “الهبوت”:
وهو لون ثالث من ألوان الغناء المهري الفردي يقوم بأدائه فرد واحد، ويتكون من عشرة أبيات أو أكثر، وهي من القصائد النبطية المكونة من صدر وعجز، ولـ”الهبوت” مسميات كثيرة من بحور الشعر المهري، ومنها: “الزغيف، الريوي”.
هذه قصيدتان مختلفتا الأوزان من قصائد “الهبوات”:
(1)
لواڝواڨار فرير واييف
وبۇڝر وبار من محيفيف
وهيت احتفوظ ڨا هيني وكيف
مباد السلۇم مذبل ورديف
امير باديش خا هوه مهڝريف
(2)
كۇبي مخليڨ يڝوبر
وڛچوی ذبيه يخيفۃ
ڛفه مخليڨ بهيمت
ويكر ذا ريئح ينيفۃ
وكديت من محبت
تسدده وتكيفه
لون “كريك كريم”:
وتختص قصائد لون الـ”كريك كريم” في الأحداث التاريخية ومناسبات الختان السنوية والوعود القبلية، ثم يبدأ عقد القران بعد انتهاء “الدان دان”، وبعد الانتهاء تقدم وجبة الغداء وهي عبارة عن أرز ولحم الضأن أو البعير.
كوافير العروس “موسيت”:
يعتبر البياض من مقاييس الجمال عند الشعوب العربية، ومن ذلك في المهرة، ولذا وجدت طرق عجيبة للحصول على بشرة بيضاء رقيقة وناعمة، عند النساء في المهرة.
وهنا يأتي دور الكوافيرة لتزيين العروس وتسمى “مويسييت/ موسيت”، وتقوم بعملية خدش بسيط للأوردة الدموية الواقعة في جبهة العروس أو الرسغ، وذلك باستخدام قطعة من الزجاج ليخرج الدم بقدر معين تسمى بالمهري هذه الطريقة “نَقْت”.
وأيضًا تقطير دهن الغنم أو البقر المحلي في الأنف، وهذه العادة متواجدة كثيرًا في مديرية “حوف”، وأيضًا طريقة “توخ/ وتخ”، وتكون بجرح اللثة أو الذقن تحت الشفة السفلى، ثم تعقد ضفائر الرأس بشكل معقد، وتوضع فيها من المكونات العطرية ليصبح ذا رائحة جميلة، ومنها “البصيلة”، “المحلب”، “الريحان”، “الحيفور”.
قص خصلات الشعر الأمامية “قطيع القصة”:
في هذا اليوم، وهو خاص بالنساء، ويبدأ منذ الساعات الأولى من النهار، حيث يدخل والد العروس أو أحد من أخواتها الرجال إلى العروس في “المحجبة”، ويقوم بقطع بضع خصلات من شعر غرتها برأس جنبيته، إذا كانت الفتاة بكر، لتنطلق بعد هذه العملية موجة من الزغاريد، وبدء قرع الطبول والاحتفال.
رقصات “البدينا” و”الرستين” للنساء “الشرح”:
وتبدأ هذه الرقصات فور الانتهاء من مرحلة “الفوالة” أي تقديم الحلوى والقهوة، وبعدها بحوالي ساعة يتم تقديم الوجبة الرسمية أرز ولحم (حيرز وتيوي)، ثم تدق الطبول وتبدأ رقصة “البدينا”، وهي عبارة عن دق المرأة برجلها دقة واحدة على الأرض، وهي لابسة خلخال (حاجل) على صوت الطبل، والغناء التالي:
بدينا وبدينا به
بدينا وبسم الله
ثم رقصة “الرستين”، وهي صوت “الرجيش”، وهي عبارة عن دق المرأة لرجلها دقتين على الأرض وعلى صوت الطبل والغناء أيضًا.
وآخر مراحل الزفاف تسمى بـ”مجليو/ خواد”، ويتم فيها تقديم العروس للحضور لمشاهدتها، ويقدم لها “الطرح” ثم تقوم والدة العروس والحاضرات باصطحاب العروس إلى غرفة عريسها “الدخلة/ معشيش”.
الملبوسات والحلي:
- ثوب “البركالية”:
وهو لباس فاخر خاص بالعروس، عبارة عن ثوب أسود يفصل من الحرير أو الساتان أو المخمل، تغطيه الزركشات الفضية الملونة حتى نصفه تقريبًا، وهي زركشات ذات أشكال جميلة ونادرة.
- حلي “الوقر”:
عبارة عن (كمة) النجوم فوق الرأس وستة (سلوس/ عقود) طويلة من وراء ومن فوق كمة النجوم واثنان (سلوس/ عقود) قصيرة فوق (العصوبة) التي توضع في الجبين، ومن الأمام توضع (الشمروخ) وخمسة (حروز/ تمائم)، ويوضع فوقهم “البريم” وفي العنق يلبس (المهور) و(خيوش) بعدد يفوق الثلاثة أو أكثر، وفي الأذن (درق) وفي اليدين (حبوس) و(مطل) و(مناجير)، وفي القدمين (رسس) و(مراتي) وهذا هو (الوقر) الكامل.
أما مديرية “قشن”، فيتميزون بثوب مختلف يسمى “طليس”:
يتميز الثوب باللون الأحمر أو الأخضر، أما الحلي فتتميز بشكل خاص حيث يوضع على الرأس والعنق والصدر حلي “الحنحون” و”الشمروخ” و”البريم”، وهي من الفضة، وهناك “الجشبين” يعلق على الأنف بواسطة فتحة صغيرة، يكون قد تم عملها مسبقًا.
بالنسبة لمديرية “سيحوت” فيتميز لباس العروس:
بثوب أسود يسمى “جوخ” عليه “سفساف ومقدمة وأكمام مطرزة يدويًّا بالزري الأبيض التي تدخل عليه بعض الألوان كالأحمر والأصفر والأخضر، كذلك الحلي يكون من (المحنحن) و(القلادة) و(المراري)، وكلها تلبس بالعنق إلى الصدر، وفي الأذن (المثاقيل/ الأقراط) والقدم (الحجول/ خلاخل) والأنف (القشميم)، أما الرأس توضع فيه (حروز/ تمائم).
بالنسبة للرجال البدو، فيرتدون “الصبغية”، وهي عبارة عن طاقة قماش أسود تجلب من الهند أو الشحر تسمى “طوقت ذبور حوم”، وهي رجالية ونسائية، أما “الدراعة المزرية” فهو قميص مزخرف بخيوط الفضة، بالإضافة للجنبية (أو الخنجر التقليدي) أو السيف.
(فيروضت):
وهي مراسيم نقل العروسة لبيت العريس، وتسمى (فراضة/ فيروضت)، ويتم خلالها زف العروسة من محل إقامتها القديم سيرًا على الأقدام بخطوات بطيئة للغاية، بواسطة قريباتها ونساء القرية، حيث يتجمعن بعد أن يغطين العروسة من رأسها حتى أخمص قدميها بدون أي زينة.
ثم تحفها أكثر النساء طولًا حتى لا يراها أحد، وتتميز هذه الليلة ببعض الأغاني والأهازيج الخاصة بها، ومن أشهرها أهزوجة “حليوت”، وعند الوصول يقوم العريس بذبح الذبيحة، وقبل دخولها المنزل يصمت الجميع لسماع ترحيب الزوج وينذر بملكية البيت لها. ثم يدخل العريس إلى زوجته، والبعض يلقي الأناشيد والموشحات الدينية.
هناك أيضًا من يشترط أن تبقى العروس في بيت أهلها إلى وقت غير محدد، وذلك لكونها هي من تقوم برعي وتربية الحيوانات، وترتيب المنزل.
وكان أكثر أهالي المهرة يعتمدون على تربية الحيوانات، وتحتل المرأة المهرية مكانة كبيرة في المجتمع، حيث تشارك في الرأي، وتقوم بترتيب المنزل وتربية الأطفال، وتربية ورعي الماشية، والخياطة ودباغة الجلود وحياكة الأواني من سعف النخيل، والطبخ وإكرام الضيوف في غياب الزوج.