الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

السعودية ولعنة الجغرافيا والحاجة لخط أنابيب نفطية بديلة تمر من أراضي هذه المحافظة

حيروت- خاص

يواصل “حيروت الاخباري” نشر الحلقة الثالثة من تقرير مركز عدن للدراسات الاستراتيجية لعام 2020 عن الأجندة السعودية في محافظة المهرة، ونعرض فيما يلي ماجاء في التقرير في محور خاص بعنوان السعودية ولعنة الجغرافيا…حاجة السعودية لخط أنابيب نفطية بديلة.

  قيل دوما إن الجغرافيا أم العلوم، وإن السياسة هي ابنة التاريخ، والتاريخ هو ابن الجغرافيا، وقيل إن الجغرافيا ثابتة لا تتغير، وسواء كانت الجغرافيا الطبيعية أو الجغرافيا السياسية “الجيوسياسية” فإن المقولة في الحالتين خاطئة، فحتى الجغرافيا الطبيعية، بمحيطاتها وبحارها وجبالها وصحاريها وسهولها، ليست ثابتة ولم تكن يوما ثابتة، بل لعلها كانت تابعة دوما للسياسة وليس العكس.

في البداية قد يعتقد الإنسان الحديث بعمومه أن كل دولة مكتفية بجغرافيتها وبإمكانها أن تعيش استنادًا لقدر الطبيعة دون حاجة لأي اختراقات متعمدة لجغرافيا الأخرين، بأي طريقة كانت، سواء بالطريقة البدائية القديمة، قبل ميلاد الدولة الوطنية الحديثة وترسيم حدود جغرافيا كل دولة على الكوكب، برا وبحرا وجوّا، وتلك طريقة اعتمد عليها إنسان ما قبل الدولة، طريقة الغزو والسلب والسيطرة بالقهر والقوة، وحاليًّا بات هذا مستحيلا ولو أقدمت دولة على أي عملية اجتياح لدولة ثانية، لا تفعل ذلك بغرض ادعاء ملكيتها وإن ادعت لا أحد يعتد بدعوتها، ومثال حديث على ذلك غزو صدام للكويت، في عام ١٩٩٠م ، أو تلجأ الدولة المختنقة بجغرافيتها أو الغير مكتفية بقدرها الجغرافي، لنسج اتفاقيات من نوع ما مقابل استثمار جغرافيا دولة أخرى، أو طلب مساحة معينة تقيم فيها قاعدة عسكرية في بلد آخر، إلى آخر ما هنالك من احتياجات تتطلبها دولة أخرى لتأمين حياتها عن طريق انتزاع موافقة من بلد أخر لتحقيق مصلحتها تلك.

في الحالة الأخيرة، يبدو الأمر طبيعيًّا، في إطار المصالح المشتركة، إلا أن ما تحيلنا إليه هذا النوع من المصالح، هو أن ثمة دول عديدة، تعاني من قيود طبيعية _جغرافية، تسعى للتغلب عليها بالتشبيك مع جغرافيا الآخرين، قد تكون هذه القيود عائدة لطبيعة موقع الدولة ذاتها، أو بسبب تقارب جغرافيتها مع جغرافيا دولة تمثل تهديد لها من أي نوع، ولا يمكن تحييد هذا المهدد إلا بمد جسور تعاون مع دولة ثالثة. هذا المشكل الأخير هو جوهر النقمة الجغرافية التي تعيشها السعودية، بسبب التوتر التاريخي الطويل بينها وبين إيران، وهذه الأخيرة ليس لها حدود مباشرة مع السعودية؛ لكن مصلحة السعودية القومية وبالتحديد خطوط تواصلها التجارية مع العالم، جعلتها تحت رحمة الدولة الإيرانية، حيث ثلث النفط الذي يحتاجه العالم يمر من منطقة متماسة مع إيران، وهي منطقة مضيق هرمز، أو ما يسمى الخليج الفارسي ويُتنازع على التسمية بين العرب وإيران، حيث يُطلق عليه العرب، بالخليج العربي.

ولشرح تفاصيل هذه القضية فيما يتعلق بالسعودية تحديدا، ومدى أهميتها، وهل السعودية بالفعل تعاني من قيود جغرافية، تجعل من بحثها عن خطوط تجارية بديلة أمر استراتيجي بالنسبة لها، وماذا عن سياسة أنابيب النفط العالمية، ما هو حال أنابيب الدول المصدرة للنفط في العالم وهل هم أكثر تأمينًا لخطوطهم وأكثر تحررا من قيودهم الجغرافية مقارنة بالسعودية؟

لتوضيح القصة، بحثنا عن شخص متخصص في موضوع الأنابيب النفطية، وحصلنا على تصريح تفصيلي مهم من البروفيسورة الأمريكية مادلين فينكل، مؤلفة كتاب: ” سياسات خطوط الأنابيب” حدثتنا، عن فكرة الأنابيب النفطية وحاجة السعودية إليها، وهذا نص تصريحها:

   ” أعتقد أننا كلنا على دراية أن الغاز الطبيعي هام جداً في اقتصاد العالم الحالي ويكون مهم بشكل أساسي إذا استطعت نقله من المنبع إلى المصافي ومن ثم إلى الأسواق والطريقة الأفضل لفعل ذلك هي عن طريق خطوط الأنابيب، إن أنابيب النقل هذه هي ضخمة وعالمية، فإذا نظرنا ـ مثلاً ـ إلى خطوط الأنابيب الكندية فسنرى أنها يمكنها أن تلف الأرض 17مرة. أما بالنسبة لأميركا فلديها 2.4 مليون خط أنابيب من النفط والغاز الطبيعي في أراضيها الواسعة وألاسكا. أما بالنسبة لروسية فلديها 3 من أصل ستة من أكبر شبكات خطوط الأنابيب في العالم وواحدة منها تدعى شبكة “الصداقة” وهي تمتد ل 2500 ميل من جنوب شرق روسيا إلى أوروبا.

  هذه الشبكات من الخطوط، إذا نظرنا بسرعة إليها عالمياً، فسنرى أنها تجتاز الحدود والبلدان والمناطق الصغيرة والكبيرة وأساسياً فإن ما نراه هو العلاقات التي تولدها هذه الشبكات من الخطوط من عمليات نقل للبترول والغاز الطبيعي من المنطقة “أ” إلى المنطقة “ب” من خلال خطوط الأنابيب هذه.

   لدى المملكة العربية السعودية 17 ألف كيلومتر من خطوط الأنابيب ولكن هذا ضيق جداً كشبكة فهي جذر كبير يمتد من الشرق إلى الغرب ويمكنك جلب النفط من القسم الشرقي للبلاد إلى القسم الغربي على الميناء في البحر الأحمر وبعد ذلك يوجد تداخلات بين الشبكات ويذهب معظمها إلى البحرين وبما أنها دخلت الخليج العربي (قالت الخليج الفارسي) فهذا معناها أنه ستمر من خلال مضيق هرمز وهذا في الواقع هو موقع حساس جداً ولا أعتقد أن أي أحد سيشاهد ‘ يسمع هذا الكلام سيجد أي خطأ في هذه العبارة الأخيرة. هذه المنطقة هي منطقة حساسة ومتقلبة للغاية فهي منطقة غنية بالغاز الطبيعي والنفط، فمن أجل التنافس في السوق العالمية للنفط يجب أن ينقلوا المنتجات من بلادهم من المنبع للمشترين في الخارج. ولذلك فإن المملكة السعودية محصورة جداً على الرغم من أن شبه الجزيرة العربية نفسها منطقة كبيرة جداً. فليس لديهم أي وصول إلى خليج عدن على المحيط الهادي.    

بكل تأكيد أستطيع تقدير لماذا قامت السعودية بفعل ذلك وخاصة في الوقت الحالي، أعني منذ يومين مضوا كان هناك قصف حيث قُصفت الناقلات الخليجية وهناك جهود سعودية في اليمن فكان هناك طائرات من غير طيار أُرسلت من قبل الحوثيين وسببت كثير من الدمار لخطوط الأنابيب وللبنى التحتية هناك.

  تبدو المملكة السعودية مذعورة وقلقة جداً من الوضع المضطرب في العراق وإيران وقلقة من إيران بالذات فهي قد تغلق مضيق هرمز في أي وقت وهذا سيسبب بشكل كبير ــ إن لم يكن مئة بالمئة ــ عدم قدرة المملكة على نقل منتجاتها النفطية من خلال ذلك الطريق المائي بالذات، إذا فكرنا بالبحر الأحمر فهي لا تستطيع التعامل مع هذا بشكل جيد وهذا أيضاً سيضيف إلى الأسعار.

ولذلك فالذهاب إلى جنوب شبه الجزيرة العربية وبناء ميناء نفطي في اليمن يمكن أن يكون الحل فكرياً ولكن سياسياً ودبلوماسياً فهذا موضوع آخر.

ليس هناك الكثير لنتحدث عنه فيما يتعلق ببناء خطوط الأنابيب في اليمن فأنا أعتقد أنه لفعل ذلك يجب أن يكون لديك وصول إلى خليج عدن والمحيط المتوسط والسبب الأساسي لذلك هو أن تحصل على القدرة على نقل النفط إلى السوق العالمية وخاصة إلى قارة آسيا التي هي بحاجة للنفط بشدة مثل الصين. فالمفتاح للحصول على مخرج في جنوب شبه الجزيرة العربية هو من خلال دولة اليمن وبالتأكيد هو شيء هام جداً بالنسبة للملكة السعودية ولكن تطبيق هذا الكلام فهذا موضوع آخر. يجب تنفيذ هذا الشيء بشكل دبلوماسي لتقييم القيمة الاقتصادية له، هل جدواه الاقتصادية جيدة وتستحق أم لا؟ وإن كانت غير جيدة فهل هناك طرق أخرى لنقل منتجاتهم النفطية إلى السوق وخاصة إلى الصين وآسيا بشكل عام من أجل بيع هذه المنتجات النفطية وبالطبع من الصعب نقاش هذا الموضوع من دون نقاش السياسة والوضع بين قطر و السعودية فهم لن يحصلوا على أي مساعدات من القطريين بما يتعلق بهذه النقطة بالذات فهي بلد غني جداً بالغاز الطبيعي و منتجاتهم تخرج من قطر إلى مناطق عديدة حول العالم ولذلك فلنفهم هذا الموضوع العالمي للطاقة فلا يجب أن نركز على موضوع بناء خطوط الأنابيب وإخراج النفط من منبعه إلى الخارج بل هناك العلاقة والتعامل مع البلدان المجاورة والتعامل معهم على أساس المرور في أراضيهم و لفعل ذلك يجب أخد الموافقة منهم وهذا يستغرق رقتاً طويلاً فالجزء الأسهل هو الجزء المتعلق بمد خطوط الأنابيب لإخراج النفط خارج البلاد والأمر الصعب هو المحاولات الدبلوماسية “[17].

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى