تقارير وتحليلاتمحليات

(حيروت الاخباري) ينشر تقرير مركز هنا عدن عن الأجندة السعودية في المهرة (الحلقة الأولى)

حيروت- خاص

نشر مركز هنا عدن للدراسات الاستراتيجية تقرير لعام 2020 عن الأجندة الاستراتيجية السعودية في محافظة المهرة.

وحصل “حيروت الاخباري” عن نسخة من التقرير الذي ينشره على حلقات، تتضمن عرض جذور ومظاهر وأبعاد الاستراتيجية السعودية في محافظة المهرة اليمنية والآثار الشاملة للأجندة السعودية في المهرة عسكريا واقتصاديا واجتماعيا والسيناريوهات المحتملة ومقترحات الحل والخلاصة التي توصل لها التقرير فيما يخص قضية المهرة وكيفية التعاطي معها وإنهاء المأساة المتصاعدة هناك.
أكدت مقدمة التقرير على أنه ومنذ عقود عاشت محافظة المهرة اليمنية، حالة من الاستقرار الدائم، ومثلت نموذجًا للمحافظات اليمنية الخالية من عوامل الانقسام وأسباب الفوضى بشكل كبير، حيث المجتمع يتمتع بحياة هادئة في ظل علاقات بينية متناغمة وإدارة محلية تسيّر حياة الناس بهدوء، وقد ظلت الأوضاع على هذا الحال منذ رحيل المستعمر البريطاني عن جنوب اليمن 30 نوفمبر/تشرين الثاني1967م ، وطوال المراحل اللاحقة وفي مختلف التحولات السياسية التي حدثت في البلاد، سواء في ظل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ولاحقًا في ظل الدولة اليمنية الواحدة، بعد أن اندمج شطرا الوطن في كيان واحد عام 1990م، وفي كل المراحل لم يسمع اليمنيون عن أي نزاع أو فوضى في محافظة المهرة، حتى مع اندلاع ثورات الربيع العربي، وتفجُّر الاحتجاجات في مختلف المحافظات اليمنية وبما رافق ذلك من أعمال شغب أحيانا، إلا أن المهرة ظلت محروسة من أي صدامات مجتمعية وحافظت على طباعها الأساسية، حيث السلام المجتمعي وحالة الوفاق الدائمة ظلت ميزة راسخة في بنية المجتمع المهري، في كل مراحل تاريخ الدولة اليمنية الحديثة، وصولا إلى اندلاع الحرب الأخيرة، وتدخل ما سُمي بالتحالف العربي لدعم الشرعية، وانطلاق عاصفة الحزم – الاسم العملياتي للحملة العسكرية – التي أطلقتها السعودية في 26 مارس/آذار ٢٠١٥م ضد الانقلاب الحوثي على الشرعية اليمنية”.
أعلنت محافظة المهرة ولاءها للشرعية، ومع بداية الحرب ومغادرة الرئيس الشرعي البلاد – أثناء اجتياح قوات الحوثي وصالح للجنوب – مثلت محافظة المهرة الطريق الآمن الذي تحرك من خلاله رئيس الجمهورية وغادر الأراضي اليمنية متوجهًا نحو سلطنة عمان ومنها إلى المملكة العربية السعودية.

طوال السنتين الأولى للحرب، احتفظت المهرة بحالة سلام ولم يكن هناك ما يستدعي أي معارك فيها أو تواجد لأي قوة خارجية، حيث تمكنت السلطة المحلية من حفظ الأمن وإدارة الحياة العامة بمستوى جيد، وجنبت المحافظة أي انزلاق محتمل نحو العنف، بل لم يكن هناك أي احتمال أو خطر يؤشر لأي خطر حقيقي داخل المحافظة، وبين عشية وضحاها، تعمدت المملكة في 12 نوفمبر/تشرين الثاني،2017 م سحب المحافظة نحو أزمة كبيرة، حدثت فيها تحولات كبيرة، وما زالت الأحداث تتفاعل حتى اللحظة.
قبل الحديث عن المتغيرات التي طرأت مؤخرًا في محافظة المهرة، بعد تقدم الحرب ودخول السعودية على خط المحافظة – وهو موضوع بحثنا هذا – سنحاول تقديم نبذة تعريفية مختصرة عن هذه المحافظة الهادئة، وبما يمنحنا خلفية واضحة عنها والمعلومات الأساسية المتعلقة بها.
البداية:
المهرة ثاني أكبر محافظات اليمن من حيث المساحة، وهي منطقة تقع في أقصى شرقي البلاد، تحدها عمان من الشرق، والسعودية من الشمال، ومحافظة حضرموت من الغرب، وبحر العرب من الجنوب. ويعد ساحلها البالغ طوله 560 كيلومتراً هو الأطول من أي ساحل آخر في أي محافظة يمنية. كما تغطي منطقة الربع الخالي الصحراوية الشاسعة معظم مناطق شمال المهرة، وتتوافر المحافظة على واحات طبيعية ومرتفعات جبلية في الشرق تكسوها موسمياً أشجار خضراء وتعتبر من ضمن المحميات الطبيعية في اليمن[1].
تنقسم المحافظة، التي تبلغ مساحتها حوالي 67,000 كم2، إلى تسع مديريات، ست مديريات ساحلية هي الغيضة، وسيحوت، وقشن، وحصوين، وحوف، والمسيلة، وثلاث مديريات صحراوية هي شحن، وحات، ومنعر، وفيما يتعلق بعدد سكان محافظة المهرة؛ فلا توجد بيانات إحصائية حديثة ولكن بناء على إحصاء 2004 م قدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عام 2017 م وباستخدام متوسط معدلات النمو السكاني – والذي لا يشمل الهجرة من وإلى المحافظة – أن عدد سكان المحافظة يبلغ حوالي 150 ألف نسمة، تقرّب التقديرات الأكاديمية الرقم من 350ألف نسمة، بناءً على الإحصاء الأول الذي جرى في اليمن الجنوبي عام 1973 م ويعد الأكثر موثوقية حتى اليوم، بالإضافة لتوقعات الأمم المتحدة للنمو السكاني.
ووفقاً لمذكرة نشرها محافظ المهرة محمد علي ياسر مؤخراً، يبلغ عدد سكان المهرة بمن فيهم النازحون داخلياً حوالي 650 ألف نسمة[2].

( التقسيم الإداري لمحافظة المهرة )

تشمل المحركات الرئيسية للاقتصاد المحلي في المهرة صيد الأسماك والزراعة وتربية الحيوانات والإيرادات الجمركية الناتجة عن المنافذ الحدودية للمحافظة مع سلطنة عُمان[3].

يتألف سكان المهرة من القبائل بشكل رئيس. تنتشر القبائل، المعروفة مجتمعةً باسم المهرة، خارج الحدود الرسمية للمحافظة – وهي بالكاد تكون واضحة في بعض الأماكن – في محافظة حضرموت المجاورة، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، يتقاسم سكان مديرية حوف، الواقعة جنوب شرق الساحل، صلات قبلية مع محافظة ظفار العمانية، كما تمتلك العديد من العائلات جنسيات مزدوجة ومنازل على جانبي الحدود، ثمة سياق مماثل أيضاً بالقرب من قرية الخرخير السعودية، حيث يعيش أفراد من قبيلة صمودة على جانبي الحدود، وفي حين يعيش أبناء صمودة في الخرخير في عزلة عن أبناء عمومتهم من رجال القبائل خلف الحدود اليمنية، إلا أن القبائل التي تمتد عبر الحدود اليمنية العمانية بإمكانها التحرك بحرية على مسافة تصل إلى 20 كيلومتراً على كلا الجانبين نتيجة لاتفاقية الحدود عام 1992 م بين الحكومتين العمانية واليمنية. ينتمي جميع أبناء المهرة تقريباً إلى المذهب الشافعي، مع انتشار تقاليد صوفية قوية في المجتمع المحلي، ودخل عليهم من السعودية مؤخرا المذهب السلفي[4].

الفصل الأول: جذور ومظاهر وأبعاد الاستراتيجية السعودية في محافظة المهرة اليمنية:
1/ الجذور التأريخية للأطماع السعودية:

ما هو شائع ومعروف عن المملكة العربية السعودية، هو أنها دولة توسعية، نشأت ولديها شهية مفتوحة لتجاوز حدودها واستقطاع أراضي من كثير من الدول المجاورة لها وتعتبر اليمن الدولة الأولى التي تعرضت أراضيها للسطو والتحايل عليها من قبل المملكة بكل الطرق الممكنة، سواء الحروب أو عقد الاتفاقيات أو استغلال الأزمات الداخلية لمد نفوذها بشكل متجاوز للسيادة اليمنية.
كانت البدايات بعد تأسيس الدولة السعودية الحديثة، وتحديدًا في عام 1935م ، حين أرسل الملك عبدالعزيز مستشاره البريطاني لإقناع سلاطين المهرة وحضرموت بالانضمام إليه، وحين قوبل المقترح بالرفض الداخلي، حاولت المملكة بعد سنوات، وتقريبًا في عام 1969 م إنشاء جيش من المرتزقة، عرف آنذاك تحت مسمى ” جيش تحرير المهرة وحضرموت” وهذا المخطط هو ما كشفت عنه سلطات اليمن “الديمقراطية الشعبية” الحاكمة لجنوب اليمن في تلك المرحلة.
بعدها بسنوات وفي زمن الرئيس سالم ربيع علي المعروف بـ “سالمين” تحسنت العلاقة مع السعودية وحاولت هذه المرة استخدام الدبلوماسية لطرح مقترح مد أنبوب نفطي في محافظة المهرة، إلا أن المقترح لم يلاقِ قبولا، لتعاود طرحة مرة ثانية في فترة الرئيس علي ناصر محمد في العام 1982 م ولم تنجح مساعيها، وقد كانت في تلك الأيام تستغل الوضع الاقتصادي لليمن الجنوبي؛ لتتمكن من تقديم اغراءات تنتهي بموافقتهم، غير أن الأمر لم يتحقق.
وكانت المرة الأخيرة لمحاولاتها الدبلوماسية، بعد الوحدة، حيث طرحت الأمر بلغة واضحة على السلطات في الجمهورية اليمنية، وهناك وثيقة سرية مسربة من ويكليكس مرسلة من وزارة الخارجية السعودية وتكشف مطالبها هذه، غير أن اللجنة اليمنية التي خاضت حوارات مع الجانب السعودي لم تتوصل إلى حل، بسبب الاشتراطات السعودية المتجاوزة للسيادة اليمنية وطلبها مساحة كبيرة على جانبي مد الأنبوب من بداية الحدود السعودية مرورا بالأراضي اليمنية ووصولا إلى بحر العرب، إلى جانب طلبها أن تكون هذه الأراضي تحت السيادة السعودية. وهي شروط تنتهك الحقوق السيادية للدولة اليمنية وبهذا فشلت المساعي قبل أن تبدأ بالظهور. بعد التدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة السعودية، لكن هذه المرة بطريقة مختلفة وأقرب للفرض بالقوة ودون الحاجة للرجوع للسلطة الشرعية اليمنية والتي تتخذ من الرياض مقرا لها منذ بدء عاصفة الحزم في 26 مارس 2015م.

2/ البدايات الأولى لتثبيت الأجندة:
مرت ثلاث سنوات منذ بداية التدخل العسكري لما يسمى بالتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وطوال هذه الفترة، كانت الحرب قد تمددت لتشمل غالبية محافظات الجمهورية اليمنية، باستثناء المهرة وثلاث محافظات أخرى تقريبـا، لم تصلها شرارة الحرب، حيث ظلت بعيدة عن قوات الحوثي، ولم يكن هناك ما يستدعي أي استحداثات عسكرية فيها من طرف التحالف، كما أسلفنا.

غير أن هذا المناخ المعزول عن دواعي الحرب، لم يحول دون إقحامها في المعركة، وقبل سنتين تمامًا، أي في نوفمبر / تشرين الثاني 2017م ،حيث محافظة المهرة تعيش استقرارا سياسيا واقتصاديا وأمنيا جيدا بالمقارنة مع بقية محافظات اليمن.
حينها كان المجلس العام لأبناء المحافظة والسلطة المحلية محيَّدين سياسياً، وفي ذات الشهر، وصلت مجموعة من القوات السعودية وبدأت فصول جديدة من الحكاية، حيث تسبب هذا الحضور غير المبرر، بردة فعل شعبية جعلت المحافظة ساحة مفتوحة لصراع ممتد للعام الثاني، بين حراك شعبي رافض لعسكرة الحياة المدنية في المحافظة وطرف خارجي يعمل بكل عدوانية لفرض وتثبيت حضوره بالقوة.
في البداية: برر الجيش السعودي تدخله في المهرة بالحاجة إلى وقف تهريب الأسلحة عبر المحافظة، وحتى قبل النزاع الحالي، كانت المهرة تُعرف جيداً بأنها منطقة تهريب، حيث تمتد طرقها على طول الحدود العمانية والسعودية بالإضافة إلى ساحل بحر العرب. وقد بدأت الشائعات حول تهريب الأسلحة لجماعة الحوثيين عبر المهرة في 2013م، مما دفع عُمان إلى بناء سور مكهرب على طول أجزاء من الحدود.
في أوائل نوفمبر / تشرين الثاني 2017م، بثت قناة العربية التابعة للسعودية تقريراً عن وجود تهريب للأسلحة إلى الحوثيين عبر ساحل المهرة، ووفقاً لمصادر دبلوماسية تحدثت إلى مركز صنعاء، تم نشر قوات أمريكية خاصة أيضاً في المهرة عام 2018 م لدعم عمليات مكافحة التهريب التي يشنها التحالف[5].
ظهر التوتر بين القوات السعودية والسكان المحليين في المهرة منذ اليوم الأول في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017م، وصلت دفعة من الجنود السعوديين إلى مطار الغيضة، برفقة ضباط سعوديين و21 ضابطاً مهرياً سبق تدريبهم في مدينة الطائف السعودية قبل ثلاثة أشهر. ومع ذلك، منعت قوات الأمن المحلية في المهرة السعوديين من السيطرة على المطار بسبب عدم تنسيق وصولهم مع السلطة المحلية أو الأجهزة الأمنية أو الرئيس هادي[6]، وأدت المواجهة إلى تدخل شيوخ القبائل المحليين، الذين أرسلوا مسلحين لدعم قوات الأمن المحلية. تدخّل السلطان بن عفرار محاولاً التوسط بين قوات التحالف ورجال القبائل المهرية مع قوات الأمن المحلية.

في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني، أمر نائب الرئيس علي محسن الأحمر بالسماح للقوات السعودية بالدخول، لكن المهريين رفضوا فتح الطريق دون موافقة من السلطة المحلية.
ولتحديد موقف جماعي لأبناء المهرة فيما يتعلق بالقوات السعودية، تم عقد اجتماع بين ممثلي السلطة المحلية ولجنة أمن المحافظة والمجلس العام والقبائل. في 15 نوفمبر / تشرين الثاني، حدد الاجتماع ستة شروط للسماح بنشر القوات السعودية، أهمها عدم تحويل المطار إلى ثكنة عسكرية، وضرورة التنسيق بين القوات السعودية والسلطة المحلية.[7]، سُمح للقوات السعودية بالسيطرة على المطار بعد تلبية هذه الشروط.
بعد المعارضة التي لقيها انتشارها العسكري الأولي، تحركت السعودية للسيطرة على سلطة المهرة المحلية من خلال هندسة إقالة المحافظ. في 27 نوفمبر / تشرين الثاني، تم استبدال بن كدة بمرسوم رئاسي وتعيينه في منصب وزير الدولة في الحكومة اليمنية. أخبر هادي في وقت لاحق مجموعة من الزعماء المهريين أنه كان سعيداً بقيادة بن كدة، خاصةً مقاومته إغراء الانتقالي الجنوبي، وأن عزله بعد حين جاء بضغوط سعودية. ووفقاً لمسؤول محلي مهري التقى بهادي في عدن بعد ذلك، قال الرئيس إن الرياض هددت بوقف الدعم المالي للحكومة ما لم توافق على تعيين المرشح السعودي راجح باكريت محافظاً للمهرة[8].
وصل المحافظ الجديد إلى مطار الغيضة في 1 يناير / كانون الثاني 2018 م على متن طائرة سعودية، بمرافقة شيوخ مهريين حاصلين على الإقامة السعودية منذ الثمانينات. كانت تجربة باكريت الوحيدة المعروفة في المحافظة هي التدريس بوزارة التربية والتعليم حتى عام 2000م، وقد عاش لاحقاً في الرياض، وكذلك الإمارات وقطر، قبل أن يعود إلى المهرة ويتولى لاحقا منصب المحافظ[9].
بين إقالة بن كدة ووصول باكريت، كثفت السعودية بسرعة بنائها العسكري في المحافظة. وزادت الرحلات الجوية بين الرياض والغيضة، وكذلك زاد الوجود العام للجنود السعوديين المنتشرين في المطار[10]، كما سيطرت القوات السعودية على ميناء نشطون على ساحل المهرة، إلى جانب منفذَي شحن وصرفيت الحدوديَّين مع عُمان. وتم وضع إجراءات أمنية إضافية في منفذ شحن، بما في ذلك تركيب جهاز مسح بالأشعة السينية لفحص البضائع التي تدخل اليمن.

كما فرضت القوات السعودية على البضائع المستوردة العبور حصراً عبر الميناء والمنافذ الحدودية[11].
تسبب هذا في تشكّي السكان المحليين من تباطؤ استيراد البضائع ومطالبتهم بإعادة نقاط الدخول إلى سيطرة السلطة المحلية. كما أعرب زعماء قبائل المهرة عن قلقهم المتزايد من تأثير عسكرة المحافظة على السلام والتماسك والهوية الاجتماعية في المهرة، خاصة بعد ظهور تقارير تفيد بأن السعودية توزع أسلحة على بعض القبائل كجزء من جهودها المبذولة لمكافحة التهريب[12].
تحويل المواقع الحيوية إلى ثكنات عسكرية:
في إطار خطتها لإحكام قبضتها على المناطق المهمة في محافظة المهرة واصلت القوات السعودية الدفع بكتائب عسكرية جديدة نحو مناطق حساسة في المحافظة. على سبيل المثال، وتحديدا في نهاية أبريل/ نيسان 2019م، وصلت قوات سعودية إلى منفذ صرفيت الحدودي بمديرية حوف بمحافظة المهرة، شرقي اليمن، وشرعت في احتلال المنفذ، متجاوزة قوات الجيش والأمن المرابطة فيه عقب وصولها منفذ صرفيت، باشرت القوات السعودية إنشاء ثكنة عسكرية سعودية بقوة السلاح في المنفذ، وهو ما اعتبره مواطنون انتهاكا جديدا للسيادة اليمنية وإصرارا سعوديا على احتلال المحافظة. ورافق سيطرة القوات السعودية على منفذ صرفيت انتهاكات كبيرة وإساءة للموظفين واطلاق النار في الحرم الجمركي، وتفتيش عبثي للمسافرين وتعطيل حركتهم، إضافة إلى منع بضائع الأهالي في المناطق الحدودية من العبور[ 13].
ولم يقتصر العبث السعودي على بر مديرية حوف، بل امتد إلى شواطئها أيضًا. حيث وصلت أربعة زوارق حربية عسكرية سعودية، مطلع مايو 2019م، إلى شاطئ مديرية حوف شرقي محافظة المهرة، على متن كل زورق مجموعة من الجنود.
محمية حوف قاعدة عسكرية :
مؤخرا ـ أيضًا ـ كثفت قوات الاحتلال السعودي من تحركاتها السرية في محافظة المهرة شرقي اليمن، وذلك بهدف إنشاء قاعدة عسكرية في محمية “حوف” الطبيعية المحاذية لسلطنة عمان ، ومنتصف سبتمبر الماضي، وصل ضباط سعوديون إلى مديرية حوف استعدادا لإنشاء قاعدة عسكرية سعودية على الحدود مع سلطنة عمان. وتأتي هذه الخطوة بعد السيطرة السعودية على منفذ “شحن” بمحافظة المهرة في 26 أغسطس الماضي. وبهذا أصبحت السعودية تتحكم بأغلب المنافذ التابعة للمحافظة.

( القواعد العسكرية السعودية في محافظة المهرة )

واستمرارا في انتهاك السيادة اليمنية، فرضت السعودية جمركا تابعا لها في منفذ صرفيت الحدودي بمديرية حوف بالمهرة.
وأظهرت مذكرة حصل عليها “المهرة بوست”, وجود توقيع لجمرك سعودي في منفذ صرفيت بمديرية حوف[14].

( مذكرة عليها توقيع لجمرك سعودي في منفذ صرفيت بمديرية حوف )

وفي مارس/آذار 2019، قامت القوات العسكرية السعودية بتحويل ميناء نشطون البحري المنفذ التجاري الإستراتيجي الوحيد بمحافظة المهرة اليمنية إلى قاعدة عسكرية وأنزلت فيه كميات كبيرة من السلاح الثقيل ونشرتها على كافة التباب والمرتفعات المطلة والمحيطة بميناء ومدينة نشطون السكنية مما شكل خطراً وتهديداً كبيراً على الأهالي الآمنين وعلى حركة الميناء التجارية بحسب تقرير مكتب حقوق الإنسان في محافظة المهرة الذي صدر قبل أشهر.
اليوم، تسيطر السعودية على مطار المحافظة والمنافذ الحدودية والميناء البحري الرئيس، وقد بنت أكثر من ثلاثين موقعا وثكنة وقاعدة عسكرية برية وبحرية حول المحافظة ويتمركز فيها الآلاف من الجنود وقوات يمنية موالية للتحالف جرى حشدها من محافظات جنوبية متعددة.

3/ اليقظة الشعبية المبكرة:
من الواضح أن تماسك المجتمع المهري كان له الدور الأكبر في عرقلة المساعي السعودية لتمرير مخططها في محافظة المهرة بهدوء، صحيح أن الحراك الشعبي لم يتمكن من إزاحة الوجود العسكري للسعودية بشكل عملي؛ لكنه كشف المخطط ووضع السعودية تحت حصار شعبي فاعل ومحرج ولهذا صارت السعودية في وضع صدامي دائم مع أبناء المهرة ولم تتمكن من تحقيق وجود مؤَمَّن ومنذ دخولها ظلت تعيش قلق المشروعية والشعور الدائم بأن تواجدها صار باعثًا للمشكلة وتركها مكشوفة طوال الخط.
صحيح أن السعودية تمكنت من استخدام نفوذها السياسي واستلابها للشرعية؛ بهدف شرعنة وجودها هناك والضغط على الرئيس والحكومة لإقالة كل الرموز السياسية والاجتماعية المناوئة لوجودها من مناصبهم، غير أن وضع الشرعية المعروف لم يعد خافيًّا على أحد والمجتمع المهري يدرك أن السلطة الشرعية تقف عاجزة عن منع السعوديين من اللعب على الأراضي اليمنية وبالتالي أدرك أبناء المهرة أن مهمة الحفاظ على أراضيهم وسيادة محافظتهم موكل لهم وهكذا شكل الاحتشاد الجماهيري حائط صد لمقاومة النفوذ السعودي غير المشروع ومثل بذلك مظلة شعبية عززت المقاومة المجتمعية لكل المخططات العابرة للسيادة اليمنية والأطماع المشبوهة في محافظتهم.


( جانب من مظاهرات أبناء المهرة الرافضة للتواجد السعودي )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى