مقالات

بين ضفّتي الأطلسي.. بايدن سيحاول ترميم ما أفسده ترامب

حيروت – متابعات / بقلم: ليلى نقولا

مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وإعلانه عن تغيير السياسات المتبعة عالمياً، لا بدّ من محاولة استكشاف استراتيجيته المتوقعة تجاه أوروبا التي وصفها دونالد ترامب بالعدوّة.

4 سنوات مضت على حكم  دونالد ترامب، شعر العالم الغربي خلالها بغياب القيادة الأميركية، ووجدت أوروبا نفسها أمام تحديات جمّة، بعد وصف الرئيس الأميركي الـ45 الأوروبيين بـ”الأعداء” (foes).

وكان الألمان أكثر تأثراً بسوء العلاقة، فقد وصف ترامب المستشارة أنجيلا ميركل بأنها “غبية”، واعتبر ألمانيا “سيئة للغاية” بسبب فائضها التجاري مع الولايات المتحدة، وهدَّد بمعاقبة برلين ما لم تقم بزيادة مساهمتها المالية في حلف “الناتو”.ومع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وإعلانه عن تغيير السياسات المتبعة عالمياً، لا بدّ من محاولة استكشاف استراتيجيته المتوقعة تجاه أوروبا عبر عنوانين:

1- العلاقة بين ضفّتي الأطلسي ضمن استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة.

2- ما المتوقع أن يقوم به الرئيس الأميركي الجديد في السنة الأولى من عهده 2021؟

أولاً – في الاستراتيجية العامة للإدارة الأميركية الجديدة

استخدم ترامب على مدى أعوام أربعة استراتيجية “أميركا أولاً”

-جعل أميركا عظيمة مرة أخرى”، بينما وعد بايدن بتنفيذ استراتيجية “عودة أميركا”، والتي تعني محاولة إعادة الهيمنة الأميركية على العالم.

هكذا، سيكون أمام بايدن القيام بخطوات أساسية تسمح له بالسير نحو إعادة الهيمنة، وأهمها إعادة وصل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي لتحقيق الهيمنة السياسية التي تسمح له بإعادة زعامة الولايات المتحدة على العالم، عبر دعم أوروبي واضح في جميع القضايا العالمية، ومنها قضية إيران وفنزويلا وسوريا وغيرها، وفرض القيم الليبرالية في العالم، إضافةً إلى تفعيل حلف “الناتو”؛ الأداة العسكرية للهيمنة الأميركية.

– أوروبا أولاً

تفيد دراسة “الاستراتيجية الكبرى” الأميركية بأن من الأهداف الاستراتيجية الثابتة للأميركيين المحافظة على حرية وصولهم إلى المناطق الحيوية، وعلى نظام سياسي متوازن يضمن لهم نفوذاً في كل من أوروبا وشرق آسيا والشرق الأوسط (الخليج تحديداً).

لذا، لم يترددوا في شنّ حرب عسكرية لحماية هذا الهدف الحيوي والرئيسي بالنسبة إليهم.

في مسار التاريخ الأميركي كله، كانت أوروبا أهم هذه المناطق الثلاث.

وقد اعتمدت الولايات المتحدة سياسة “أوروبا أولاً” حتى قبل دخولها الحرب العالمية الثانية، فعلى الرغم من أن اليابان، وليس ألمانيا، هي الَّتي هاجمت بيرل هاربور، فقد حافظ الأميركيون على سياسة “أوروبا أولاً” طوال فترة الحرب.

وخلال الحرب الباردة، كانت أوروبا ذات أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة أكثر من آسيا.

ولهذا السبب، كان الأميركيون يحوّلون القوات الأميركية من آسيا إلى أوروبا عندما يزداد التشنّج بين القطبين.

من هنا، كان الهدف الرئيسي الدائم للولايات المتحدة، ليس منع الآخرين من الاقتراب أو محاولة مدّ نفوذهم إلى الحيّز الأميركي فقط، بل أيضاً محاولة مدّ نفوذها إلى مناطق الآخرين ومنافستهم في حيّزهم الجغرافي، لضمان حرية الوصول والحركة في تلك المنطقة الحيوية، ولو كانت بعيدة جغرافياً عنها.وعليه، انسجاماً مع استراتيجية “عودة أميركا”، ومن ضمن الهدف الأميركي العالمي الجديد “منع الصعود الصيني”، ستكون أولوية جو بايدن في البيت الأبيض إعادة العلاقات بين ضفتي الأطلسي، وإعادة ما انقطع مع أوروبا، ومنع كل من الصين وروسيا من التغلغل في المجال الحيوي الأوروبي.

– حلف “الناتو”بخلاف الأمور الداخلية، كالصحة والتعليم وغيرهما، تتمتع العلاقة مع حلف “الناتو” بتأييد الحزبين في الولايات المتحدة.

لذا، في موضوع تفعيل حلف شمال الأطلسي، من غير المتوقع أن يواجه بايدن أي معارضة داخلية من مجلس الشيوخ (في حال فاز الجمهوريون بالأغلبية).

إن مقاربة بايدن للعلاقة مع روسيا، وهي مختلفة عن نظرة ترامب الذي اعتبر الروس “شركاء” ومجرد “منافسين”، ستدفعه إلى الالتزام أكثر بالدفاع المشترك في حلف “الناتو”، وهو الحلف الضروري لحماية الأمن القومي الأميركي وحماية “القيم الليبرالية في جميع أنحاء العالم”، والأداة التي يمكن أن “تردع العدوانية الروسية” وتلجم “الصعود الصيني” في العالم.ثانياً: ما الذي يمكن تحقيقه في العام 2021 ؟

-المناخ

وصف بايدن تغير المناخ بأنه “تهديد وجودي”، وتعهَّد بالانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ في أول يوم له في منصبه، وبخفض الانبعاثات الأميركية إلى الصفر بحلول العام 2050.

ستقوم إدارة بايدن بالتركيز على موضوع المناخ في السنة الأولى، لأن ذلك سيحقق له هدفين: فرصة عالمية للعودة إلى الطاولة العالمية، كما وعد، وفرصة لتطبيق ما تمّ التوافق عليه داخلياً في هذا الإطار (الاقتصاد البيئي) مع اليسار في الحزب الديموقراطي الذي يمثله بارني ساندرز.

– إعادة تأطير العالم الغربي

سيعمد بايدن إلى عقد “قمة عالمية للديموقراطية” لترميم صورة الولايات المتحدة التي تضررت في العالم بمجيء ترامب وسياساته العدوانية، وصياغة “أجندة مشتركة” لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وتشكيل خط دفاع أول ضد التحدي الذي تفرضه الصين اقتصادياً وتجارياً وأمنياً.على الصعيد الداخلي، من مصلحة بايدن والأوروبيين أن يتم دعم القوى الليبرالية ضد اليمين الذي دعمه ترامب وأعطاه القدرة على تهديد السلطات السياسية الحاكمة في كل من أميركا وأوروبا، وخصوصاً في ظل توجّه الأوروبيين إلى صناديق الاقتراع في العامين 2021 و2022، وتمهيداً للانتخابات النصفية الأميركية للكونغرس الأميركي في العام 2022.

أما على الصعيد الخارجي، فيهدف ذلك إلى إرسال رسائل متعددة الاتجاهات إلى الصين وروسيا بأن الولايات المتحدة مستعدة للمواجهة عسكرياً واقتصادياً من أجل المحافظة على قيادتها للعالم، وإلى هؤلاء و”الديكتاتوريات” الأخرى بأن العالم الغربي سيعود موحداً لمواجهة تراجع الديموقراطية وحقوق الإنسان في العالم (إعادة الاعتبار إلى القوة الناعمة).

– مواجهة مشتركة للصّعود الصّينيّ

كما حلف “الناتو”، تعتبر “مواجهة الصعود الصيني” من المواضيع التي تتخطى الانقسام الحزبي في الولايات المتحدة الأميركية.

يتبنى بايدن بوضوح المقاربة الأوروبية للعلاقة مع الصين، بوصفها “شريكاً مفاوضاً” و”منافساً اقتصادياً” و”منافساً منهجياً”. وعلى هذا الأساس، ستحاول إدارته مبكراً بحث كيفية المواجهة المشتركة لازدياد التغلغل الصيني في أوروبا، والطلب منها تفضيل الشركات الأميركية والغربية على الصينية، ومنها شركة “هواوي” وغيرها.

– مواجهة التهديد الروسي

يتلخَّص نهج بايدن في التعامل مع روسيا في ثلاثة أهداف: “الردع، والتعاون، والاستقرار الاستراتيجي”.سيحاول بايدن، ومع إعادة ما انقطع مع أوروبا، أن يرسل رسائل واضحة إلى موسكو بأنَّ زمن الانقسام الغربي الذي يمكن أن تستفيد منه قد انتهى، وأن على روسيا الوفاء بالتزاماتها. سيحاول بايدن هذا العام السعي لتمديد معاهدة “ستارت” الجديدة للسيطرة على الأسلحة الاستراتيجية مع روسيا (تنتهي في العام 2021)، وتقليص دور الأسلحة النووية التي تعتبر أولوية للعديد من الأوروبيين.

كما سيبحث بايدن مع الأوروبيين بشكل أساسي، ومع بداية أيامه الأولى في البيت الأبيض، كيفية مواجهة الحرب السيبرانية الروسية (وخصوصاً بعد اتهام الروس باختراق حسابات رسمية أميركية على نطاق واسع)، كما سيبحث مع برلين قضية السيل الشمالي 2 وإمكانية التخلّص من احتكار الروس لإمدادات الطاقة إلى أوروبا.

– الاقتصاد والتجارة

لا شكّ في أن الأميركيين لا ينظرون إلى الاتحاد الأوروبي كشريك استراتيجي فقط، بل كأكبر سوق في العالم أيضاً. لذا، سيكون من أولويات الإدارة تحسين العلاقة الاقتصادية والتجارية مع أوروبا، وإنهاء الحرب التجارية التي بدأتها إدارة ترامب، لكن ليس من دون ثمن.في السنة الأولى من عهده، وضمن مقاربته لتحسين العلاقة التجارية مع أوروبا، سيعمد بايدن إلى استثمار ما قام به ترامب لفتح باب المفاوضات على شروط أفضل لأميركا في اتفاقية التجارة الحرّة، وخصوصاً في ما يتعلّق باختلال التوازن المستمر والمتزايد في تجارة السلع الزراعية، ولإعطاء أفضلية للبضائع والشركات الأميركية على الصينية.

  • الأمن و الدفاع

على الرغم من إيمان الإدارة الأميركية العميق بأهمية التحالف الدفاعي الذي ينخرط فيه الأميركيون والأوروبيون (حلف شمال الأطلسي)، فإنَ السنة الأولى من عهد بايدن ستشهد مفاوضات حثيثة لزيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي ضمن الحلف، وخصوصاً ألمانيا، التي يقل إنفاقها عن هدف 2% المنصوص عليه في إعلان قمة “ويلز” للعام 2014.وكما هو واضح من التصريحات الألمانية، يعد الألمان بحلّ هذه المشكلة، إذ إنهم يدركون أنَّ المشكلة مع الأميركيين حول زيادة الإنفاق الدفاعي تتخطّى ترامب، فقد أشار أوباما سابقاً إلى الموضوع، واستكمله ترامب بأسلوبه العدائي، ومن الطبيعي أن يستمر مع جو بايدن.

لذا، أبدوا استعدادهم لزيادة الإنفاق العسكري ضمن حلف “الناتو”.

المشكلة التي ستعترض إمكانية الوصول إلى حلّ جذري لهذه المسألة في العام 2021 ترتبط بالركود الذي ستسببه جائحة كورونا، والأموال الحكومية التي سيضطر الأوروبيون إلى دفعها لتحفيز الاقتصاد وتفعيل القطاع الصحي والتعويض على الفئات المتضررة، ما قد يحجب الكثير من الأموال عن الموازنات الدفاعية، وخصوصاً في ألمانيا، التي تتجه إلى انتخابات فيدرالية مهمة في العام 2021، وما يتخلّلها من خطابات شعبوية وحاجة حزب ميركل وحلفائها إلى مواجهة المشاكل الداخلية المستجدة، لئلا يستغلها اليمين الألماني.

وهكذا، سيكون الحوار الاستراتيجيّ بين ضفّتي الأطلسي مختلفاً بالتأكيد في العام 2021 عن الأعوام الأربعة التي سبقته، وسيستفيد الأوروبيون والأميركيون من تجربتي عهد ترامب العدائي، وقبله عهد أوباما المتردّد، لتفعيل العلاقات عبر الأطلسي التي تهدف بالدرجة الأولى إلى تعويم القيادة الأميركية للعالم، بينما سيكتفي الأوروبيون بموقع التابع لأميركا، والسائر خلفها مكتفياً بقيادتها، وقد يكون أصدق تعبير عن الموقف الأوروبي في هذا المجال هو تصريح وزيرة الدفاع الألمانية التي رفضت دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى “استقلال استراتيجي” أوروبي، معتبرة أنه نوع من “الوهم”.

نقلاً عن موقع الميادين

.

بقلم: ليلى نقولا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى